تعتبر الإعلامية الجزائرية المقيمة في قطر، وهيبة بوحلايس، أنه من الأفضل التركيز على الجوانب الإيجابية خلال تغطية الأخبار المتعلقة بجائحة كورونا عوض نشر الرعب والحزن، كما تنتقد الشهرة «غير المبررة» لبعض الصحفيين ولا ترى أنها ذات جدوى طالما أنها ليست هادفة، وفي هذا الحوار الذي خصت به النصر ضمن لقاءاتها الاعلامية القليلة، تفتح ابنة قسنطينة قلبها وتتحدث عن مشاريعها المستقبلية و عن الأبحاث التي تقوم بها حاليا إضافة إلى مواضيع أخرى.

*  حاورتها: ياسمين بوالجدري

- أنت خريجة الأدب الانجليزي بالجزائر وقد أصبحت اليوم من الإعلاميات الجزائريات البارزات في الخليج والعالم العربي. كيف ساقك القدر إلى مجال الصحافة؟
نعم أنا خريجة أدب انجليزي، انتقلت إلى الدوحة منذ أكثر من عشرين عاما ولم أكن مهتمة جدا بالإعلام ولا بالعمل الصحفي لكن وبالصدفة حصلت على وظيفة صغيرة في تلفزيون قطر في قسم الدوبلاج للترويج  للأفلام التي تبثها القناة الثانية القطرية الناطقة باللغة الانجليزية وحينها كان أحد المخرجين القطريين دائما يشجعني على العمل في القناة أو الإذاعة، لأنه كان مقتنعا أن صوتي جيد جدا وأن أدائي مميز ولغتي سليمة، وفعلا أجريت امتحانا في نشرة الأخبار بتلفزيون قطر لكن مظهري كان طفوليا جدا ولا ينفع إطلاقا لتقديم الأخبار حينها.
بعدها بفترة رأيت إعلانا في إحدى الجرائد جاء فيه أن قناة الجزيرة بحاجة إلى  مذيعات طقس فشجعني زوجي بشدة وهو من أدخل الفكرة في رأسي بصراحة  ودفعني للتقديم على الوظيفة، أتذكر جيدا أن عدد المتقدمات كان كبيرا لكن نجحت أنا وزميلة أخرى لي فقط وهكذا دخلت الإعلام من باب تلفزيون قطر وقناة الجزيرة رغم أن ميولي واهتماماتي كانت دائما في العمل الدبلوماسي والسياسي.
- تعملين حاليا مراسلة للتلفزيون العربي في قطر وقد أجريت عدة تغطيات ميدانية تزامنا مع أزمة كورونا. كيف كانت أجواء العمل؟
أعمل حاليا كمراسلة في التلفزيون العربي من الدوحة وكما تعلمون كانت أعداد الاصابات كبيرة في قطر مقارنة بعدد السكان. طبعا في بداية الجائحة كان الجميع متخوفا من المرض لشح المعلومات عنه وتضارب الآراء العلمية أيضا، وقد توجهت كمراسلة ميدانية  إلى أكثر الأماكن انتشارا للمرض وقمت بتصوير  تقارير ميدانية من داخل المستشفيات وسيارات الاسعاف، كما أجريت مقابلات مع متعافين من الفيروس وأخصائيين  في الطب النفسي وآخرين في علم الفيروسات ولم أتردد لحظة أن أدخل بؤرة الانتشار في قطر رغم المخاطر.
كنت شديدة الحرص على صحة زملائي المصورين بقدر حرصي على ارتداء وسائل الوقاية، حتى أنني دخلت مستشفى الأمراض الانتقالية دون خوف. نغطي آخر التطورات لحظة بلحظة لكن كنت أركز دائما على نقل الخبر الايجابي قبل السلبي حتى لا يصاب المشاهد بالمزيد من الاحباط والخوف، كانت أيام مرهقة لكن مرت بسلام.
- هل مرّت عليك لحظات شعرت فيها أنك تخاطرين بحياتك؟
نعم شعرت بذلك خصوصا عند أول تغطية في أخطر منطقة، لكن كنت مقتنعة أن الله سيحفظنا وكنت أكثر خوفا على زميلي المصور لأنني سأكون السبب في أي أمر قد يحدث له، حتى أنني شعرت ببعض التعب بعد أيام من التصوير واقتنعت بعدها أنها مجرد وساوس لا أكثر. هذا هو العمل الصحفي وأنا اخترت أن أكون في الصفوف الأولى دائما رغم أن القناة عندنا كانت تشدد أن نبقى بعيدين عن المخاطر لكن الصحفي إجمالا يحب المغامرة بطبعه.
- كيف تعاملت عائلتك مع الوضع؟
بالنسبة لعائلتي كنت بمجرد عودتي إلى المنزل أتوجه مباشرة لأخذ حمام ساخن و لتغيير ملابسي بأقصى سرعة و وضعها بشكل سريع في الغسالة، كما أنني لم أكن أقترب من أي فرد من أفراد العائلة وأثناء التصوير أو التغطيات أغير الكمامة مرات عدة والقفازات وقد تقبلت عائلتي الوضع رغم خوفها علي.
- ما قراءتك للمعالجة الاعلامية خلال أزمة كورونا في العالم العربي تحديدا؟
هذا سؤال صعب لأن الفيروس أثر بطرق مختلفة في كل بلد، فما حدث في إيطاليا لم يحدث مثله في الدنمارك مثلا وهنا وجب على الاعلاميين تغطية الأعداد الكبيرة من المتوفين بكل شفافية، فلن يستطيع المراسل في روما أن يصف الوضع على حقيقته والعكس صحيح بالنسبة لدول كانت متضررة بشكل أقل، لكن لا أنكر أن البعض ركز على نشر الرعب والحزن أكثر من محاولته الحديث في احتمالية وجود لقاحات وعلاج بشكل أكثر إيجابية. بالنهاية الأمر يعود إلى نظرة الصحفي إما تشاؤمية أو متفائلة.
- ما هي الدروس التي تعلمتها من هذه الأزمة؟
تعلمت الحرص أكثر ، الاهتمام بزملائي أكثر، وبأن التفاؤل والإيجابية لهما أثر أكبر على الجميع.
- عملت سابقا كسكرتيرة في مجلس إدارة منتدى سيدات الأعمال القطريات، ما الذي أضافته لك هذه التجربة؟
نعم عملت لفترة سكرتيرة مجلس إدارة سيدات الأعمال القطريات التي كانت ترأسها سعادة الشيخة العنود بنت خليفة آل ثاني وفي تلك التجربة تعلمت الكثير جدا، تعلمت البروتوكول واستقبال الوفود المهمة كاستقبال الأميرات من مختلف الدول الخليجية، السفراء، رجال وسيدات الأعمال من دول العالم وغيرها، كما تعلمت العمل الاداري والمراسلات المهمة  وطرق الاستثمار الآمن وإنشاء المشاريع التجارية، وما استفدته أكثر هو تكوين العلاقات فقد أصبحت في فترة وجيزة معروفة عند الكثير من رجال وسيدات الأعمال في قطر .
- ذكرتِ في حوار سابق بأنك تشتغلين على أبحاث، ما طبيعة هذه الأبحاث؟
نعم قمت بسلسلة أبحاث بسيطة أركز فيها على السبب الرئيسي الذي جعل من دولنا العربية في مصاف دول العالم الثالث.. ما هي الأسباب الحقيقية وهل هي اجتماعية أم اقتصادية أم أخلاقية، فأنا لا أؤمن أن السلطة السياسية وصناع القرار في دولنا يتحملون المسؤولية كاملة، بل أحمل الشعوب أيضا جزءا منها فالدكتاتورية تصنع ولا تخلق ومن يصنعها غالبا هي الشعوب التي تقدس الأسماء والبشر، لهذا قمت بكتابة سلسلة من المقالات المبنية على نظريات في علم الاجتماع قد أنشرها يوما ما وأعود للكتابة مجددا، فقد انقطعت عنها فترة طويلة ويجب العودة مجددا لأنني كنت اكتب في «هافينغتون بوست» و»الرأي اليوم» مع الصديق عبد الباري عطوان و»العربي بوست» لكن ربما سأعود من جديد.
- ماذا عن مشاريعك في مجال الإعلام؟
حاليا أعيش هوسا حقيقيا بتصوير عدد من الأفلام الوثائقية لأنني عاشقة للوثائقيات أكثر من الأخبار وأتمنى أن أجد الفرصة لإنجاز أفلام عن صحراء الجزائر الرائعة و عن تاريخ الطوارق، كما أتمنى يوما ان أنخرط في العمل الدبلوماسي وأمثل الجزائر بشكل جيد.
- لماذا لا نراك كثيرة الحضور على وسائل التواصل الاجتماعي مثلما هو الشأن مع نجمات الإعلام في الخليج؟
أولا، وسائل التواصل الاجتماعي وجدت للتواصل ونشر الفائدة العلمية أو الثقافية، ولا أجد نفعا من الشهرة غير المبررة فالصحفي أو الإعلامي هو موظف وصاحب مهنة مثله مثل الطبيب والمهندس، فلماذا يرى الاعلامي نفسه أنه يملك الحق في الشهرة أكثر من غيره، رغم أن إسهامات الإعلاميين في العلم أو التكنولوجيا أو التقدم عامة لا تساوي شيئا؟ أنا مع الشهرة الهادفة التي تحمل مضمونا لا الشهرة على مواقع التواصل لمجرد الشهرة.
صفحتي في «فيس بوك» محدودة على أصدقائي وعائلتي وفي «تويتر» عدد المتابعين محدود ولا أرى سببا مقنعا لغير ذلك، وأحترم رأي الإعلاميين الآخرين الذين يهتمون كثيرا بوسائل التواصل الاجتماعي.
- أنت ابنة قسنطينة، إلى ماذا تحنّين فيها أكثـر بعد كل هذه السنوات خارج الوطن؟
نعم ولدت وترعرعت في قسنطينة و لي فيها ذكريات الطفولة والمراهقة، ولهذا من الطبيعي أن أحن لها ففي ترابها دفنت والدتي رحمة الله عليها و وضعت أول خطوة على أرضها و أنا طفلة.. أشتاق لشوارعها القديمة وأزقتها المتعرجة، اشتاق لحفلات الخامس جويلية وأول ماي، أشتاق إلى المرور على جسر سيدي راشد وباب القنطرة وثانوية رضا حوحو.. أشتاق أيضا لمنظر الثلج وهو يغطي شوارعها. لدي ملف كبير من الذكريات مخزن في عقلي لقسنطينة و ربما أشتاق أكثر لملاية والدتي السوداء التي كانت تلبسها.
 ي.ب

الرجوع إلى الأعلى