تشهد عدد من ولايات الوطن منذ إقرار حظر التجول جزئيا وحتى بعد و تعميمه حركة ليلية للشباب، في ممارسات يراها مواطنون مجرد تمرد و استعراض للفئات الشبانية غير الواعية بخطورة الوضع، و استهتار بأزمة وبائية قد تكون  عواقبها وخيمة ، فيما أرجع المختص في علم الاجتماع البروفيسور محمد طيبي سبب عدم الامتثال للقرار إلى غياب «قدوة» للشباب، ويرى أن ما نحتاجه هو تأطير مدني للفضاءات البعيدة عن حضور السلطات، كما قال بأننا بحاجة إلى إعلام أزمات لتسيير هذه المرحلة الحساسة للتخلص من هكذا سلوكات.
فيوميا ومنذ فرض حظر التجول بولاية قسنطينة تشهد الأحياء حركة غير عادية قبل الساعة مساء ، حيث يتجمع شباب أغلبهم من المراهقين في الشارع فيما يشبه التحضير المسبق لما بعد الحظر،  قبل أن يحتموا بمحلات مهجورة ومداخل عمارات عند السابعة مساء ، في انتظار مرور دوريات الأمن و الدرك، و بمجرد حلول الظلام ومغادرة عناصر الأمن،  يخرجون في شكل مجموعات، حيث قال سكان حي سوناتيبا بزواغي أن الحركة لم تهدأ رغم الإجراءات الوقائية، مشيرين بأن الصخب يعم أرجاء الحي بعد السابعة بدقائق ويشتد ليلا، وهو نفس ما قاله سكان أحياء قديمة مثل السويقة والقصبة ، أكدوا بأن تلك الرقعة من المدينة تبدو وكأنها غير معنية بالقرار، حي يتجول الشباب بكل حرية  و نجدهم في حالة احتكاك خطير دون وعي بما قد ينجر عن ذلك من خطر.
نفس الظاهرة تطرح بولايات عديدة من شرق البلاد و خاصة بالأحياء المغلقة  والبعيدة عن المحاور الرئيسية، أين تمارس طقوس اعتاد عليها سكان بعض المدن مثل استهلاك الكحول والمخدرات و الصراخ، وحمل مواطنون  تحدثوا إلى النصر المسؤولية للأولياء الذين أظهروا، حسبهم، حالة من عدم القدرة على إلزام أبنائهم بعدم الخروج،  و أيضا لجان الأحياء التي يقولون أنها لم تلعب دورها في التحسيس وتجاهلت الأمر، بينما قال لنا رئيس لجنة حي بالمدينة الجديدة أنهم حاولوا التوعية لكن الإشكال يطرح بالنسبة لفئة يستحيل فتح حوار معها، مشيرا بأن من يبيتون خارج المنازل هم  من مدمني المخدرات والكحول وعادة ما يتحركون بشكل جماعي ويدخلون في معارك ليلية، وهو نفس ما ذهب إليه عضو بجمعية أخرى أكد بأن الأمر يتعلق بأشخاص يتحاشاهم السكان من قبل، لكنه لم ينف وجود آخرين كسروا الحظر  بعدما لاحظوا بأن الحركة لم تتوقف، لكنهم كما قال يبقون بالقرب من عماراتهم خوفا من دوريات مفاجئة.
وإضافة إلى التجمعات بمداخل العمارات والمحلات المهجورة، هناك من يختارون الخلاء، بينما حول البعض سياراتهم المركونة بالأحياء  إلى  أمكنة للجلوس في شكل مجموعات لتجاذب أطراف الحديث وارتشاف فناجين قهوة يتم تداولها على أكثر من شخص في تصرفات تنم عن حالة من عدم الوعي بخطورة الأمر.  
و هي سلوكات لقيت استهجان العديد من الأشخاص، حسب ما لاحظناه في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دعا كثيرون إلى اتخاذ إجراءات ردعية و تسليط عقوبات سواء بالحبس أو بغرامة مالية،  مثمنين  تعليمات رئيس الجمهورية بالردع والتي كانت متبوعة بفرض غرامات مالية على من يخترقون حظر التجوال.
  وقد  اعتبر البعض أن هذه السلوكات الاستعراضية لبعض الشباب تدل على انعدام الوعي لديهم و عدم شعورهم بخطورة الوباء، ما قد يجر إلى كارثة حقيقية ، كما عبروا عن  استهجانهم لعدم التزام باقي الفئات العمرية و حتى كبار السن بالبقاء في البيت خلال اليوم، حيث عادت الحركة في الشوارع إلى طبيعتها منذ أيام، ولوحظ أن الأسواق تعج بحركة عادية ودون اتخاذ الإحتياطات، سيما بالنسبة لكبار السن الذين واصل العديد منهم التسوق بشكل عادي ومعظمهم يرفضون وضع الكمامات.    
البروفيسور محمد  طيبي مختص في علم الاجتماع : الظاهرة تحتاج  لخطاب أزماتي  


المختص  في علم الاجتماع البروفيسور محمد طيبي قال في حديثه للنصر، بأنه يصعب التحكم في المجتمعات غير المنظمة في ظرف كالذي نعيشه اليوم، قائلا بأن  تمرد  الفئات الشبانية على قرار حظر التجوال المفروض من الساعة السابعة مساء إلى غاية الساعة صباحا، نلمسه عند الفئات التي  تنقصها الثقافة و ليس لها ارتباط بالقيم، فهي بطبعها  لا تعطي الأمور حقها سواء في الكوارث أو الأزمات كأزمة وباء كورونا ، بحيث تتعامل معها باستخفاف،.
 كما أن هناك حسب المختص فئة أخرى من الشباب متمردة و ترفض الامتثال للقرارات الفوقية و تحاول دائما أن تبرز شجاعتها و عدم اكتراثها للأزمات، و المتمثلة كما أضاف المتحدث، في الفئة التي تأثرت بتداعيات الأزمات التي عاشتها البلاد،  و  لم تجد مكانة لها و تظهر و كأنها مطاردة من كل الجهات، بحيث لا تجد فضاء خاص  بها فتصبح متمردة على ما يتم إقراره، معتبرا بأن هذا التمرد يجب أن يعالج  بسياسة الحوار التي نفتقدها اليوم، بعيدا عن استعمال القوة التي لا تجدي نفعا و تعقد الوضع أكثر، مرجعا مشكل التمرد الشباب الذي اعتبره نتاج لسياستنا و مؤسساتنا، أيضا إلى عدم قدرة الفاعلين في الميدان على التحكم في المجتمعات غير المنظمة، مؤكدا بأن تنظيم المجتمع يكون بالأفكار  و بقيادات الإقناع.     
محدثنا قال بأننا بحاجة للتأطير المدني للأحياء و الفضاءات البعيدة عن حضور السلطات، و كذا لإعلام مؤسسي خاص بالشباب يرتكز على خطاب أزماتي لقادة مؤثرين يعدون قدوة للشباب ، إذ حث على ضرورة تدخل الفاعلين و قادرة الرأي المشبعين بالقيم و يعتبرون قدوة لهذه الفئة، لأن الشباب بحاجة ماسة اليوم لفئة مقنعة تخاطبه و تحترم ذكاءه و ذوقه، و هو ما نراه غائبا اليوم ما يجعل شباب يبحثون عن قدوة قيادية في الفضاء العام و يقعون في فخ الدجالين، مشيرا إلى أن الأزمة الوبائية التي نعيشها اليوم أبانت الطابع غير المركز للإعلام و  كذا غياب إعلام الأزمات .
 أسماء بوقرن 

الرجوع إلى الأعلى