تحولت العلاقة التي تربط الزبون بالتاجر من علاقة اجتماعية، إلى علاقة مادية تحكمها المصلحة و هامش الربح ، و  يشوبها الكثير من التوتر و الحذر في معظم الأحيان، ما أدى إلى تفشي  الكثير من السلوكيات غير المقبولة من الطرفين و كثيرا ما تنتهي عملية البيع و الشراء، بمشاحنات و شجارات.  في استطلاع النصر عبر عدد من أسواق و محلات وسط مدينة قسنطينة و حي الدقسي عبد السلام، لمسنا فتورا كبيرا في علاقات الكثير من التجار بزبائنهم و اتساع الهوة بينهم، و هناك أحاديث عن  سلوكيات غير لائقة ، تحرج الزبائن و الباعة معا.
«الزبون ملك» و «دكان الحي مقدس» شعاران تجاوزهما الزمن
كان لدكان الحي قديما في المدن الجزائرية مكانة كبيرة ، فكان بمثابة مكان مقدس يقصده الزبون لاقتناء ما يحتاجه ، و كانت لصاحبه مكانة خاصة بين السكان، سواء الميسورين أو المعوزين، فهو كاتم أسرارهم و هناك من يطلق عليه تسمية «بنك الحي» لأنه يقرضهم ما يحتاجونه من مواد غذائية و حتى مبالغ مالية، و كان بمثابة حارس أمين و عين ساهرة لحراسة الحي و أهله.
أما اليوم فقد تغيرت هذه المعطيات بشكل كبير، و أصبحت العلاقة بين الزبون و التاجر فاترة، بل مكهربة في الكثير من الأحيان، فلا البائع  يستقبل  زبونه بالابتسامة و الترحيب،  و لا الزبون يثق في التاجر، بعدما طغت المصلحة و الماديات على هذه العلاقة الاجتماعية، و الملاحظ أن الصدامات و الشجارات تختم عملية التبضع في حالات عديدة.
قال السيد مولود / ز ، متقاعد في العقد السابع، كان يقطن بحي الأمير عبد القادر ثم انتقل إلى المدينة الجديدة علي منجلي، أن فرقا كبيرا بين التجار في الماضي و اليوم ، فدكاكين الحي قديما كانت أماكن مقدسة بالنسبة للجيران، و كان أصحابها قدوة لهم ، بأخلاقهم العالية و معاملتهم الجيدة و مساعدتهم للمحتاجين، و أضاف « أتذكر جيدا عمي التونسي،  صاحب محل لبيع المواد الغذائية كان كل سكان الحي الشعبي  يقصدونه، لشراء ما يحتاجونه و حتى من أجل الاقتراض ،  و كذلك عمي صالح بائع الخضار، الرجل الطيب الذي كان في نهاية النهار و قبل أن يعود إلى بيته، يتصدق بما تبقى لديه من خضار و فواكه، كما كان يترك محله مفتوحا عندما يذهب للصلاة،  لأنه كان يثق بجيرانه، و كذا عمي بلعابد،  بائع الملابس الذي كان دفتره الصغير يضم أسماء كل سكان الحي الذين يقتنون ما يريدون من ملابس و يدفعون له عندما تتوفر لديهم النقود.
و تأسفت من جهتها  الحاجة حورية القاطنة بحي خميستي، بوسط مدينة قسنطينة على حال التجار اليوم خاصة الشباب منهم، و كذلك الزبائن ، بعدما غاب الاحترام بين الطرفين، فلا التجار يستقبلونك بابتسامة و يسعون لإرضائك و لا الزبائن يعاملون التجار معاملة حسنة.
تجار و زبائن في دائرة الاتهام

توجهنا إلى سوقي الخضر و الفواكه و اللحوم بحي الدقسي عبد السلام، و كذا سوق بومزو بوسط المدينة ، و تحدثنا إلى الباعة ، فقال لنا الشاب معاذ ميهوبي، صاحب محل لبيع اللحوم البيضاء بسوق بومزو ، أن هناك زبائن يقومون بتصرفات غير مقبولة ، كأن يقوم أحدهم بفتح الثلاجة و تقليب قطع الدجاج أو شم اللحم، و هذه السلوكات  تتكرر معه يوميا، و قد تسبب له التوتر و القلق و تؤدي في الكثير من الأحيان إلى نشوب خلاف بين الطرفين، و يرى أن عدم الثقة في التاجر و الصورة السوداوية التي يحملها الزبون عن التاجر هي السبب، مضيفا أن البائع عكس المواطن، عليه أن يتقبل التعامل مع مختلف الذهنيات و السعي لإرضاء الجميع، و هذا ما يضعه تحت ضغط كبير، خاصة أن هناك من الزبائن غير متفهمين ، كما يصطدم التاجر بعراقيل أخرى، كالرقابة و تدهور الوضع الاقتصادي،  و كل هذه العوامل تنجم عنها علاقات مكهربة بين المشتري و البائع.
 قال رمضان جودي، بائع فواكه بسوق بومزو منذ 25 سنة،  أن فرقا كبيرا بين الماضي و الحاضر، فالزبون اليوم يرغب في الحصول على سلعة جيدة بسعر منخفض خيالي، و التجار يسعون للربح ، و لا يمكن تحقيق ذلك ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى نشوب خلافات.
و  أكد عبد الله بائع توابل و بقوليات بسوق الدقسي عبد السلام ، أن  بعض الزبائن يستفزون  البائع بتصرفات غير مقبولة ، و من المفروض أن يتجاوز التاجر ذلك،  لكن الكثير من التجار الشباب لا يتحملون ذلك،و كثيرا ما يقعون ضحية استفزاز المواطن.
  أما السيدة ليلى، فانتقدت طريقة استقبال بعض أصحاب المحلات و الباعة، للزبائن، كأنهم ضيوف غير مرحب بهم ، و تحديدا إذا سأل زبون عن ثمن سلعة معينة و لا يشتريها مباشرة ، مضيفة أن التجار الشباب عموما، لا يحسنون التعامل مع الزبون، فهو حر في اختيار ما يريده قبل اقتنائه ، ناهيك عن بعض التصرفات الأخرى، كغش و خداع المستهلك و حتى التلاعب به.
زبائن ناقمون و تجار تحت الضغط
تحدث مواطنون عن انتشار بعض الظواهر السلبية بين التجار، في مقدمتها الغش،  قال السيد ميلود /ز الذي كان  بصدد اقتناء الدجاج من سوق بومزو،  أن الكثير من التجار يغشون في السلع، فهناك من يبيع موادا غذائية منتهية الصلاحية أو ذات نوعية رديئة و يوهمون الزبون بأنها جيدة.
 و حول سؤال للنصر عن ظاهرة إلزام المواطن بشراء كمية أكبر مما طلب، رد المتحدث أن الظاهرة منتشرة، حتى أنها  أضحت مزعجة في كثير من الأحيان ، فالتجار أصبحوا في الغالب يلزمون المواطن باقتناء كميات إضافية، مستخدمين عدة أعذار، كعدم توفر «الصرف» أو أنه لا يستطيع أن يزن الكميات الصغيرة .
و هو نفس ما ذهب إليه أحد المواطنين في سوق الدقسي عبد السلام ، حيث قال أن هذه التصرفات تكررت كثيرا معه، فأصبح يرفضها لأنها لفائدة التاجر و تضر به كمواطن،  و أضاف أن التجار ينحازون لمصلحتهم الخاصة، على حساب جيب الزبون البسيط .
السيدة حبيبة تقصد أسبوعيا سوق بومزو،  قادمة من منزلها بحي زواغي سليمان، من أجل اقتناء ما تحتاجه من خضر و فواكه و دجاج ، أشارت إلى تلاعب التجار بحجة عدم توفر قطع النقود الصغيرة «الصرف»، و هي ظاهرة تتكرر معها في تعاملاتها اليومية، سواء مع الخباز أو بائع المواد الغذائية و كذلك تجار الخضر و الفواكه .
و لم ينف معاذ ميهوبي، بائع للحوم البيضاء هذه التجاوزات من بعض التجار ، لكن لا يمكن تعميمها، كما أكد، فهناك تجار، خاصة الشباب يحتكمون إلى ضمائرهم، و يرفضون كل أنوع التلاعب و الغش، لكن، حسبه،  يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الضغوط التي يعمل في قبضتها التاجر.
و عن ظاهرة إلزام الزبون بأخذ كميات إضافية، دون تقيد التاجر بالكمية المطلوبة ، قال التحدث أن بيع اللحوم عموما مقيد بالميزان ، و أحيانا كثيرة لا يمكن وزن كميات معينة، لأن ذلك يتسبب في «إتلاف» الدجاج أو اللحم  عند تقطيعها إلى قطع صغيرة، يكون مآلها في الأخير الرمي، ما يكبده خسارة مالية. و أكد أنه يستأذن المشتري في ذلك.
بخصوص مشكل « الصرف» ، تأسف التاجر  للجوء بعض التجار لمثل هذه التصرفات، مشيرا إلى أن توفر النقود الصغيرة يطرح فعلا مشكلة.
  أما السيد رمضان جودي، بائع فواكه، فأكد وجود بعض التجاوزات من قبل تجار يبحثون عن الربح بأية طريقة ، كأن يجبروا الزبون على اقتناء كميات معينة، كحيلة لبيع كل ما لديه من خضر أو فواكه أو لحوم، دون الاكتراث بما يرغب به الزبون.
* فادي تميم المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية و إرشاد المستهلك و محيطه
هناك طغيان للمصلحة في علاقة التاجر بالزبون
يرى السيد فادي تميم، المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية و إرشاد المستهلك و محيطه ، أن التغيرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع الجزائري رمت بظلالها على علاقة المواطن بالتاجر ، فبعدما كانت في الماضي علاقة اجتماعية، تحولت إلى علاقة مادية محضة .
و أكد المتحدث أن ظهور فئة كبيرة من التجار الانتهازيين، ولد ذلك الاختلال في العلاقة، خاصة في المدن الكبرى ، إلى جانب ظهور فئة من المستهلكين لا تحترم  التاجر ، فكلاهما في نفس الكفة ، مضيفا أن صفحة المنظمة تستقبل يوميا شكاوي عن  تعرض مواطنين لعمليات غش ، كبيع مواد غذائية منتهية الصلاحية للأطفال ، و خداعهم ببعض السلع المقلدة، على أساس أنها أصلية و هي ظاهرة منتشرة كثيرا.
و يرى أن  هناك تواطؤا بين تجار الجملة و المنتجين و تجار التجزئة على حساب المستهلك ، و للقضاء على هذه الظواهر السلبية، على التاجر البسيط أن يرفض  الأساليب الملتوية التي ينتهجها بائع الجملة ، و هذا بدوره عليه ألا يرضخ لمساومات المنتجين ، بالمقابل للتاجر حقوق على المستهلك احترامها.
* الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين
الكثير من التجار الشباب يفتقدون للتكوين و التجربة
أكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار و الحرفيين  الجزائريين الحاج الطاهر بولنوار، غياب ثقافة  التعامل بين المستهلك و الزبون،  فبعض التجار يفتقدون لثقافة التعامل مع  المستهلك، و لا يستطيعون مثلا تقديم معلومات حول المنتوج الذي يبيعونه ، بينما تغيب الثقافة الاستهلاكية عند الكثير من الزبائن، و قد تكون سبب الخلاف مع التاجر .
كما أن المستهلكين يتصرفون بأنانية،  فمثلا خلال الأزمات يرفضون التقيد بتعليمات التجار لاقتناء بعض المواد محدودة الكمية، و هنا ينتهي الأمر بشجارات و خلافات .
وأضاف   بولنوار أن  الجمعية الوطنية لإتحاد التجار، تسطر ضمن برامجها السنوية،  حملات توعية ، هدفها  تحسين علاقة الزبون بالتجار التي كانت قديما علاقة وطيدة ، أما اليوم فأصبحت علاقة ضبابية، خاصة أن الكثير من التجار الشباب  يفتقدون للتكوين و ليس لهم تجربة، و هدفهم الأول هو تحقيق الربح ، في المقابل الكثير من المستهلكين لا يحترمون التجار.
وهيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى