بإرادة من حديد، شقت طريقها، و رسمت مصباحا أنار عتمة حياتها، تحدت عثرات الحياة، و نفضت عنها الغبار لتقف بعد كل سقوط، و وجدت نفسها تبحر بين حروف كلمات و خيوط أشعار تتنفسها، لتمنحها لقب شاعرة شرفت الجزائر في منافسات دولية، قبل أن يعترف بها أبناء الوطن.
مفيدة هادف، ابنة روسيكادا روضت عجزها، و أقعدته أمام إرادة فولاذية، جعلت منها امرأة متميزة و قوية رغم الظروف القاهرة، فلم يكن حرمانها من نعمة البصر يوما عائقا أمام حلم رافقها منذ الصغر.
ولدت بعجز تام عن الإبصار هي و توأمها، و خضعت لعديد العمليات الجراحية و هي لم تتجاوز 18 شهرا من عمرها، فتمكنت من افتكاك بصيص نور، لكنه أفل تدريجيا إلى أن غاب كليا من إحدى عيونها، فيما تبصر بعينها الثانية بنسبة لا تتجاوز 0.75 بالمئة.
بهذا البصيص من النور في عتمة الحياة، بدأت مفيدة مسارها التعليمي، و واجهت رفض المجتمع أن تدرس فتاة لا تبصر مع تلاميذ مبصرين، انتقلت بين مدارس سكيكدة و قسنطينة، و درست بتقنية براي، إلى أن حصلت على شهادة البكالوريا، و واصلت تعليمها في الجامعة و نالت شرف الفوز بالمرتبة الأولى على دفعتها بكلية الآداب و اللغة العربية بجامعة سكيكدة، وأكملت رفع التحدي بمواصلة مسار التعليم العالي، و أنهت الماستر في تخصص الأدب الشعبي، و تعمل الآن كمقسمة هاتف بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية بسكيكدة، كما قالت للنصر.
و لأنها واحدة بين 4 إخوة يعانون من فقدان البصر ، قررت مفيدة عدم الاستسلام للظروف، فعملت على تنمية هواية عانقتها منذ كانت في ربيعها 16، و هي كتابة الشعر، مستغلة تخصصها في الأدب العربي، و صقلت موهبتها بكتابات متواصلة نمتها برصيد لغوي أثرته بالمطالعة المسموعة بمساعدة صديقاتها و أفراد عائلتها، و وجدت نفسها تحمل لقب “شاعرة سكيكدة التي تسافر في بحر الكلمات”، كتبت عن الحب، الوطن، الحياة، الماضي، الدموع، و كل المشاعر التي تختلج بقلب قرر أن يعيش و يصمد رغم كل الظروف.
مفيدة التي لم يكن مسموحا لها أن تكون معروفة في ميدان الشعر بالجزائر لظروف ما، أكدت لنا أنها تحدت كل الصعاب، و قررت أن تبرز بأية طريقة، و على الرغم من أن اسمها بات معروفا بسكيكدة، إلا أنها لم تكتف بذلك، فعملت على الوصول بعيدا.
سجلت اسمها ضمن قائمة الإتحاد العربي للشعراء المكفوفين و نشطت في صفوفه منذ سنوات، ثم دخلت غمار المنافسة في العديد من المسابقات العربية و الدولية، فكانت بوابة الأمل لبزوغ نجمة أصبح يحسب لها اليوم ألف حساب في سكيكدة، و تتم استضافتها في العديد من النشاطات الثقافية، بعد أن تمكنت من نيل الجائزة الأولى في مسابقة “ذوي الهمم الدولية” التي نظمت في مصر، بقصيدة “لعبة الضمائر” التي رفضها ذات يوم أحد الأساتذة بسكيكدة، بحجة أنها ليست من تأليفها، لتجد لها صدى عربيا واسعا.
مسار مفيدة لم يتوقف عند هذا الفوز، فقد واصلت مشاركاتها في مختلف التظاهرات الأدبية العربية، و قالت بهذا الشأن أن التكنولوجيا ساعدتها كثيرا لتسجيل حضورها الدائم، قبل أن تفتح قناتها الخاصة “همسات من الفؤاد” في يوتيوب، و تلقي عبرها جميع أشعارها التي تعمل من أجل توثيقها و نشرها في كتب.
و أضافت الشاعرة أنها لم تتخل عن حلم أن تصبح صحفية أو مذيعة، مثلما كان والدها المتوفي يتمنى، مؤكدة أنها ستحارب لتحقيق حلم تقديم حصص إذاعية في يوم ما، فهي تتمتع بشخصية قوية و مرحة تترك بصمتها في كل مكان تمر به، و تتعايش مع وضعيتها بكل رضا.                                 إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى