اتخذ الشاب المعاق حركيا بنسبة مئة بالمئة محمد بولعسل، من دراجته النارية المغطاة و المكيفة مع طبيعة إعاقته، من نوع "توك توك"، مصدر رزقه، بعد أن أنهكته الفاقة و البطالة، كما قال للنصر، حيث ينقل الركاب من وسط مدينة قسنطينة نحو مختلف أحيائها، بكل سهولة و يسر، عندما يحتدم الازدحام و تتعرقل حركة المرور، و ذلك مقابل أسعار رمزية، و بذلك يعتبر محمد أول ناقل للركاب من نوعه بالولاية و ربما ببلادنا ككل.
المتجول عبر وسط المدينة، و بالضبط قبالة ساحة الثورة، أو قبالة البريد المركزي، بمدخل الحي العتيق "الرحبة"، ستلفت انتباهه دراجة نارية مكيفة من نوع "توك توك" مركونة، دهنت باللونين الأزرق و الأبيض، علقت فوقها لافتة كتب عليها "طاكسي"، يجلس على متنها شاب في زهرة العمر، من شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، ينتظر من يقترح عليه نقله إلى أحد أحياء المدينة، كما يمكن للمتجول أن يلمحه متسللا بين السيارات في أوج اختناق حركة المرور من شدة الازدحام، لنقل أحد الركاب بسهولة و يسر و سرعة نحو وجهته.
هذا الشاب الذي لم يمض على مزاولته لهذه المهنة سوى شهر تقريبا، حقق شعبية كبيرة و يحظى بتقدير المواطنين و احترامهم لشجاعته و مثابرته، بعد أن روجت لنشاطه و نشرت رقم هاتفه، عديد المجموعات التي تهتم بشؤون قسنطينة عبر موقع فايسبوك، و أكد للنصر، بعض من تعاملوا معه عن رضاهم عن خدماته، و تضامنهم الكامل معه.
و قال أحد زبائنه الأوفياء أنه تفاجأ عندما شاهد سائق "توك توك" الشاب، لكنه عندما علم بوضعيته، قرر أن يطلب منه رقم هاتفه، و اتصل به قبل أيام، لينقله من المستشفى الجامعي بن باديس إلى بيته في نهج عواطي مصطفى،  فوجد منه كل الترحيب، و أغناه عن التنقل على متن سيارة أجرة عادية مقابل 250 دج، وسط ازدحام مروري متواصل، وسط المدينة يستنفذ الوقت و الأعصاب، فدراجة محمد، بإمكانها السير بكل سهولة بين السيارات و الحفلات و الوصول بسرعة إلى وجهتها، مقابل 100 دج فقط.
و لاحظنا أن محمد يحظى بتشجيع المارة و سائقي المركبات و حتى رجال الشرطة أثناء عمله، و عندما يركن دراجته، يفتك ابتسامات واسعة و تعليقات تضامنية.
"توك توك" لتحدي الفقر و دخول بيت الزوجية
عندما سألنا محمد عن أسباب اختياره ل"توك توك" كوسيلة نقل جديدة للركاب، قال لنا، بأنه يبلغ حاليا 31 عاما من عمره، و لم يجد حلا آخر، لمواجهة الفقر و البطالة، فمنحة المعاق، لا تكفي لتلبية أدنى احتياجاته، و ما بالك بإعالة أسرته و جمع بعض المال، ليتمكن من تجهيز و تأثيث بيت الزوجية، مشيرا إلى أنه عقد قرانه مؤخرا على خطيبته، لكن وضعيته المادية، لم تمكنه بعد من إتمام الزفاف لحد اليوم.
و أضاف بأنه استلهم فكرة استعمال "توك توك" كوسيلة لنقل الركاب، من الأفلام و المسلسلات المصرية، و عندما جربها وجدها جد مناسبة في وسط مدينة قسنطينة، حيث الاكتظاظ و الازدحام المروري الدائم، مشيرا إلى أنه طلب من والي الولاية خلال حضوره حفل اليوم  الوطني  لذوي  الاحتياجات  الخاصة، رخصة لمزاولة نشاطه.
و أوضح الشاب بأن نشر رقم هاتفه و معلومات حول نشاطه عبر حسابه في موقع فايسبوك، و تشاركه من قبل مختلف صفحات و مجموعات قسنطينة، و كذا الصفحات الخاصة للمواطنين، حفزه كثيرا ، و دفع الكثيرين للاتصال به أو الحضور إليه مباشرة، للاستفسار أو لطلب خدماته،  حيث يتكفل بنقل الركاب إلى وجهاتهم المختلفة عبر بلدية قسنطينة، مشيرا إلى أن دراجته تتسع للسائق و لراكب واحد، و في معظم الحالات يكون زبائنه مستعجلين للوصول إلى مقرات عملهم أو بيوتهم أو عيادة طبيب أو المستشفى الجامعي بن باديس..إلخ، و البعض الآخر يفضلون ركن سياراتهم بمكان آمن، و التنقل بأريحية برفقته إلى عملهم، مؤكدا بأن النساء يشكلون حصة الأسد من زبائنه، و يشجعنه على مواصلة عمله الشريف.
المتحدث ذكر بأنه كان يملك من قبل دراجة نارية سوداء، و كان يتنقل على متنها، بدل كرسيه المتحرك، لبيع البيتزا بالخروب، لأنه لم يتمكن من الحصول على أي فرصة للعمل في مجال آخر طيلة حياته، و لم يكن له أي مصدر رزق آخر، لكن تلك الدراجة النارية تعطلت و باءت كل جهوده لتصليحها بالفشل، فاضطر للمكوث في البيت لفترة، ثم اتصل بجمعية خيرية بالجزائر العاصمة لمساعدته، و فاجأته الجمعية ذات يوم بإحضار دراجة نارية مكيفة و مغطاة من نوع يعرف باسم "توك توك"، بعد أن جمعت ثمنها من تبرعات المحسنين، فكانت فرحته لا توصف و هو يجرب قيادتها، و قرر أن يستعملها كوسيلة نقل للركاب، و بالتالي اتخاذها كمصدر رزق، كما أكد للنصر.
رحلة طويلة مع العمليات الجراحية و الإعاقة
بخصوص إعاقته، قال الشاب أنه ولد بورم على مستوى الظهر، و عندما خضع لعملية جراحية لاستئصاله في صباه،  تضرر نخاعه الشوكي، و أصيب بشلل، ما جعله، كما أكد،  يخضع لعدة عمليات جراحية متتالية ، إلى جانب حصص إعادة التأهيل الوظيفي و الحركي العلاج الفيزيائي طيلة سنوات، لكنه لم يسترجع قدرته على المشي قط، و يعتمد في التنقل على كرسي متحرك، و أعرب عن أسفه الشديد لأن مرضه و مكوثه الطويل في المستشفى أو مراكز إعادة التأهيل، حرمه من مواصلة تعليمه، و لم يستطع أن يتجاوز مستوى السنة الخامسة ابتدائي، رغم محاولاته الدراسة بالمراسلة، على حد قوله  .
كان منخرطا في نادي سيرتا لرياضة المعاقين
في2009 قرر بولعسل أن يرفع التحدي و يفرض نفسه في مجال الرياضة التي يحبها، فانضم إلى نادي سيرتا لرياضة المعاقين بقسنطينة، و مارس كرة السلة و بفضل الإرادة و المثابرة و التدريبات المكثفة، تمكن من الانضمام إلى الفريق الوطني في ذات الصنف لفترة، لكنه اضطر في 2014 للتوقف عن ممارسة الرياضة لأساب قال أنها مهنية و خاصة.
و أوضح المتحدث بأنه ينتمي إلى أسرة فقيرة، و يقيم مع إخوته في بيت والده ، مشيرا إلى أنه فقد والدته منذ 09 أشهر، و يساهم قدر المستطاع في مصاريف البيت، و يحاول ادخار القليل مما يكسبه من أجل إتمام زواجه و تأثيث و تجهيز بيت الزوجية الذي استفاد منه بالخروب.
و يتمنى المتحدث أن تطلع وزارة التضامن على تجربته مع "توك توك"، و تشجعه على إصراره على الاعتماد على نفسه و تحقيق الاستقلالية المادية، لأن الإعاقة الحقيقية هي الإعاقة عن التفكير و التدبير، كما أكد محمد، كما يتمنى أن يقتدي به عديد ذوي الهمم، الذين لم يفوزوا بفرصة التوظيف، من أجل كسر حصار الفقر و البطالة، و الانطلاق في حياة جديدة و كسب ما تيسر من المال من عرق الجبين، على حد تعبيره.
و أردف الشاب بأنه يحلم بتوسيع "مشروعه" في مجال النقل، بالحصول على دراجة نارية مكيفة كبيرة، تتسع لخمسة أشخاص، ليصبح سائق "طاكسي" حقيقي، كما قال مازحا، و يتمكن من دخول بيت الزوجية قريبا.                    إلهام . ط

الرجوع إلى الأعلى