تروي، ضاوية خليفة الصحفية بالإذاعة الثقافية، لقراء النصر عن تفاصيل الرحلة التي قادتها إلى المملكة المتحدة لقضاء العطلة و أخذ قسط من الراحة، و التي سرعان ما تحوّلت إلى ما يشبه مسلسل رعب أدخلها في دوامة من التساؤلات و الشكوك حول مصيرها و هي الغريبة في بلد انتشر فيه وباء فيروس كورونا كوفيد 19، و عن رحلة العودة لإجلاء الرعايا الجزائريين من مطار هيثرو بلندن إلى مطار السانيا بوهران و أيام الرعب التي سبقتها، بعد تعليق برنامج الرحلات الجوية، ما جعل الكثير من الرعايا يعتبرونها رحلة الخلاص هروبا من جحيم عدوى الوباء و الفيروس المخفي الذي اجتاح الأراضي البريطانية، دون أن تتخذ في مرحلته الأولى الاجراءات الوقائية و الاحترازية اللازمة، ما زاد من جرعات الخوف في النفوس من انتقال العدوى، و أربك العديد من المسافرين و أفراد الجالية، و جعلهم يطالبون بإلحاح شديد من السلطات الجزائرية تخصيص رحلة لإجلاء الرعايا العالقين بالمطار و أفراد الجالية الراغبين في العودة إلى أرض الوطن، كما تحدثت من داخل غرفتها بأحد الفنادق الخاصة بولاية مستغانم، أين تمكث لقضاء فترة الحجر الصحي، عن  تفاصيل الرحلة و ظروف الحجر و العزل بالغرف .

لم أكن أعلم أن السفر في زمن الكورونا مخاطرة و مجازفة
تستهل، ضاوية حديثها و ملامح الأمل ترتسم على وجهها بابتسامة مشرقة عبر تسجيل بالفيديو، و تقول « أكلمكم الآن من غرفة الحجر الصحي بولاية مستغانم في أحد الفنادق الخاصة و قد دخلت إليها منذ تاريخ 11 مارس الجاري» و تضيف  «سافرت مؤخرا و لم أكن أعلم أن السفر في زمن الكورونا مخاطرة و مجازفة كبيرة»، سافرت إلى الملكة المتحدة، كل الأمور كانت عادية، فقد تنقلت من مطار هواري بومدين الدولي، أين كانت ظروف الوقاية مشددة، لبست القفازات و قمت بإجراءات الوقاية و التعقيم، و « بوصولي لمطار هيثرو بلندن وجدت أن هذا البلد و كأنه لا يعترف بالكورونا، لا تعقيم و لا كمامات طبية، هناك شعرت بالثقة و قضيت أيامي الأولى ... حوالي أربعة أيام بشكل عادي «
تعليق الرحلات أدخلني في دوامة من الشك و الخوف
 وصلت ضاوية إلى عاصمة الضباب و قضت أيامها الأولى بشكل عادي، قبل أن تدخل في دوامة من الرعب و الخوف، كما قالت في سردها لتفاصيل الرحلة «كنت أتجول في مدينة برمينغهام و أتسوق بشكل عادي،  إلا أن الأمور بدأت تتعقد» و تزيد تعقيدا بتعليق برنامج الرحلات الجوية، مشيرة إلى أنه و بتعليق الرحلات « بدأ الشك و الخوف يراودني معها منذ أن وصلني بريد من الخطوط الجزائرية أخبروني فيه أن رحلتي التي كانت مبرمجة يوم الجمعة 20 مارس قد ألغيت، بصراحة كنت بعيدة عن لندن و لم يكن باستطاعتي التنقل يوميا من بيرمنغاهم إليها لأن المسافة طويلة نوعا ما ».
البحث عن خيط الخلاص و الخروج من الورطة
 عندها أدركت أن الأمور بدأت تسوء و أضحت تبحث عن سبيل للخلاص و طريقة للخروج من هذه الورطة، تستذكر تلك اللحظات الحزينة و تواصل حديثها «حاولت البحث عن أناس هناك للإستفسار و تزويدي بالمعلومات الكافية من خلال تنقلهم إلى المطار أو الاتصال بشركة الخطوط الجوية الجزائرية، فقد كنت على تواصل معهم لكن للأسف لم أتمكن بعدها بالنظر إلى الضغط الكبير على المجمع الهاتفي الذي كان حينها مزدحما و يستقبل مكالمات كثيرة».
بعدها قصدت شركات طيران أخرى، في محاولة للعودة إلى أرض الوطن بكل الطرق، « كنت أحاول أن أجد منفذا فقط للعودة إلى أرض الوطن لأن الأمور بعدها بدأت تتأزم في المملكة المتحدة، شعرت أنني في مشكل و زيادة على ذلك كانت تأشيرتي ستنتهي يوم 27 مارس» أي يوم فقط قبل العودة .
 طلبت النجدة في الفايسبوك و شعرت بالانهيار
هذا الوضع الذي زاد تأزما، حوّل العطلة من مسعى للتنفيس عن النفس و تغيير روتين الحياة إلى حالة من التيه في بلاد الغربة، بعيدا عن الأهل و الأصدقاء، لهذا بدأت تفكر في حل، و واصلت حديثها « كدت أن أنهار و لأني لم أجد شركة طيران بعدما قصدت مطار بيرمينغهام أين وجدت أن أغلب الرحلات كانت ملغاة، شعرت حينها أن الحل في نشر رسالة للنجدة عبر الفايسبوك»، كتبت فيها أنها بحاجة إلى المساعدة  لتوجيهها أو تقريبها من أناس في لندن يمكن لهم مساعدتها في العودة أو يجيبون على استفساراتها بالمعلومة الكافية و قنوات الإتصال ... و هو ما تحقق  «بالفعل تم توجيهي إلى القنصلية الجزائرية ببريطانيا و في هذا المقام أتوجه لهم بالشكر على كل مجهوداتهم و أيضا قنصلية الجزائر بباريس لأنني كنت أتواصل معهم للدخول على باريس»
و قالت بخصوص تعامل الممثليات الدبلوماسية بالخارج في هذه الأزمة « مصالح قنصلية لندن كانت حريصة و واقفة على عملية ترحيلنا فهي من استلمت مهمة نقلنا لما وصلنا إلى المطار»
300 عائلة اهتزت فرحا بوصول الطائرة
الوصول إلى المطار و ترتيب جميع الإجراءات المتعلقة برحلة العودة لإجلاء الرعايا الجزائيين العالقين بمختلف المدن البريطانية، أعاد الطمأنينة إلى النفوس، « الطائرة تأخرت بحوالي ساعتين عن الموعد، كنا حوالي 300 عائلة و أحسسنا و كأننا عائلة واحدة، كنا نتقاسم الأكل و نستفسر عن أحوال بعضنا، بمجرد أن نبهونا داخل المطار بوصول الطائرة التي ستنقلنا إلى الجزائر، اهتز الجميع فرحا و دوى صوت الزغاريد و التصفيقات الحارة».
و تضيف «بعدها غادرنا من هناك إلى مطار السانيا بوهران، بوصولنا شعرنا براحة نفسية كبيرة، أخذت الإجراءات قليلا من الوقت و بنزولنا وجدنا فريقا طبيا، قام بقياس درجات حرارتنا و مرافقتنا أمنيا من وهران إلى ولاية مستغانم حتى استلمنا أمتعتنا و دخلنا لغرف العزل، أين تم توزيعنا بمختلف المؤسسات الفندفية».
نحظى برعاية خاصة و متابعة دورية لفريق طبي
أما عن ظروف الحجر الصحي فتقول «أتحدث لكم عن تجربتي هنا في الحجر الصحي، نلقى الرعاية الكاملة ... نشعر أنهم يخدموننا بإخلاص، كذلك نلقى الرعاية من فريق طبي يزورنا بالغرقة بحكم منع الاختلاط و الخروج من غرفة الحجر، لقياس درجة الحرارة و التوجيه، و فيه فريق طبي متواجد يوميا في حال الطلب أو الحاجة، مشيرة إلى استغرابها من نظرة الناس إلى الحجر الصحي « ... ينظرون إليه على أنه، و على ان الخاضع لهذا الإجراء موبوء و هذا خطأ لسنا مصابين بالفيروس ... شخصيا أنظر إليه على أنه فترة نقاهة و راحة و هو إجراء وقائي يشبه تماما مكوثنا في منازلنا و بهذا الإجراء سنقلص في نسب الإصابة بالفيروس، و ننقص أيضا من الوفيات و لهذا لا بد على الجميع الخضوع لهذا الإجراء لمدة 15 يوما، لأنها لا تساوي شيئا أمام حتمية الحفاظ على صحتنا» .
و لتجاوز هذه الفترة، و كسر الروتين داخل الغرفة، تستغل الفرصة لعدم تضييع وقتها و استثماره في مشاريع مفيدة، بالعودة إلى أدق التفاصيل في رواية عن هذه الرحلة بالذات ليدعم رفوف المكتبة في الجناح المخصص لأدب الرحلات، و قالت «في هذا الظرف أقوم بقراءة الكتب و أكتب عن سفريتي الأخيرة مستغلة حضور النفسية و قوة الشخصية في هذه المواقف و المحطات من الحياة»، لتختتم حديثها بتوجيه النصح انطلاقا من هذه التجربة و تمنياتها بالقول  «أتمنى موفور الصحة و طول العمر للجميع ... أمنيتي أن يلتزم الجميع بقواعد السلامة الصحية كتنظيف اليدين و تجنب الملامسة في التحايا ... نصبر قليلا حتى يرفع الله هذا البلاء و نعود بعدها إلى الروتين العادي للحياة «.
ع/ بوعبدالله

الرجوع إلى الأعلى