يعد رعاة المواشي بقالمة أكثر حظا في هذه الأيام الصعبة التي يعيشها سكان المدن و القرى المحاصرين داخل منازلهم، هربا من الضربات المرعبة لفيروس كورونا الخطير الذي يجتاح البلاد
 و ينذر بقادم سيّئ على الجزائريين.
رعاة البقر و الغنم بقالمة مجتمع ريفي معزول و مشتت على حيز جغرافي واسع، بعيدا عن المناطق الحضرية المزدحمة بالناس، يعتمد سكانه على الزراعات البسيطة و الأنشطة الرعوية التي تعد المصدر الرئيسي للمعيشة، و قد تحولت عزلتهم و معاناتهم الأبدية اليوم إلى نعمة يحسدون عليها، حيث تعد المناطق الريفية النائية الأقل عرضة لعدوى الكوفيد المستجد بسبب نقص الحركة و البعد عن البؤر المعرضة للتلوث بالفيروس المدمر.
و يتابع هؤلاء الرعاة عن كثب الوضع الصحي المتدهور في البلاد، و أصبحوا أكثر حذرا تجاه كل زائر قادم من المدن و القرى، لم يعودوا يرعون القطعان قرب الطرقات المعبدة، و اختفوا بين الاودية و الشعاب و رؤوس الجبال حتى يضعوا حدا نهائيا للاتصال بالأشخاص الآخرين، في زمن أصبح هذا الاتصال البشري مشكلة صحية خطيرة.  
كل صباح ينهض محمد، أحد الرعاة الشباب بمرتفعات السرى و جبل مرمورة غربي قالمة، في ساعة مبكرة من الصباح لتفقد القطيع داخل الحظيرة، و عزل الخراف الصغيرة عن أمهاتها، استعدادا للتوجه إلى المرعى البعيدة، أين يقضي ساعات طويلة وسط الطبيعة الجميلة حيث الهواء النقي و الهدوء.
يقول محمد متحدثا للنصر من موقع آمن، بأنه طلب من أقاربه المقيمين بالمدينة بأن يوقفوا زياراتهم هذه الأيام الربيعية الجميلة التي تعود فيها سكان المدن على التوجه إلى الريف لقضاء العطلة و الاستمتاع بجمال الطبيعة، مؤكدا بأن الرعاة لم يعودوا يتوجهون إلى المدينة بعد غلق أسواق المواشي و إطلاق إجراءات الوقاية من العدوى.
و يتواصل محمد، و هو شاب لا يتجاوز 30 سنة مع أقاربه و أصدقائه بالمدينة عبر الهتاف الجوال و يتابع المستجدات على القنوات الوطنية عند العودة من المرعى في المساء.  و تعتمد العائلات الريفية بقالمة على طحين القمح و حليب و لبن الأبقار و الماعز، و بعض ما جادت به الأرض من خيرات، كالخضر البرية ذات الفوائد الصحية الكبيرة، و بعض المنتجات المزروعة بحدائق صغيرة تحيط بالمنزل الريفي، و لا يكاد منزل ريفي بقالمة يخلو من هذه الحدائق و البساتين الصغيرة التي تعد من أهم مصادر المعيشة، إلى جانب المواشي و حقول القمح و الفول و غيرهما من المنتجات الزراعية الأخرى.
و يمكن للعزلة التي فرضتها الجغرافيا على الأقاليم الجبلية بقالمة أن تحمي مجتمع الرعاة من خطر الوباء، دون الحاجة إلى الحجر الصحي داخل المنازل، إذا التزم الناس بتدابير الوقاية و أوقفوا الزيارات العائلية التي تزداد كل موسم ربيع.
و يسعى رعاة البقر و الغنم بقالمة إلى الابتعاد عن الناس و الهروب من الخطر حتى لا يقعوا تحت طائلة الإجراءات التي يخضع لها المشتبه في إصابتهم، لأن الحجر بالنسبة لهؤلاء الرعاة يعني توقف النشاط و بقاء القطعان دون حماية و دون غذاء، مما يعرضها للموت و السرقة في غضون أيام قليلة.  
و يقف الرعاة و المزارعون بقالمة على الخطوط الأولى لجبهة التصدي لوباء كورونا بالجزائر، فهم مصدر الغذاء
و الأمان في ظل الوضع الصحي الصعب و الاقتصاد المتداعي.                    فريد.غ       

الرجوع إلى الأعلى