رغم تقدمه في السن، لا يزال الدكتور عبد الله بوربيع، صاحب 71 عاما ، ينهل من شتى العلوم بشغف ، و يسعى لجمع أعلى الشهادات الجامعية،  متحديا الظروف و عقبات مسار تعليمي زاده إصرارا على التفوق،  فقد حقق طموحه في نيل شهادة الدكتوراه بعد أن تجاوز السبعين، ليصبح قدوة للأجيال الجديدة في التحدي و الإصرار من أجل النجاح، فشعاره، كما قال للنصر « العلم من المحبرة إلى المقبرة».
التقت النصر بابن الحروش بولاية سكيكدة،  الدكتور بوربيع ببهو المكتبة الرئيسية للمطالعة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة،  التي جعل منها بيته الثاني و مستقرا له طيلة أيام الأسبوع،للنهل من مجلداتها و كتبها، فحدثنا عن حبه للعلم و كفاحه منذ نعومة أظفاره من أجل الدراسة، رافعا  سقف طموحاته عاليا ، و هاهو اليوم بعد نيله شهادة الدكتوراه، يواصل الدراسة في المدرسة القرآنية، لنيل شهادات أخرى، إلى جانب التدريس كمتعاون، لنقل جزء من معارفه إلى طلبته .
عمل في الحقول و الأسواق لمواصلة الدراسة
شق الأستاذ و الدكتور عبد الله بوربيع مساره العلمي بصعوبة كبيرة، فلم يلتحق مثل الكثير من الجزائريين بالمدرسة في الخمسينيات من القرن الماضي، و اضطر و هو في سن السابعة، إلى الالتحاق بالكتاتيب القرآنية التي مكث بها حوالي سبع سنوات من 1956 إلى 1964، و ختم فيها حفظ القرآن الكريم.

 بعد الاستقلال، توجه إلى الدراسة الحرة، متحديا ظروفه الاجتماعية القاسية،  فقد اضطر للعمل  في الحقول و المطاعم و الأسواق لمساعدة والديه و الإنفاق على دراسته، و كان يحرم نفسه من اللباس و الأكل، من أجل اقتناء الكتب و التحضير لاجتياز شهادة التعليم الابتدائي،  و حصل عليها سنة 1968 و عمره 17 عاما، و عندما كان يحضر نفسه لاجتياز شهادة الأهلية، كما قال  استدعي للخدمة الوطنية، فالتحق بأولى الدفعات آنذاك في ثكنة بولاية باتنة ، لكن ذلك لم يثن من عزيمته لبلوغ هدفه،  فرغم صعوبة الظروف و التدريبات القاسية، إلا أنه كان يواصل الدراسة و مراجعة كتب الرياضيات و الفيزياء و غيرها من المواد ، رفقة زميلا له آنذاك.
قال الأستاذ عبد الله بوربيع، إنه كان شغوفا جدا بالكتب و المطالعة، فكان يحل كل التمارين و يعيد حلها أكثر من مرة ، لينال شهادة الأهلية في الدور الثاني بعدما تعثر في الدور الأول،  و بعد نجاحه  طلبت منه آنذاك قيادة الثكنة، التوجه إلى العاصمة  للاستفادة من  تكوين خاص لنيل رتبة ملازم أول ، لكنه رفض العرض و فضل مواصلة مساره العلمي، و توجه بعد انتهاء فترة الخدمة الوطنية إلى الحياة العملية، كأستاذ طيلة خمس سنوات، بمدرسة بن غرس الله في سكيكدة .
«تقدمي في السن جعلني أصر على نيل الدكتوراه»
لم تتوقف طموحات عبد الله بوربيع عند حدود التوظيف كمعلم،  فرغبته في دخول الجامعة و التدرج فيها، كانت كبيرة و جامحة.
 و نظرا لالتزاماته العائلية بعد وفاة والده ، و اهتمامه بوالدته الطاعنة في السن،  فضل الالتحاق بالدروس المسائية بجامعة التكوين المتواصل بقسنطينة ، من أجل نيل شهادة التقدير التي كانت مفتاح العبور إلى الجامعة ، فكان يدرس نهارا في سكيكدة و يتنقل مساء إلى قسنطينة ليتابع الدراسة، ، فيبيت أحيانا في الحرم الجامعي و في أحيان أخرى يسافر ليلا، ليلتحق بتلاميذه في الصباح الباكر  في الحروش.
و بعد سنتين من الجد و الاجتهاد، نال شهادة التقدير ، و بدأ حلم الجامعة يتضح أمام عيني الدكتور عبد الله،  فتخلى عن وظيفته في التعليم ، و اتجه صوب جامعة قسنطينة 1 الإخوة منتوري، التي نال بها ا شهادة ليسانس سنة 1975 ، ما أهله ليحصل على منصب أستاذ بمعهد التكنولوجيا بن بعطوش،  و بعدها حصل على منصب أستاذ بثانوية بسكيكدة، ثم في  متقنة بالحروش.
في سنة 1986 عاد إلى أحضان الجامعة مرة أخرى، و تحديدا جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، للتحضير لشهادة الماجستير، و كان جيل تلك الفترة ، حسب الأستاذ عبد الله ، شغوفا بالعلم و مثابرا ، و من بين زملائه آنذاك الإمام محمد الغزالي و عمار طالبي و بوجنانة و غيرهم ،  كما قال.

و بعد سنتين من البحث النظري، أنجز رسالة بعنوان « صيغ المبالغة في عيون البصائر  للبشير الإبراهيمي» ، تحت إشراف مدير الجامعة آنذاك عبد الله بوخلخال، و نال شهادة الماجستير سنة 1999، و عمل أستاذا مؤقتا بعدة جامعات، على غرار جيجل و سكيكدة و قسنطينة و غيرها.
و في سنة 2013 قرر تحضير رسالة الدكتوراه ، و استغرق ذلك ست سنوات  من البحث و العمل الأكاديمي،و  نال فعلا شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية، تخصص لغة عربية و دراسات قرآنية ، و هو حاليا أستاذ متعاون بقسم الكتاب و السنة بكلية أصول الدين ، و أيضا طالب بالمدرسة القرآنية  يسعى لنيل إجازة أستاذ ترتيل القرآن و أحكامه.
يقرأ أكثر من 30 كتابا في السنة
لا يتوقف الأستاذ عبد الله بوربيع عن قراءة الكتب في شتى المجالات، فهو كما قال للنصر،  يطالع دون انقطاع بمعدل 30 كتابا في السنة أو أكثر ، و في مقدمتها القرآن الكريم و كتب التفسير و اللغات و النقد الأدبي، و كذا الفلسفة ،و يحب قراءة مؤلفات سيد قطب و طه حسين و العقاد و المازني ، و كذا المتنبي و البحتري و غيرهم .
و لا يتوقف عن تطوير مهاراته في تعلم  اللغات الأجنبية، على غرار الفرنسية و الإنجليزية ، التي تعلمها بمفرده منذ الصغر، و يتحدثها اليوم بطلاقة، كما يهوى الكتابة و التأليف و يطمح إلى طباعة و نشر مؤلفاته، و في رصيده اليوم عدة مشاريع منها مؤلف « الالتزام في الفن و الأدب» و كتاب في العروض و آخر في البلاغة،  في انتظار الدعم المادي .
عبد الله بوربيع تحدث بحب كبير  عن الكتب، مشيرا إلى أنه يملك بمنزله مكتبة كبيرة تضم مئات العناوين، و يشتري الكتب بشكل دائم و يزور المكتبات باستمرار أينما ذهب ، و عشقه للعلم كان دافعه للسفر إلى عدة دول من أجل زيارة جامعاتها و مكتباتها المشهورة، على غرار تونس و مصر اللتين جلب منهما عشرات المؤلفات،  و  قضى بفرنسا شهرا كاملا متنقلا بين مكتباتها.
 و يقضي حاليا جل وقته بين التدريس في جامعة الأمير عبد القادر و الدراسة في المدرسة القرآنية و المطالعة في المكتبة ، و لا يزال يعتبر نفسه طالبا، يقيم طيلة أيام الأسبوع في الإقامة الجامعية،  و يقاسم طلبته غالبا وجبات الغذاء و العشاء ، ليعود إلى بيته العائلي في الحروش كل نهاية أسبوع، للاهتمام بشؤون عائلته و أبنائه الذين ورثوا منه حب العلم،  فهم جميعا من خريجي الجامعة في عدة تخصصات.
يونس سدوس مدير المكتبة المركزية محمد عروة
عبد الله بوربيع طالب و أستاذ لحوح في العلم يعشق التهام الكتب
وصف مدير المكتبة المركزية محمد عروة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ، الأستاذ عبد الله بوربيع  بالباحث الخلوق و المنفرد عن غيره من الأساتذة و الطلبة، فهو عاشق للمطالعة ، و من رواد المكتبة الدائمين ، و غالبا ما يلح لاستعارة  الكثير من الكتب ، رغم أن النظام الداخلي لا يسمح إلا باستعارة أربعة كتب فقط ، و بحكم العلاقة الطيبة التي تربطه بالجميع، فالإدارة تتجاوز هذه الاعتبارات النظامية، نظير عطاءاته للجامعة ، كما يستشيرونه في بعض القضايا الفقهية.
أما سعدي هيكل، أمين المخزن و الإعارة بالمكتبة ، فوصف الأستاذ عبد الله بورربيع ،بالأستاذ الظاهرة الذي لم تمنعه بعد المسافة و لا التقدم في السن من مواصلة مشواره العلمي ، و لا يزال إلى غاية اليوم بذات الحماسة و الشغف و حب الكتب ، و هو مثال يقتدى به، كما أكد.                                       وهيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى