ترى المدونة الجزائرية و صانعة المحتوى على وسائل التواصل، سلمى بكوش، أن المكوث بالبيت قد يكون أعظم إنجاز نقدمه للبشرية في مواجهة أزمة فيروس "كورونا المستجد"، و في حديثها للنصر، تشارك خريجة برنامج "تيك وومن"، القراء، يومياتها في الحجر المنزلي، و تخبرنا كيف استطاعت التأقلم معه و خلق فرص جديدة أتاحت لها "شحن بطاريتها الجسدية و النفسية".
"كنت شخصيا في حالة إنكار للفيروس كورونا بالجزائر الى تاريخ 12 مارس 2020 حيث تم الاعلان عن أول حالة وفاة بالجزائر وعلى إثرها تم غلق المدارس والجامعات.. فجأة شعرت بالقلق، فقررت أن أبحث ولكن ليس بمفردي لأنني لست من أهل الاختصاص حتى أجيب عن أسئلتي"، كهذا بدأت سلمى تحدثنا عن بداية تجربتها في التعامل مع الوضع العام الذي فرضه انتشار الفيروس.
و تضيف سلمى "لجأت الى صديقات مختصات في الطب و الصيدلة، وقد أجبن على كل أسئلتي ومع ذلك استمر لدي قلق مرفق بأرق متزايد ينتابني وشعرت لأيام متتالية أنني عاجزة عن فعل أي شيء"، و ذكرت محدثنا أن حالة الأرق و الارهاق كانت تزيد كل ما فتحت منصات مواقع التواصل الاجتماعي و بالأخص فايسبوك، فتنتابها مثلما أضافت، "نوبة هلع" أدركت حجم مأساتها وتأكدت أنها إذ لم تمت بفيروس كرونا فإنها "ستموت حتما بجهل مستعملي فايسبوك".
 و تخبرنا خريجة المدرسة العليا للإعلام الآلي بالجزائر العاصمة، أن تجربتها السلبية على "الفايسبوك" الأسبوع الماضي، كان الأسوأ على الاطلاق بسبب ضغط الأخبار الكاذبة إلى "محتوى من هب ودب".
"إذا أردت تغيير العالم، فابدأ أولاً بترتيب سريرك كل صباح!"
و تضيف سلمى التي تعمل كمساعدة توظيف بأحد المجمعات، أنه مع تجميد كل عمليات التوظيف والحد من الدخول والخروج على مستوى قواعد العمل بمدينتي حاسي مسعود كإجراء وقائي، اضطرت إلى أخذ إجازة منذ 19 مارس، فقررت يومها أنها ستقوم ببعض الأنشطة في البيت وممارسة دورية كصانعة محتوى على أكمل وجه.
و تتابع سلمى و هي مهندسة الدولة في نظم المعلومات و التكنولوجيا، "نعم أنا في الحجر المنزلي منذ أسبوع وسأستمر لأسبوع ثان رفقة أخواتي لأنه حتى الآن لا يوجد علاج لفيروس كورونا والحل الوحيد حسب خبراء الصحة، هو ملازمة البيوت على الأقل لأسبوعين، للحد من تفشي العدوى، كما أنه السبيل الوحيد للتخفيف من الضغط على أطبائنا وممرضينا في المستشفيات والذين يعملون تحت ضغط"، و تضيف ابنة مدينة حاسي مسعود "لهذا المكوث في البيت صار حتميا على كل فرد منا من باب المسؤولية حتى إن لم تأمر السلطات بذلك في كل الولايات".
و تؤكد سلمى بكوش التي يتابعها مئات الأشخاص في حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها تحاول أن تقيم علاقة صداقة مع الأشغال المنزلية، و لأنه لا مجال لطلب المساعدة فقد قررت مثلما تضيف، أن تعتمد على نفسها وتشرك أخوتها في هذا التحدي بتعلم طهي أطباق جديدة، ترتيب سريرها ثم غرفتها، ثم المنزل، فقد يدفع ذلك بها إلى تغيير العالم حقا، تقول سلمى قبل أن تردف "لما لا أحاول؟".
من مدمنة عمل إلى إنسانة تعلمت كيف تنصت لنفسها
و تضيف محدثتنا أن التحدي الثاني الذي تواجهه حاليا، هو محاولة الاستفادة قدر الإمكان من الخلوة بنفسها، ففي وقت مضى و كمدمنة عمل، كان مجرد التفكير في الانفراد بنفسها دون القيام بشيء مجرد كابوس إلى أن اضطررت إليه، تقول سلمى، التي تعلمت مثلما أخبرتنا، كيف تنصت لنفسها، لتعلق قائلة "أحدّث مشاعري وأتركها تعبر عن نفسها وقد لاحظت أن الوقت الذي لا أقوم فيه بشيء يذكر هو الوقت الذي تشحن فيه بطارياتي الجسدية والنفسية للقيام بأشياء كثيرة في ما بعد، وهو الوقت الذي أقيم فيه علاقة صداقة مع الأنا".
و تردف سلمى للنصر "نعم، أتحاور مع ذاتي في الأسئلة الوجودية، ما الذي أريده من الحياة مثلا؟ و هو ذات الوقت الذي أراجع فيه قيمي و أولوياتي على المدى القصير والتي سرعان ما تتغير وأحاول جاهدة التكيف معها، لأنني لا أؤمن بالتخطيط على المدى المتوسط والبعيد وفيروس كورنا أكد لي أنه فعلا لا داعي لمخططات سنة جديدة، وفي انتظار إعادة برمجة الفعاليات التي ألغيت، أقوم بالتركيز على نشاطاتي اليومية والعادات الفعالة التي يمكن أن أكتسبها يوميا للتحكم في وقتي وطاقتي بشكل أفضل".
"البحث عن المعلومة الموثوقة أصبح كالبحث عن إبرة في كومة قش"
محدثتنا ذكرت أن التحدي الآخر الذي صادفته، هو معالجة "وعكة القراءة" التي تمر بها منذ 6 أشهر، فكمدمنة كتب، تحاول سلمى أن تجد كل مرة كتابا يتلاءم مع حالتها النفسية والظروف التي تمر بها، معلقة في هذا الشأن "القراءة تعينني دوما على تصحيح معتقداتي الخاطئة وتطور مهارة النقد لدي حتى لا أستهلك كل ما أقرأ.. الأجمل في القراءة أنها تعزز التواضع في نفسي وتثير الفضول في عقلي، وبما أن القراءة في البيت ليست سهلة كما كنت أعتقد فحاليا أحرص على القراءة في غرفة لا يوجد فيها لا جهاز كمبيوتر ولا هواتف".
وعن الفرص التي أضافها لها الحجر المنزلي، تؤكد سلمى أن الوضع الجديد أتاح لها إمكانية التواصل يوميا مع أفراد عائلتها، أصدقائها، صديقاتها و زملائها بالعمل و كذلك الجمعيات للسؤال عن أخبارهم والاطمئنان عليهم، و تضيف محدثتنا قائلة "بما أنني أحب تواجدي على منصات مواقع التواصل الاجتماعي (لينكدان ،فايسبوك، تويتر ويوتيوب )ولأنني أؤمن بقدرتها على المساهمة في تغيير الواقع للأفضل، فأنا أحرص يوميا على متابعة الأخبار من مصادر موثوقة، كحملات التوعية من طرف أطباء وباحثين في المجال. صراحة لا أستهلك كل ما يروج له كما أني ألجأ معظم الوقت لخاصيتي Unfollow  و Block إذا تطلب الأمر لأن البحث عن المعلومة الموثوقة في هذه الأوضاع أصبح كالبحث عن إبرة في كومة قش".
المحتوى الإيجابي و الهزلي مفيد للصحة النفسية
وكمدونة تخبرنا سلمى أنها استمرت في نشاطها على الفضاء الافتراضي، من خلال القيام يوميا بنشر محتوى توعوي حول فيروس كورنا من إنشاء مختصين جزائريين وكذا المبادرات الفاعلة التي يقوم بها المجتمع المدني لإيجاد حلول للتصدي للأزمة، كما أنها تسعى لنشر فرص للتعلم عن بعد والتسجيل في منح مرموقة موجهة للجزائريين، إضافة إلى أنها تحاول قدر الإمكان، البحث عن محتوى إيجابي وهزلي لنشره كونه مفيد للصحة النفسية وخاصة أننا بأمس الحاجة لمعنويات مرتفعة أكثر من أي وقت مضى، تؤكد محدثتنا.
و تتابع خريجة برنامج "تيك وومن" الدولي الموجه للنساء الرائدات في مجال العلوم، بالقول إنها تستمتع كثيرا خلال هذه الفترة بالقيام بعباداتها بشكل منتظم، كما تكثر من الدعاء ليرفع الله عنا هذا البلاء، مضيفة "أستمتع بأعظم النعم التي منحها الله لي وأشكره عليها لأني أدرك تماما أنها امتياز كالوطن، الصحة، المنزل، العائلة، الأصدقاء، الحب غير المشروط، العمل والهوايات، وأشياء أخرى لا تعد و لا تحصى لقوله تعالى  في كتابه "وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)" سورة ابراهيم".
سلمى دعت في الأخير، الجزائريين إلى التحلي بالصبر والمساهمة في حل أزمة كورونا حتى ولو كان ذلك بالمكوث في البيت ونشر الكلمة الطيبة، فقد يكون هذا، مثلما تتابع المدونة الجزائرية، أعظم إنجاز نقدمه للبشرية حاليا، لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى