عاد نشاط مربيات البيوت في الآونة الأخيرة بقوة، كبديل عن دور الحضانة التي حددت طاقة استقبالها للأطفال هذا الموسم بـ 50 بالمئة فقط، مع تطبيق البروتوكول الصحي بصرامة، لحمايتهم من عدوى كورونا المستجد، و كلها معطيات رجحت بالنسبة للكثير من الأمهات الموظفات، بعد رفع العطلة الاستثنائية، كفة البحث عن مربيات أو جليسات للأطفال في المنازل، بتكلفة أقل من دور الحضانة التي لم تعد تستطيع التكفل بجميع الصغار، و في ظروف أقل صرامة، و لو أنها تعد محفوفة بالمخاطر في زمن كورونا .
قرار الحكومة بإعادة فتح دور الحضانة التي أغلقت أبوابها منذ أكثر من 6 أشهر، كإجراء احترازي لمنع تفشي الوباء، لم يأت بالحل لمشاكل العديد من الأولياء الذين لم يجدوا من يرعى أطفالهم أثناء فترة غيابهم عن منازلهم بسبب العمل، إذ شكل تسقيف عدد الأطفال المسموح باستقبالهم عند 50 بالمئة من الطاقة الاستيعابية لهذه الأمكنة، صدمة للكثيرين ممن دخلوا في دوامة البحث عمن ينوب عنها.
و قد لجأ العديد من الأولياء إلى الاستعانة بذويهم مثل الجدة أو العمة أو الخالة كحل مؤقت، بينما توجهت الأغلبية إلى خيار مربيات المنازل، اللائي يعرف نشاطهن رواجا كبيرا، في ظل زيادة الطلب عليهن لرعاية أطفال لم تسنح لهم الفرصة هذا العام للالتحاق بدور الحضانة، و هو ما أكدته السيدة إسمهان طويل، مديرة و مسيرة دار الحضانة «جولي نافير» بولاية بومرداس، مشيرة إلى أنها اضطرت للاعتذار من الكثير من زبائنها، فاضطروا للبحث عن بدائل تتمثل في مربيات المنازل ، إلى غاية تحسن الأوضاع الصحية في المستقبل.
إقبالٌ متزايد على مربيَّات البيوت
قالت تينهينان التي تعمل بإحدى الإدارات، أنها لجأت رفقة زميلاتها لإحدى المربيات التي تتكفل حاليا بـ5 من أطفالهن، مقابل مبلغ مالي أقل عن الذي تطلبه دار الحضانة بـ3000 دينار للطفل الواحد، أي مقابل 4000 دينار شهريا، و ذلك بعد أن تعذر عليهن حجز أمكنة بدور الحضانة التي تعودوا على ترك أبنائهن بها، و تحدثت السيدة حنان من جهتها عن تجربتها الخاصة مع طفليها اللذين اضطرت لتركهما في بيت جارتها التي يعرف عنها أنها ترعى أبناء الموظفات، مشيرة إلى أنها خائفة من ردة فعلهما و طريقة تعامل الجارة معهما، بعد أن كانا في الحضانة لمدة سنتين متتاليتين.
رعاية الأطفال بالمنازل، و إن كانت ببعض المناطق تقدم كخدمة، مقابل 4000 إلى 4500 دينار شهريا للطفل الواحد، ارتفع سقفها بأماكن أخرى، خاصة بالمدن و الأحياء الراقية، و هو ما أكدته لنا سيدة تعمل في المجال منذ نحو 8 سنوات، حيث قالت أنها ترعى الطفل مقابل 6000 دينار للشهر الواحد، مبررة ذلك بأن  يبقى ببيتها من الساعة السابعة صباحا إلى غاية الخامسة مساء، و تتكفل بإطعامه، مضيفة بأن مهمتها ليست سهلة، فهي تتحمل مسؤولية حماية الأطفال من كل الأخطار، فضلا عن كونها تساعدهم في الدراسة و تلعب معهم لوقت طويل، على حد تعبيرها.
الخوف من عدوى كورونا يُحاصر الأولياء  
لم تخف جل الأمهات اللائي تحدثن عن تجاربهن للنصر، خلال فترة  تسقيف نسبة التكفل بالأطفال في دور الحضانة، مخاوفهن من عدوى كورونا و عدة أمور أخرى، حيث قالت لنا السيدة يسرا أنها بعد أن تعودت هي و ابنتها على طريقة الرعاية بدار الحضانة، تواجه اليوم مشكلة التأقلم مع فكرة بقاء صغيرتها طوال اليوم مع المربية في البيت، خاصة في ما يتعلق بطريقة المعاملة التي تشكل خطا أحمرَ ، حيث يحرص الأولياء على أن تكون جيدة ، من خلال انتقاء مربيات معروفات بسيرتهن الطيبة و معاملتهن الجيدة للأطفال.
و أشارت السيدة آمال إلى أكبر إشكال في الوقت الراهن، و المتعلق بخطر العدوى بفيروس كورونا، حيث قالت أنها تشعر بالحسرة و الأسف لعدم تمكنها من تسجيل ابنها بدار الحضانة التي تعودت نقله إليها، خاصة بعدما رأت صرامة تطبيقها للبروتوكول الصحي الذي ترى أنه كفيل بوقاية الأطفال و الاطمئنان على سلامتهم، بينما تعتبر وضع ابنها عند مربية هي قريبة صديقتها ، حتمية تحيط بها الكثير من المخاوف، كأن تكون مصدرا لنقل فيروس كورونا عن طريق الأطفال، خاصة و أن البيوت لا تكون منظمة و مرتبة بالقدر الذي تكون عليه دور الحضانة.
كما لم تخف سامية التي تقوم منذ سنوات برعاية الأطفال، خوفها هي الأخرى من أن يكون الأطفال الذين تستقبلهم ببيتها وسط عائلتها، حاملين للفيروس، و يعرضونها بذلك لخطر العدوى، مؤكدة بأنه واقع تحاول التأقلم معه عبر اعتماد أسلوب وقائي خاص، بداية بالتعقيم، نزع الأحذية عند باب البيت، فضلا عن الاطمئنان على سلامة أهلهم، من خلال التواصل معهم بشكل شخصي.
عائلاتٌ تفضِّل  البيوت  على دور الحضانة

صادفنا أثناء حديثنا لبعض الأولياء، عينة أعربت عن خوفها من عودة أطفالها إلى دور الحضانة ، خوفا من فيروس كورونا، ما جعلها تقرر البحث عن مربيات المنازل، بشكل طوعي، فاستعان أغلبهم  بخدمات أقاربهم الذين يستأمنونهم على صحة و سلامة أطفالهم، مثلما قالت السيدة فريدة التي كلفت زوجة شقيق زوجها»سلفها» ، المقيمة معها في نفس البيت، برعاية طفليها أثناء غيابها عن المنزل من أجل العمل، مضيفة أن ذلك يريحها أكثر من دار الحضانة، في ظل الوضع الصحي الراهن الذي تعتبره صعبا و مرعبا.
أما السيد مهدي فقال لنا أنه قرر ترك ابنه عند والدته في البيت هذا العام، و منعه من التوجه إلى دار الحضانة، خوفا عليه من كورونا، ما اعتبرته الجدة أمرا معقولا ، خاصة و أن احتمال إصابة حفيدها بالفيروس، من شأنه أن يهدد صحة كافة أفراد العائلة، خاصة و أن الجد يعاني من مرضي السكري و القلب، معربة عن استعدادها لرعاية حفيدها، في انتظار تحسن الأوضاع و انتهاء ما أسمته «مسلسل كورونا».
اشتعالُ سوق المربيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي
أدى قرار غلق دور الحضانة طويلا الذي تواصل تطبيقه بالرغم من عودة الكثير من الأمهات للعمل، إلى ظهور مربيات أطفال من نوع جديد يعرضن خدماتهن عبر منصات التواصل الاجتماعي، في محاولة لاستمالة الأهل بعروض مغرية تتعلق بخدمات نهاية الأسبوع، تقديم دروس خلال الأيام العادية، توفير وسائل اللعب و التعلم، و الإطعام و غيرها.
أزمة كورونا التي عطلت انطلاق الموسم الدراسي الجديد بالجزائر، أتاحت الفرصة لبعض موظفات قطاع التعليم لاستغلال فترة مكوثهن في البيت، من أجل  جني مداخيل إضافية، حيث قامت بعض المعلمات و الموظفات بتنزيل إعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي، لعرض خدمات رعاية خاصة للأطفال خلال أيام الأسبوع ، و توفير خدمات إضافية أثناء عطلة نهاية الأسبوع تتمثل في تدريسهم عدة مواد، و أعرب البعض عن استيائهم من هذا السلوك الذي وصفوه بالانتهازي، بينما اعتبره البعض فرصة ثمينة يجب استغلالها، بضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال ضمان الرعاية و التعليم في الوقت ذاته.
و في انتظار انتهاء «حصار كورونا»، تستمر معاناة الأولياء لضمان رعاية أطفالهم خلال فترة حرجة، يسعى كل واحد لتخطيها بأقل الأضرار.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى