تعد ولاية بجاية، جوهرة منطقة القبائل، حيث تزخر بالعديد من المواقع السياحية والمناظر الطبيعية الخلابة و الشواطئ ذات الرمال الناعمة و الكهوف المشهورة والمباني التراثية التاريخية،  وبمجرد دخول الزائر إلى هذه المدينة الجميلة، يلمح مباشرة حصن «يما قورايا» الذي يقع على جبل شامخ بارتفاع حوالي 660 مترا عن سطح البحر، حيث يعتبر أحد أكثر المعالم السياحية إثارة للاهتمام وجلبا للزوار، إذ يضفي رونقا خاصا على بجاية، و يوفر مناظر ساحرة لآلاف السياح الذين يتدفقون عليه من كل ربوع الوطن.
حسب المؤرخين، فإن هذا الجبل كان يسمى في العصور الوسطى  «أمسيوان»، وسمي على الأرجح «يما قورايا « من قبل الإسبان في القرن السادس عشر.
للوصول إلى حصن يمّا قورايا، على الزائر أن يسلك الطريق المؤدي إلى المدينة العليا ، وصولا إلى هضبة «أميموم» ، ثم الحظيرة الوطنية لقورايا، و تحيط بهذا الطريق الضيق الذي تكثر فيه المنعرجات، أشجار متنوعة ، منها الصنوبر والأرز والبلوط وغيرها.
الطريق المرصوف بالحجارة يقود الزائر إلى ساحة كبيرة تطل على عاصمة الحماديين بأكملها، والبحر الذي يمتد نحو اللانهاية،  إنها منطقة محمية تحظى بشعبية كبيرة بين السياح، فهي تستقبل آلاف الزوار سنويا، سيما في فصل الصيف وعطل نهاية الأسبوع، حيث لا يمكن تجاهل زيارة هذا الحصن الذي لا يزال صامدا عبر الزمن للاستمتاع باللوحة الفنية التي رسمها الخالق والجمال الطبيعي الساحر لولاية بجاية التي لا تزال تحتفظ ببريقها المعتاد.
إن المشهد الفني الرائع والإطلالات البانورامية التي تغطي المناظر الطبيعية لهذا الموقع والأساطير التي تحيط به، جعلت منه أكثر الأماكن التي يرتادها البجاويون و مختلف سكان ولايات الوطن من الغرب والشرق والشمال والجنوب، حيث يفضل العديد من الزوار البقاء إلى الفترة المسائية للاستمتاع بمشاهدة غروب الشمس .
هذا المكان الطبيعي ، كان مهجورا خلال العشرية السوداء ، و عادت إليه الحياة من جديد مع تحسن الوضع الأمني في المنطقة، ليصبح الوجهة المفضلة لكل من يدخل مدينة بجاية، وذلك للوقوف على جمال جوهرة القبائل الصغرى من الأعلى واستنشاق الهواء النقي و أخذ قسط من الراحة، بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية رغم أن الوصول إلى يما قورايا ليس سهلا، حيث يستغرق حوالي 40 دقيقة مشيا على الأقدام عبر مسارات ملتوية، و يضطر السياح للتوقف في منتصف الطريق سيما النساء، وهن منهكات من التسلق، لأخذ نفس عميق والاستمتاع بمنظر رائع، حيث تبدو المدينة كقرية صغيرة أو جزيرة يحيط بها البحر.
المكان المناسب لعشاق الروندوني
يعتبر الطريق إلى يما قوراية أيضا  المكان المناسب لعشاق رياضة الروندوني خاصة خلال عطل نهاية الأسبوع، فهو ملائم جدا لهذا النوع من الرياضات بالنظر إلى طول المسافة التي يسلكها الرياضيون، للوصول إلى أعلى قمة في هذا الجبل الشامخ الذي يكاد يلامس السماء.
ما يثير استغراب كل من يصل إلى يما قورايا، هو وجود بئر داخل الحصن، مياهه باردة جدا تتدفق منه بغزارة ودون انقطاع، على مدار فصول السنة، لتروي عطش كل من يصل إلى هذا المكان متعبا، كما يستعمله البعض في الوضوء للصلاة داخل إحدى غرف هذا الحصن الواسع، ولم يتمكن أي أحد من إيجاد تفسير ملائم  لتوفر المياه في قمة هذا الجبل، أو كيف تم حفر هذا البئر العميق.
تقول الأسطورة، أن يما قورايا امرأة محاربة عاشت خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، و تنتمي إلى عائلة من المرابطين الذين امتد نفوذهم إلى منطقة القبائل بأكملها،  و ورثت مكانتها،  المعترف بها عالميا، عن والدها سيدي عياد،  أحد أكثر الأولياء الصالحين احتراما في المنطقة ، ويقال أن ليما قورايا ثلاث شقيقات وهنّ «لالة تيمزريت» وضريحها يقع على منحدري جبل بالقرب من «إلماتين» ، الأخت الثانية هي «لالة زغيتن» والثالثة تدعى «لالة يامنة».  
و تلقت لالة قورايا منذ طفولتها  تعاليم الدين الإسلامي ، وقامت بتدريس الصوفية للفتيات الصغيرات في بجاية في مسجد بالقرب من عين بوخليل.اشتهرت بعلمها وتقواها ، واكتسبت سمعة الحكمة، وحظيت باحترام كبير بين سكان المدينة والمنطقة ، لأنها كرست نفسها للمصالحة والتهدئة والحكم بين المسلمين. ورغم كل الروايات التي تتحدث عن يما قورايا ، فإن الجبل الذي يضم الحصن لا يوجد به ضريح،  ولا مقام لأي ولي صالح ، إلاّ أنّ الفضول لاستكشاف المكان والاستمتاع بسحره يدفع بآلاف الزوار والسياح إلى الصعود إلى قمة هذا المرتفع الذي أبدع الخالق في صنعه.                            سامية إخليف

الرجوع إلى الأعلى