عاشت أعالي بلدية غبالة بجبال جيجل، و تحديدا منطقة بني موية، أجواء تضامنية رائعة، طيلة أسبوعين، تسابق خلالها شباب و شابات من أجل إتمام عملية ترميم منزل أحد المعوزين، بإمكانيات بسيطة، حيث تبرع أشخاص بمبالغ مالية بسيطة، و تطوع آخرون بالمشاركة في المشروع، و يأمل المشاركون التمكن من تجهيز بيت عمي إبراهيم، موجهين نداء  للمحسنين لتقديم يد المساعدة.
جامعيات يقتحمن العمل التطوعي بمنطقة جبلية
النصر تنقلت إلى بلدية غبالة، التي تقع بالجهة الشرقية من عاصمة الولاية، و تعتبر من أفقر البلديات من حيث المداخيل و نقص فرص التشغيل، و شاركت المتطوعين عملهم التضامني.
اللافت أن خيرة شبان البلدية غادروها للبحث عن عمل في المدن، لكن من تبقى من سكانها حافظوا على شيم الكرم و الجود، و التضامن في ما بينهم، و مناصرة الجار، و تعتبر المنطقة من بين مناطق الظل العديدة، فجل المشاتي التي تضمها تقطنها عائلات محدودة الدخل، تعتمد على الفلاحة العائلية البسيطة لضمان قوتها.
استغرق وصولنا إلى المنطقة قرابة ساعتين انطلاقا من عاصمة الولاية، و لاحظنا تجسيد بعض المشاريع القاعدية، على غرار تهيئة الطرقات، و عند الوصول إلى منطقة بني موية، رفقة مرشدنا، توجهنا إلى منزل عمي إبراهيم، ففوجئنا هناك بتواجد عدد معتبر من الفتيات في عمر الزهور، رفقة بعض الشبان، و علمنا أنهن محركات النشاط الجمعوي ضمن المجموعة الشبانية “بشائر الأمل”.
بعد التعرف على الحاضرين، بدأت شيماء في التعريف بالمجموعة التضامنية و التي أشارت بأنها متكونة من العنصر النسوي وبعض شبان المنطقة الناشطين في المجال التطوعي، و قد وضعن أولى لبنات العمل التطوعي بالمنطقة الجبلية المعزولة بأعالي جبال غبالة، و غرسن روح التطوع و التضامن في الوسط النسوي.
و أشارت المتحدثة أن المنخرطات راودتهن فكرة التطوع إثر احتكاكهن بالوسط الجامعي، و باشرن رفقة أقاربهن الرجال إحصاء العائلات المعوزة بمسقط رؤوسهن، و نظرا للوضعية الاجتماعية الصعبة الناجمة عن جائحة كورونا، قررن التوجه إلى بعض العائلات المعوزة، و تقديم إعانات عينية لها.
و أضافت أنهن شرعن في جمع المواد الغذائية و فتح حسابات عبر موقع التواصل الإجتماعي من أجل تمرير رسائل لطلب المساعدة لفائدة هذه الفئة القاطنة بإقليم البلدية. أوضحت شيماء، أن جل الفتيات المتطوعات يملكن مستوى تعليميا لا بأس به، و تربطهن علاقات صداقة وقرابة، و فضلن النشاط، وفق خصوصيات المنطقة الجبلية، التي تفرض مجموعة من الشروط و الامتثال للأعراف السائدة، مؤكدة، بأن للمستوى التعليمي دور كبير في تجسيد الأفكار التطوعية، و أكدت باقي المتطوعات في سياق حديثهن للنصر، ما قالته شيماء، فروح التطوع موجودة في قلب كل امرأة و شابة، لكن لتجسيدها لابد من توفر الإرادة، و إيصال فكرة التطوع للعائلة، فكان للآباء دور كبير في دعمهن في التطوع.
و المعروف عبر مناطق جبال جيجل، صعوبة انخراط المرأة في العمل التطوعي، ففضلن البقاء بعيدا عن الأنظار، و أضاف شبان حاضرون، بأن الفتيات استطعن التميز و ترك بصمة كبيرة في العمل التطوعي، و  دفعن عائلاتهن للمشاركة، كما عملن على غرس ثقافة التطوع في أجواء عائلية يسودها الاحترام و التعاطف، و عبر حملتهن التطوعية البسيطة، استطعن كسب القلوب، و إقحام بعض الشباب في العمل التطوعي، فكان يظهر في الواجهة الجنس الخشن، لكن خلفه كانت الشابات تحاولن تنشيط العمل الجمعوي، و تقديم يد المساعدة.
تهيئة المنزل   تطلبت الصبر و المثابرة
تجسدت ثمرة نجاح الجانب التطوعي في منطقة جبلية معوزة، في إكمال ترميم و بناء منزل عمي إبراهيم الذي كان مجرد هيكل، حيث شرع المتطوعون منذ ما يقارب أسبوعين في العملية . قالت شيماء، بأن المجموعة عندما كانت بصدد زيارة العائلة المعوزة لتقديم مواد غذائية لها، تعرفت على شقيق عمي إبراهيم،  و فوجئت بالظروف الصعبة التي تعاني منها العائلة الفقيرة.
 في الوقت الذي كان أشقاء عمي إبراهيم المتزوجين يقيمون داخل مسكن بسيط، كان هو يفترش أرضية إحدى الغرف، التي يعتبرها غرفة النوم و المطبخ، في حين اكتشف المتطوعون، بأنه يملك منزلا مجاورا غير مكتمل، قام بإنجازه منذ 10 سنوات، و لم يستطع إكماله، بسبب ظروفه المادية الصعبة، و نقص فرص التشغيل بالمنطقة الجبلية.
معاناة عائلة عمي إبراهيم، جعلت شباب المجموعة، يفكرون في رفع التحدي، و إكمال حلمه في إكمال بناء بيته العائلي، فقاموا بجمع مبلغ مالي يقدر بثلاثة ملايين سنتيم في ما بينهم. وقال الشاب المتطوع شمس الدين، بأن المهمة في بدايتها كانت مستحيلة، لعدة اعتبارات، أبرزها أن المنطقة جبلية نائية، و جل العائلات معوزة، إلى جانب الظروف الناجمة عن جائحة كورونا، فقرر التكفل بالجانب الإعلامي ونشر نداءات لطلب المساعدة عبر فايسبوك، وعبر التجمعات السكنية، استجاب لها عدد من الشباب، خصوصا أصحاب المهن الحرة، على غرار البناء، الدهان ، المختص في تركيب البلاط..
و اتسعت دائرة المنخرطين في المبادرة، حيث قال شمس الدين” الملاحظ في العملية التطوعية، بأن جل من قدموا المساعدة المادية و المالية أشخاص بسطاء، و محتاجون، فحولوا منزل عمي إبراهيم إلى ورشة كبيرة، الجميع منهمك في عمله بحماس”.
خلال جولتنا داخل المنزل، شاهدنا شبانا يقومون بتركيب البلاط، و آخرون يقومون بتركيب أنابيب الصرف الصحي، و أبواب الغرف.
أما الفتيات فكن هن الأخريات يقدمن الدعم عن طريق تقريب المواد الأولية، و جلب المياه، و أخبرتنا سعاد، بأن تجاوب المواطنين كبير جدا، و أعطى نفسا قويا للمتطوعين من أجل إكمال منزل عمي إبراهيم.
و كان أفراد المجموعة يتشاورون في كل كبيرة و صغيرة، لإكمال تهيئة المنزل بالمواصفات المطلوبة، وفق جدول زمني محدد.
نداء للمحسنين..
ذكر محمد، أحد أفراد المجموعة، بأنهم واجهوا عدة عراقيل مادية، لكن تطوع أصحاب الاختصاص ساعدهم كثيرا، و أثلج صدورهم. و يوجه أفراد المجموعة نداء لأهل الخير و البر و ذوي الإحسان، من أجل تقديم يد المساعدة من أجل إكمال المنزل و تجهيزه، كون عمي إبراهيم لا يستطيع اقتناء الأثاث و لوازم البيت.
غادرنا المنطقة و تركنا إحدى خلايا النحل، تنشط ليلا نهارا، لإسعاد عائلة محتاجة.
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى