تعد قصور تمنطيط  بولاية أدرار، من أهم المعالم السياحية التي لا تزال شاهدة على حقبة زمنية طويلة من التاريخ البشري تركت بصمتها بهذا المكان، حيث يرجح بعض المؤرخين أن تاريخ تشييد هذه القصور يعود سنة 130 ميلادي.
وضعية قصور تمنطيط اليوم لا تعكس القيمة التاريخية و الأثرية لهذا الموروث التاريخي الهام الذي يعد شاهدا على عصور طويلة تعاقبت عليها عدة أجيال، حيث أن أغلب هذه البنايات المبنية بالطوب الأحمر مهددة بالانهيار، كما أن العائلات المقيمة بها، لجأت إلى هدمها وبناء مساكن جديدة باستعمال الإسمنت والآجر، و تخلت عن الهندسة المعمارية القديمة التي تميزها، كما أن التغيير المسجل في هندسة البنايات، أثر على النمط العمراني الأثري لهذا لموقع، وتشوهت صورته، حيث أن العديد من المباني هدمت وعوضت ببنايات مخالفة تماما للنمط العمراني للمنطقة.
و الملاحظ أن السائح الذي يزور المكان، لا يجد من يرشده أو يوضح له التاريخ العريق للموقع، سوى بعض اللافتات التي تعرف بأسماء أحياء القصر، ومنها  حي أولاد  صلاح، حي أولاد داود وغيرها، وبذلك لا يجد الزائر أمامه سوى التجول وسط الأزقة الضيقة للقصر و التمتع بمناظرها، و يسبح بخياله وسط عصور قديمة.
حسب ممثل جمعية إحياء التراث بتمنطيط سعيد ديوب، فإن قصور تمنطيط  كانت عبارة عن عاصمة لإقليم « التوات»، و كانت هذه القصور محطة للقوافل التجارية قبل أن تكمل مسيرها، مشيرا إلى أن في العصورالقديمة حركة التجارة لم تكن عبر النقل الجوي والبحري، مثلما هي عليه الحال اليوم، بل كانت عن طريق قوافل تجارية برية تقطع مسافات طويلة، و تضع  مواقع معينة  كمحطات لأخذ قسط من الراحة، قبل مواصلة المسير، وكانت القوافل القادمة من الجنوب، خاصة من السودان باتجاه تلمسان و فاس، تحط رحالها بقصور تمنطيط لأخذ  قسط من الراحة قبل مواصلة طريقها.
كما كانت هذه القوافل، حسب نفس المصدر، إلى جانب تبادلها السلع،   تتبادل أيضا الكتب والمخطوطات العلمية، مشيرا إلى أن أقدم المخطوطات العلمية تتواجد حاليا بهذا القصر، حيث أن خزانة العائلة البكرية لوحدها تتضمن 360 مخطوطا، إلى جانب عدد من العائلات الأخرى التي تتوفر على عدد كبير من الكتب والمخطوطات، و كانت  هذه العائلات تعطي قيمة كبيرة للعلم والكتاب، و يوجد ضمن هذه الكتب النادرة ، كتاب  رش بماء  الذهب، تعبيرا من أفراد تلك العائلات عن قيمة العلم.
 لغز الرقم 360  
وذكر ممثل جمعية إحياء التراث بتمنطيط،  بأن الرقم 360 لصيق بهذا القصر، حيث تتواجد فيه 360 مخطوطا، و360 فقارة، و360 حرفيا، كما تحيط بالقصر مجموعة من أبراج المراقبة والخنادق «أحفير»، التي كانت تستعمل ضمن نظام دفاعي لمواجهة الغزوات التي كانت تحدث بين القبائل بالمنطقة، لكن رغم كل هذه القيمة التاريخية والثقافية والأثرية لهذا الموقع الذي من المفروض أن يكون قبلة لأعداد كبيرة من السياح ، إلا أن وضعيته المتدهورة وانهيار عدد  كبير من بناياته و تشوهه الناجم عن تغيير نمطه العمراني وعدم  العناية به و صيانته ، جعلته شبه خال من السياح، باستثناء بعض الرحلات المنظمة إلى المنطقة.
الفقارة.. نظام لسقي الواحات يأبى الاندثار
من التراث اللامادي الذي يميز قصور تمنطيط « الفقارة»، التي صنفت ضمن التراث اللامادي العالمي ، وتعتبر « الفقارة» نظام للسقي اشتهر به الفلاحون في العصور القديمة، ولايزال معمولا به إلى غاية يومنا هذا، رغم ما ميز نظام السقي الفلاحي من تطور و استعمال معدات وتجهيزات حديثة في سقي واحات النخيل. و للفقارة ، حسب ممثل جمعية  إحياء التراث بتمنطيط ، هي الأخرى تاريخها العريق، حيث يرجح أن يعود أصلها، حسب روايات بعض المؤرخين إلى أقباط مصر، مشيرا إلى أن أصل التسمية باللغة العربية هو « فجارة» ، في حين غير المصريون حرف الجيم بالقاف وتحولت إلى فقارة بدل فجارة.
ويعود الفضل في اكتشاف هذا النظام من السقي، حسب نفس المتحدث، إلى  «الكيالين» وهم الأشخاص المختصين في حساب الماء، حيث يستعملون تقنيات خاصة في استخراج الماء من الأرض وتحديد  مكان تواجده،  مشيرا إلى أن الفقارة عبارة عن سلسلة من الآبار التي يحدد مكانها» الكيال»، و تكون في مكان مرتفع عن واحات النخيل، ويتم بذلك تشكيل قنوات للسقي، تنطلق من الآبار نحو واحات النخيل، دون استعمال أي مضخات أو معدات حديثة، مثلما هو عليه الحال اليوم.
والمميز أيضا بالنسبة للفقارة، تلك القنوات  الخاصة بالسقي، حيث تختلف أحجامها ، وبالتالي الحصول على كميات المياه المنشودة ، تكون مختلفة بين الفلاحين الذين يستفيدون من هذا النظام في السقي، ويذكر في هذا الإطار ممثل جمعية إحياء التراث بتمنطيط، بأن هذا الاختلاف في قنوات السقي ، الهدف منه  تحديد كمية المياه  التي يحصل عليها كل فلاح، حيث تتناسب الكمية مع قيمة الأموال التي يدفعها، حيث  يحصل الفلاح على  المياه  من نظام  الفقارة بمقابل  مالي، وبالتالي  تحدد له الكمية التي يحصل عليها ، وتكون معادلة للقيمة المالية التي يدفعها.
في نفس الوقت توجد قناة صغيرة في الفقارة، يستفيد منها الأشخاص الذين ليس لهم أموال ، ويتطوعون لتنظيف و تنقية الفقارة وقنوات السقي، مقابل حصولهم على المياه التي تصب من نظام السقي الصغير في الفقارة.  و ختم المتحدث حديثه، مؤكدا  بأن قصور تمنطيط ، المصنفة ضمن  الموروث الثقافي المادي  واللامادي، تحتاج إلى عناية أكبر لحمايتها من  الاندثار، وهذا ما  تسعى إليه جمعية إحياء التراث بتمنطيط،  بما تملكه من  امكانيات، للتعريف بهذا الموروث الهام .
نورالدين ع

الرجوع إلى الأعلى