تروي الفتاة « فلة هادي « قصتها للنصر حول فقدانها البصر في حفل زفاف شقيقها وتحول حياتها وحياة العائلة من جو الفرح والمرح إلى الحزن والمأساة بعد الطلقة النارية الطائشة التي أطلقها جارهم من بندقية الصيد فحولت حياتها وحياة العائلة بأكملها إلى جحيم، لكن فلة المنحدرة من بلدية وادي العلايق بولاية البليدة والبالغة من العمر 19 سنة و فقدت أعظم نعمة وهبها الله للإنسان وهي نعمة البصر تحدثت معنا بمعنويات عالية وإرادة قوية لفعل الكثير الذي كانت قد تعجز عن فعله بينما كانت مبصرة، وعوض أن تتلقى فلة المواعظ ودروس الصبر، تحولت إلى واعظ للمبصرين من أهلها وغيرها، وتلقن لهم دروس الصبر في فقدان النعمة.
رغم الألم وصغر سنها، حيث فقدت البصر وعمرها 16 سنة، وذلك في سنة 2018، إلا أنها تحولت إلى نموذجا في الصبر والمسامحة، حيث دخلت في غيبوبة بمصلحة الإنعاش بمستشفى فرانتز فانون بعد الحادث، لكن شاء القدر أن تستيقظ من غيبوبتها للحظات وطلب شقيقها العريس ليزورها، ورغم حالتها الحرجة إلا أنها طلبت من شقيقها أن يكمل عرسه وفرحه، ويحضر عروسته للمنزل، لتعود بعد كلامها لأخيها لغيبوبتها، ومكثت في غرفة الإنعاش لمدة 11 يوما، كما قدمت فلة دروسا في التسامح والعفو رغم مصيبتها الكبيرة، بحيث عفت عن من تسبب لها في الحادث، وتنقلت بعد تحسن حالتها جزئيا لمركز الشرطة وهي فاقدة للبصر وتنازلت عن القضية أمام العدالة، وأملها في الله أن يعيد لها بصرها ويجازيها، وقالت أن دخول جارهم المتسبب في الحادث عن طريق الخطأ السجن لن يعيد لها بصرها.
وعادت بنا فلة في حديثها معنا الذي كان بمقر إتحاد المكفوفين ببوفاريك إلى اللحظات الأولى للحادثة الأليمة، وقالت إن عرس شقيقيها كان في يوم ثلاثاء في سنة 2018، حيث جرت مراسيم الوليمة في قاعة حفلات كما تقوم به كل العائلات الجزائرية، وأثناء العودة إلى المنزل استعملوا المفرقعات والبارود ببندقية صيد كما هو معمول به من طرف الكثير من العائلات، لكن شاءت الأقدار أن تكون الطلقة الأخيرة من بندقية الصيد وهي الطلقة الحادية عشر تصيبها في عينها وتحول حياتها إلى مأساة، وتضيف بأن جارهم البالغ من العمر 65 سنة، وهو صاحب بندقية الصيد الذي أحضرها معه، طلب من الحضور أن يكون صاحب الطلقة الأخيرة، فبينما صوب الجميع للسماء، لكن جارهم لم يصوب جيدا نحو السماء وصوب نحو شرفة المنزل، وبينما كانت فلة في الشرفة تتابع الأفراح بعرس شقيقها، إلى أن أصابتها شظايا حولت حياتها وحياة العائلة إلى جحيم، وتحول العرس إلى ما يشبه المأتم، والجميع في حالة فزع، ونقلت فلة على جناح السرعة إلى مصلحة الاستعجالات بمستشفى فراتنز فانون، وتفاجأ أهلها حسب تصريحها من رد الأطباء الذين أكدوا أن حالتها ميؤوس منها، ولا تتطلب إجراء عملية جراحية وستفارق الحياة، وبعد  إلحاح الأهل على مسؤولي المستشفى قرر الطبيب إجراء علمية جراحية لها، في حين كانت المأساة أكبر أن عينها الثانية هي الأخرى أصيبت وانتقلت لها المواد المصنعة منها تلك الشظايا التي لم تكن من الورق، كما هو معمول به بالنسبة لبارود الأعراس، بل تم استعمال حديد مقطع لأجزاء صغيرة، وهنا كانت الكارثة، حيث انتقلت المواد المصنعة منها الشظايا إلى المخ والعين الثانية، وأصبح أمل فلة في أن يعود لها بصرها يتضاءل بعد أن اكتشف الأطباء أن شبكية العين قد أتلفت بشكل كلي، واستغرب الأطباء بقاءها على قيد الحياة، وكرر لها أكثر من طبيب «أن الله الذي أعاد لها الحياة في هذه الحالة الحرجة يمكن أن يعيد لها بصرها»
أصبت بانهيار عصبي وصدمت لما اكتشفت أنني لا أبصر
تقول فلة أنه بعد 24 يوما قضتها في المستشفى وعيناها مغطاة بضمادات طبية، ولما عادت إلى المنزل ونزعت الضمادات، طلبت ممن كان معها في المنزل أن يشعل مصباح الغرفة، كون أن الجو مظلم أمامها، لكن لما علمت أنها فقدت البصر أصيبت بانهيار عصبي وصدمة كبيرة، وحاول أهلها طمأنتها بأن يعود لها بصرها بعد التنقل إلى الخارج لإجراء علمية جراحية، وهو ما حدث بالفعل، حيث تنقلت إلى اسبانيا وأجرت عملية جراحية، كما انتقلت إلى تركيا من أجل مراقبة طبية، لكن جل الأطباء قطعوا لها الأمل في عودة البصر من جديد، لم تتقبل فلة ذلك في البداية، لكن مع مرور الوقت قاومت نفسها وبنت عزيمة قوية وتحولت إلى واعظة لأهلها في مجال الصبر والإرادة القوية لبناء المستقبل حتى ولو كان الإنسان كفيفا، وتحولت حياتها مليئة بالحيوية والنشاط على الرغم من حالتها.
وبعد عودتها من رحلة العلاج من اسبانيا وتركيا وقطع لها كل الأطباء الأمل في الشفاء، توجهت للبحث عن الطب البديل، وتعرفت على سيدة من منطقة الهامل ببوسعادة بولاية المسيلة وتنقلت إليها عدة مرات، وهذه السيدة هي الأخرى أكدت لها ما أكده الأطباء بأنه لن يعود لها بصرها، في حين خففت جزئيا من معاناتها، حيث لم يتوقف حال الفتاة عند فقدان البصر، بل آلام الرأس أصبحت لا تفارقها، بسبب تلك المواد المصنع منها البارود التي تسربت إلى المخ، وما قمت به السيدة ببوسعادة أنها كانت تقوم بإخراج قطع صغيرة من الحجارة من رأسها والتي تخرج من عينها، وتقول أن هذه الحجارة هي تلك المواد التي تسربت إلى المخ، وتضيف بأن حكمة هذه السيدة أنها تنتزع هذه المواد بلسانها، كما أطلعتنا خالة فلة على مجموعة من قطع الحجارة التي يحتفظون بها بعد أن أخرجتها تلك السيدة من عينها، وتقول فلة أن بعد زيارتها لهذه السيدة ببوسعادة عدة مرات قل ألمها.
عفوت عن المتسبب في الحادثة وسجنه لن يعيد بصري
الحديث مع فلة يشعرك وكأنك تتحدث مع شخص ناضج وله خبرة كبيرة في الحياة وليس مع فتاة فقدت بصرها بسبب حادث، كل لسانها مليء بكلمات العفو والمسامحة، الإرادة بناء المستقبل، العزيمة، حتى أن كلامها يشحن الطاقة الإيجابية لكل من يجالسها، ولعل أهم ما قامت به بعد فقدانها البصر أنها تنقلت بنفسها رفقة والدها إلى مركز الشرطة وتنازلت عن القضية ضد جارهم الذي تسبب في الحادثة، وقالت أن قضاء الله وقدره لن يرد، وجارهم كان سببا فقط، ولو حكم عليه بالمؤبد فلن يعود لها بصرها، خاصة وأن الحادث لم يكن متعمدا، وتركت أمرها لله، في حين فرحت لما سحب منه سلاحه الناري، خاصة وأن الحادث لم يكن الأول، حيث أصاب نفس الشخص منذ سنوات عريس في حفل زفاف بطلق نار في رجله، ولحسن الحظ لم تكن الإصابة خطيرة، وبهذا فإن سحب السلاح منه يجعله لن يكرر الحادث مرة أخرى، وقالت إنها لن تتمنى أن يعيش شخص آخر ما عاشته من آلام ومعاناة، كما وجهت رسالة بالمناسبة إلى وقف كل أشكال استعمال الألعاب النارية والمفرقعات والبارود في الأعراس، وتضيف أن كل أعراسهم العائلية في المستقبل تكون بإطعام المرضى  في المستشفيات ولن تكون وليمة أخرى بنفس الطريقة التي تشهدها الأعراس الجزائرية.
حياتي لم تتوقف مع فقدان البصر وأطمح دخول عالم الصحافة
على الرغم من المأساة وفقدان فتاة في مقتبل العمر بصرها إلا أن مشاعرها مليئة بالأمل والعزيمة على بناء المستقبل، وحطمت كل القيود وجمعت قواها لتبني حياتها من جديد،  وتقول فلة أن حياتها لم تتغير كثيرا، بحيث حافظت على الاعتماد على نفسها في المشي وتحضير أغراضها في المنزل، كما أنها تستغل فرصة غياب والدتها عن المنزل لتقوم بالطبخ، وتحضير الحلويات بنفسها، وفي نفس الوقت تفضل تنظيم غرفتها بنفسها، حتى تستطيع العودة للأغراض التي وضعتها دون مساعدة الآخرين، وتقول بأنها تلقت الدعم الكبير من أهلها الذين كانوا السند القوي لها في محنتها وإعادة بناء حياتها من جديد، كما لم تكتف فلة بالجو العائلي وانتقلت إلى مجالسة فئة المكفوفين، حيث اندمجت في إتحاد المكفوفين ببوفاريك، وتتعلم حاليا القراءة على البراي، كما عادت إلى دراستها التي انقطعت عنها بسبب الحادث، وتتمدرس حاليا في السنة الثانية ثانوي بالمراسلة، وتطمح فلة في الوصول إلى الجامعة ودخول عالم الصحافة، وتضيف أن المكفوف يستطيع أن يفعل الكثير والإعاقة ليست حاجزا أمامه في تحقيق آماله، وتضيف بأنها تشعر بالراحة لما تكون وسط من يقاسمونها نفس الإعاقة، وتؤكد أن مشروعها المستقبلي الأساسي هي أن تساعد المكفوفين بمشروع يساعد هذه الفئة ويخفف معاناتها.
أملك حسابا في الفايسبوك وأنشر خواطر ونصائح
وفي السياق تذكر فلة أنها بقيت بدون هاتف لمدة سنة كاملة، في حين اليوم تملك هاتفا ناطقا، كما لها حساب في الفايسبوك تنشر عبره خواطر ونصائح وحياتها لا تختلف عن الشخص العادي، كما تعتمد على التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال، حيث يحمل هاتفها الناطق تطبيقات باستعمال الكاميرا، حيث تساعدها هذه التطبيقات في قضاء عدة حاجات في منزلها دون الحاجة للآخرين باستعمال كاميرا الهاتف مع النطق، كما تساعدها هذه التقنية المتطورة على قراءة الكتب والأوراق، حيث تكتفي بوضع الكاميرا أمام الصفحة التي تريد قراءتها والتطبيق الموجود في الهاتف يقرأ لها كل ما تريد سماعه.
و في الأخير دعت فلة المجتمع ليكون رحيما بهذه الفئة ويعمل على مساعدة المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتضيف بأن المجتمع ينظر نظرة مؤلمة للمكفوفين وكلمة « مسكين» التي تردد كثيرا تهدم المشاعر، والمكفوف حسبها لا يختلف عن باقي الأفراد ويستطيع أن يقدم الكثير لنفسه والمجتمع ككل.
نورالدين ع   

الرجوع إلى الأعلى