تخلى عدد كبير من الشباب الجزائري عن مواكبة آخر صيحات الموضة العالمية، و قرروا ارتداء «القشابية» التقليدية، بدل المعاطف العصرية، لأنها تضمن لهم حماية أكبر من برودة الطقس في فصل الشتاء، في حين يراها آخرون رمزا للرجولة و  الوقار ، و يتشبثون بها من هذا المنطلق، خاصة و أن بعض الحرفيين  تفننوا في انجاز مختلف التصاميم التي تجمع بين العصرنة و الأصالة و الأناقة، بعضها مطرز و ضيق يلتف حول القوام و قصير نوعا ما، لإرضاء مختلف الأذواق .
لم يعد ارتداء هذه القطعة من الملابس التقليدية، حكرا على أبناء المناطق الريفية، و الشيوخ، بل أضحت نوعا من الموضة المحلية التي أعاد بعثها شباب الجزائر، فبرودة الطقس و الانخفاض الكبير في درجات الحرارة خلال الآونة الأخيرة، أعاد بعث «القشابية» كمعطف تقليدي خالد بالنسبة للجزائريين، سقطت معه كل إغراءات المعاطف المزينة بالفرو، أو تلك المصنوعة من الكشمير أو الجلد، و تعتبر أفضل لباس يحتمي به الصغير، كما الكبير، من البرد و الصقيع.
ليست رمزا للريف أو الشيخوخة
يكفي التجول في شوارع العديد من المدن الكبرى، على غرار قسنطينة و الجزائر العاصمة، لتسجيل حضورها القوي، بعد أن غابت لفترة من الزمن، و اقتصرت على أبناء مناطق معينة من الجزائر ،كالأغواط، المسيلة، أم البواقي، خنشلة ، الوادي و المدية و غيرها، خاصة من أبناء الريف و القرى المعروفة ببردها القارس، لكنها عادت لتفرض نفسها بقوة، كلباس وقاية و حماية فعال ضد موجة البرد التي تعرفها البلاد في فصل الشتاء الجاري.
لم تعد القشابية ترمز لابن الريف أو الشيخ المتقدم في السن، قليل الخروج من البيت، بل على العكس من ذلك، فالكثير من شباب اليوم يتخذ منها درعا واقيا من رداءة الأحوال الجوية، بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية أو التعليمية، فحب هذه القطعة التقليدية الأصيلة يتساوى في قلوبهم، خاصة و أنهم يرون فيه رمز الوقار، الشهامة و الأنفة، كما قال لنا بعض ممن تحدثنا إليهم، مشيرين إلى توفر نماذج متنوعة، بعضها قصير و مطرز يتصاميم عصرية.
حاضرة في الجامعة
مهدي شاب في 28 من عمره، يرتدي «القشابية» منذ أكثر من 7 سنوات، كما قال للنصر، رغم أنه يملك معاطف شتوية تواكب الموضة و تناسب من هم في سنه، فهو يفضل في مثل هذه الأجواء الباردة، أن يرتديها ، و يعتبرها قطعة قيمة في خزانته، خاصة و أنها فعالة في التصدي لكل أنواع البرد، فحتى مياه الأمطار لا تخترقها ، كما أكد، مضيفا أن البعض قد يراها رمزا للتخلف و العودة إلى الماضي، بينما يراها هو رمزا للرجل الجزائري الشهم و القوي، و يشاطره الرأي حكيم ، طالب بالجامعة، مؤكدا أنه يرتديها عندما يذهب إلى الجامعة، و لا يبالي بنظرة البعض إليه.
فيما يعتبرها يوسف درعه الواقي طوال فصل الشتاء و رفيقته عندما يخرج إلى العمل، و قال عبد المولى الذي يعمل بإحدى المؤسسات الاستشفائية العمومية، أنه يرتديها في كل فصل شتاء منذ ثلاث سنوات، و لا يمكن أن يتخلى عنها بعد أن جرب الدفء الذي توفره له، مهما انخفضت درجات الحرارة.
و أضاف أنه يرتدي هذا المعطف التقليدي في كل خرجاته، سواء الخاصة أو إلى مقر عمله، ما شجع،حسبه،  الكثير من زملائه على ارتداء قشابية آبائهم، و حتى أجدادهم التي ظلت حبيسة الخزائن لعقود طويلة من الزمن.
و أشار مهدي أنها تعد اليوم قطعة ثمينة، بالنظر لسعرها فهي تتميز بجودة قماشها المنسوج يدويا بالصوف أو الوبر، و هما المادتان اللتان تتحكمان في ثمنها الذي يتراوح بين 3 ملايين إلى 10 ملايين سنتيم، فإذا كانت مطرزة بخيوط حريرية، يرتفع سعرها ، و هذا النوع من «القشابيات» مخصص للإطارات و المسؤولين السامين الذين أقبل العديد منهم على  ارتدائها في حياتهم الخاصة و حتى خلال نشاطاتهم الرسمية، و هو حال الكثير من الولاة و حتى الوزراء.
uرئيسة جمعية زكية لنشاطات المرأة الريفية  بواد سوف زكية ممادي
الطلب على القشابية كبير لكن الجائحة أثرت على نشاطاتنا
تواصلت النصر مع السيدة زكية ممادي، صاحبة ورشة لصناعة النسيج و القشابية» ببلدية الطالب العربي المتاخمة للحدود التونسية بواد سوف، و رئيسة جمعية زكية لنشاطات المرأة الريفية، فقالت لنا أن «القشابية» لا تزال حاضرة بقوة، و الطلب عليها كبير، إلا أن جائحة كورونا أثرت على نشاط الحرفيين و تسويق هذا المنتوج الذي لا يزال رائجا في واد سوف و مختلف مناطق الجنوب، و أوضحت المتحدثة أنها قطعة تلقى رواجا عبر مختلف ولايات الوطن، و يتم عرضها جاهزة أم على شكل قماش تنسجه مع بقية النسوة بورشة خاصة تشرف على تسييرها بالمنطقة.و أوضحت السيدة زكية أن صنع هذا المعطف يتم على الطريقة التقليدية، حيث يتم جلب الصوف البيضاء و صباغتها بالحناء و الدباغ، ثم تحول إلى خيوط باستعمال «القرداش»، ثم توضع في المغزل لتصبح خيوطا يتم نسجها بواسطة المنسج التقليدي، كما يتم شراء الوبر و صبغه و تحويله هو الآخر إلى خيوط يتم نسجها و تحويلها إلى قماش يستعمل في صناعة أجود أنواع «القشابية» التي تعتمد على الصوف ذي النوعية الرفيعة و العمل المتقن، و يمكن لقطعة خفيفة الوزن و دافئة بوزن 2.5 كلغ و طول 3 أمتار، أن تكفي لخياطة «قشابية» كاملة، و هذا ما يميز الأصلية عن المقلدة ، التي اقتحمت السوق الجزائرية، إلا أنها لم تتمكن من إزاحة الأصلية عن عرشها فهي معروفة و تعتبر الأكثر طلبا في السوق الوطنية.
و أضافت المتحدثة أن صناعة «القشابية» لا تزال من بين أهم نشاطات المرأة الريفية في منطقة واد سوف، بسكرة و الأغواط، و ذلك بالنظر للطلب الكبير عليها و على المفارش التقليدية المنسوجة يدويا، ما يفسر صمود هذه الصناعة و إقبال الفتيات على تعلمها، و تعد من الصناعات التي تبدأ من البيت، خاصة في منطقة الريف العميق، إذ تبدأ البنات في تعلمها ابتداء من سن 14، و هنا يكمن سر بقاء النساء هن الوحيدات اللائي يصنعن هذا المعطف التقليدي الذي يرتديه الرجال، مؤكدة أنها صناعة لا تزال تحتل مكانة أساسية ضمن الصناعات التقليدية التي يبدو أنها قررت ألا تزول، في ظل استمرار الطلب عليها و توفر المادة الأولية.
للبرنوس أهله
أما بالنسبة للبرنوس، قالت الحرفية أن صناعته نادرة جدا، فهو لا يصنع إلا تحت الطلب، و غالبا يكون ذلك لتقديمه كهدايا، خاصة للمسؤولين أو الأصدقاء في المهجر.
علما أن البرنوس الأبيض و الأحمر يكلف في الورشة 4 ملايين سنتيم ، بينما يصل سعره في الأسواق إلى 7 أو 8 ملايين سنتيم، ما يجعله قطعة غير مطلوبة إلا نادرا، بالنظر لخصوصيتها، من حيث المناسبات التي يمكن ارتداءها خلالها و كذا سعرها المرتفع، مقارنة بسعر «القشابية».
و شددت السيدة زكية أن أهل الجنوب لا يزالوا محافظين على الكثير من عاداتهم في الأفرشة و الألبسة المنسوجة يدويا من الصوف، مثل «الفراشية» التي تستعمل للغطاء، و الوشاح «الشال» و هو أخف من «الفراشية»، إضافة إلى الأفرشة و هي رمز البيت السوفي و الجنوبي و لا تزال الأسر هناك تحافظ عليه بشكل كبير، مما يجعل هذه الصناعات التي تخضع للطرق التقليدية الأصلية و لم تدخلها الآلات العصرية، صامدة و تحتل مكانة خاصة في المجتمع الجزائري.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى