لا يزال سوق الخردة بمدينة قالمة صامدا أمام التحولات الاقتصادية و الاجتماعية المتسارعة، و لم يفقد تاريخه العريق و مكانته بين سكان قالمة القديمة الذين لا يزالوا يترددون على المكان كل يوم للقاء الأصدقاء و شراء سلع قديمة، و استرجاع ذكريات الماضي الماثلة أمامهم في باب السوق، شارع عنونة، و المآذن الأثرية و مخابز الأفران الحجرية و إسطبلات المواشي، و المقاهي الشهيرة، حاضنة الحركة الوطنية و النوادي الكشفية.
يقع سوق الخردة، الذي يواصل مقاومة متغيرات الزمن، بحي باب السوق الشهير، عند نهاية شارع عنونة التاريخي بمدينة قالمة القديمة، التي ظلت معقلا للاقتصاد و التجارة و مقاومة الاحتلال.
على أرصفة الشوارع الضيقة، و بين جدران المباني الحجرية المغطاة بالقرميد، تنتشر الخردة القديمة على نطاق واسع كل صباح، و مع مرور الزمن يزداد المكان حيوية و نشاطا، عندما يأتيه الزبائن الأوفياء من المدينة العريقة، و من الأحياء و المدن و القرى المجاورة، كل يبحث عن سلعة محددة، قد تكون مفتاح خزانة أو عجلة دراجة هوائية، موقدا قديما، بابا خشبيا أو قطعة نحاس عفا  عنها الزمن.
هنا يمكنك أن تجد كل شيء، حتى الهواتف الجوالة و الحواسيب المستعملة، و آلات الخياطة، و الأدوات الفلاحية المنهكة، و حتى الملابس القديمة حجزت مكانا لها بباب السوق، و عند كل زاوية تجد النساء يبعن و يشترين أيضا، و ينافسن الرجال في تجارة الخردة التي تعد من التقاليد الاجتماعية و الاقتصادية الراسخة، التي لا يمكن أن تتنازل عن مكانتها، رغم ما تشهده المدينة من تطور و غزو مكثف للسلع الجديدة القادمة من وراء البحر. و تعد الأسعار المغرية و فرص الاختيار الحر، و الإعادة و الاستبدال من ميزات سوق الخردة الذي يواصل استقطاب الزبائن الأوفياء من مختلف الفئات الاجتماعية، حتى الميسورين يأتون هنا بدافع الفضول، و السياحة، و أيضا لشراء سلعة قد تكون جيدة بثمن قليل.
عندما تتجول بهذا السوق العريق، تدرك بأنه لا توجد سلعة قديمة تخرج من الخدمة، و ترمى في المفارغ العمومية، كل شيء يباع هنا بثمن زهيد، قطعة خشبية مشوهة، مسمار متهالك، خزانة معدنية تعاني من الثقوب و عوامل الزمن، و مذياع من العصور الغابرة، و حذاء جلدي تداول عليه الكثير من البشر، و مقلاة شوهتها المواقد، و محرك صغير التصقت أحشاؤه مع بعضها البعض.  و رغم كل العيوب المكشوفة و المخفية للخردة المعروضة للبيع، فإن لكل سلعة زبون يشتريها بما استطاع إليه سبيلا.  و يعد سوق الخردة من أهم معالم مدينة قالمة القديمة، و إذا لم يصل الزائر إلى شارع عنونة، باب السوق، و مقهى محمد العيد، و المسجد العتيق و سوق الخردة، و مخابز الأفران الحجرية، و صور الثكنة القديمة، و باب سكيكدة، و المسرح الروماني، فإنه لم يزر قالمة التاريخ و الحضارة و العادات و التقاليد العريقة.  
و بالرغم من توسع المدينة و ظهور أقطاب سكنية و تجارية كثيرة، فإن سوق الخردة بمدينة قالمة القديمة، لا يزال محافظا على مكانته الاقتصادية و الاجتماعية، و يعتبره السكان معلما من معالم مدينة الثامن ماي التي تعاقبت عليها حضارات كثيرة منذ فجر التاريخ.
فريد.غ          

الرجوع إلى الأعلى