أرجع دكاترة في تخصّص الرياضيات و طلبة دكتوراه بجامعة قسنطينة، في ندوة النصر، سبب نفور تلاميذ من المادة و تحوّلها إلى عقدة بالنسبة للكثير منهم، لأسباب عدة، تتعلّق في مقدمتها بانتقاء أساتذة الطور الابتدائي من تخصّصات أدبية يعاني الكثير منهم ضعفا في المادة، ما ينعكس سلبا على التلاميذ، كما حمّلوا جزءا من المسؤولية للأولياء الذين يصوّرونها لأبنائهم كشبح مخيف، إلى جانب كثافة البرنامج التعليمي و اعتماد منهاج شجّع التلميذ على الحفظ أكثر من الفهم، كما انتقدوا تكثيف حصص الدعم التي جعلت من التلميذ متلق غير فاعل في العملية التعليمية، و دعوا إلى مراجعة سياسة توظيف المعلمين في الطور الابتدائي الذي يعد لبنة أساسية في مسار التلميذ الدراسي، تحدّد خياراته المستقبلية.
ندوة / أسماء بوقرن 

* نوال موجب طالبة دكتوراه رياضيات
أستاذي في الابتدائي جعلني أختار التخصّص فيها
تحدثت نوال موجب، طالبة في السنة الخامسة دكتوراه اختصاص رياضيات تطبيقية من جامعة أم البواقي، تستعد لمناقشة أطروحة الدكتوراه بتأطير من أستاذ بجامعة قسنطينة للنصر، عن سبب اختيارها للتخصص في الرياضيات، قائلة بأنها اختارته عن اقتناع و حب، مرجعة سر حبها للمادة ، لكونها من الأشخاص المحظوظين الذين درسوا في الطور الابتدائي عند أستاذ في المستوى يحب المادة و غرس حبها في قلوب تلاميذه و جعلهم يستمتعون بحل مسائلها و ينتظرون حصصه بشغف و يفضلونها على المواد الترفيهية، كما عزز أساتذة المادة في باقي الأطوار التعليمية حبها للرياضيات، باعتمادهم أسلوبا تعليميا مميزا و مبسطا، جعلها تحرص على تخصيص وقت أطول لحل و فهم المسائل الرياضية، و تجد متعة كبيرة في ذلك.
و أرجعت سبب تشكل «عقدة الرياضيات» عند الكثير من التلاميذ، إلى الأساتذة الذين يعانون من مشكل في المادة و لا ليس لديهم رغبة في التعليم، و كذا للعائلة فهناك أولياء يرسخون عند أبنائهم فكرة أنه من الصعب فهم المادة و يحرصون على استفادتهم من دروس الدعم في المرحلة الابتدائية، ما يشكل فجوة بين التلميذ و المادة، مشيرة إلى أن هناك تلاميذ لديهم مؤهلات، غير أنهم يخشون دراستها كما يخافون على مستقبلهم.  و بخصوص سؤالنا إذا كان هذا التخصص يقتصر على الطلبة الأذكياء، قالت بأن طبيعة المادة تتطلب تمتع التلميذ بقدرات ذهنية لا بأس بها، فالرياضيات عموما تحتاج للذكاء و الاجتهاد و الممارسة و الحب، فإذا توفرت كل هذه الشروط في الطالب، سيتفوق في المادة، لكن إذا غاب أحد الشروط استعصى عليه الأمر .

* أستاذ الرياضيات سمير بن حديد
عدم غرس التفكير الرياضي في الطور التعليمي الأول شكّل عقدة  
ذكر من جهته الدكتور سمير بن حديد المشاكل التعليمية التي جعلت مادة الرياضيات كشبح يخافه التلاميذ منذ بداية الطور الابتدائي، في مقدمتها الاعتماد على حاملي شهادات أدبية في تدريس الطور الابتدائي الذي يعد لبنة للأطوار الأخرى، و الذي يعاني عدد منهم من عدم فهم المادة،  مؤكدا بأنه لا يمكن لمتخرج حامل لشهادة أدبية، أن يدرس كل المواد في الابتدائي، و اقترح تخصيص أستاذ مختص في المادة لتدريس السنة الثالثة و الرابعة و الخامسة ابتدائي، و ذلك لغرس التفكير الرياضي لدى التلاميذ و تكوين قاعدة في المادة، على أسس سليمة و صحيحة و بطرق مبسطة، داعيا في هذا السياق، إلى ضرورة تقليص المواد في الابتدائي، لضمان تكوين قاعدي سليم للتلاميذ.  و طرح المتحدث أيضا مشكل محتوى البرنامج التي أثقلت كاهل التلميذ و جعلته لا يمتلك قابلية للتفكير، و أصبح يكتفي بحفظ حلول التمارين، كما تطرق لغياب التخطيط في هذا القطاع، داعيا إلى إعادة النظر في الحقيبة الوزارية المختصة في التخطيط لضبط زمام الأمور، و استدعاء الكفاءات لتحقيق تغيير جذري في برامج الرياضيات و إيجاد حل للنتائج الكارثية. كما ركز على ضرورة تقدير دور الأستاذ و توفير الظروف الملائمة له، للتمكن من أداء رسالته النبيلة، مؤكدا بأن كثافة البرنامج صعبت من مهمته، إذ أصبح مجبرا على الاكتفاء بتقديم الدرس، دون حل التمارين التي تمكن من تبسيط المفاهيم و استيعاب الدرس جيدا، ما دفع التلاميذ إلى اللجوء لدروس الدعم. عن الفئة التي تختار الرياضيات، قال بأن هناك إقبال على مادة الرياضيات، لكن هناك من يتحتم عليهم دراسة التخصص، و يرغمون على الخضوع لسياسة التوجيه.

* أستاذ الرياضيات الدكتور جمال بودة
هذه الأسباب حوّلت المادة إلى شبح  
أكد أستاذ الرياضيات بجامعة قسنطينة، الدكتور جمال بودة  في حديثه للنصر، بأن على الأستاذ أن يملك مهارة كبيرة في تبسيط المادة و تحبيبها للطفل، ليجد متعة في دراستها، لكن للأسف هناك عناصر في العملية التعليمية ميعت التدريس، حيث أصبح  الأستاذ لا يضمن حتى تقديم أبجديات المادة.
و أضاف أن التعليم تحول إلى «خبزة» لحل مشكل البطالة و ضمان الدخل، كالدروس الخصوصية التي حولت التعليم إلى تجارة، مشيرا إلى أنه لا يمكن إلقاء المسؤولية كاملة على الأساتذة الذين اضطرتهم ظروفهم الصعبة  للبحث عن مصدر دخل مواز، لتأمين عيشهم، و إعالة أسرهم.
محدثنا أكد بأن هناك إقبال على دراسة الرياضيات، غير أن مستوى الطلبة في الجامعة يشهد تراجعا لافتا، فهناك من التحقوا بالجامعة بمعدلات مرتفعة جدا في المادة، في حين نجد عددا معتبرا منهم مستواهم في المادة متدنيا، اذ تفاجأ ببعضهم يعتمدون على حفظ الحلول، و هذا مؤشر خطير، يؤكد أن المدرسة تمر بمرحلة خطيرة جدا تهدد المسار التعليمي للتلاميذ.

* أستاذ الرياضيات الدكتور نذير طيار
معلّمون في الابتدائي ينقلون ضعفهم في الرياضيات للتلاميذ
تحدث الدكتور نذير طيار، أستاذ بجامعة قسنطينة، للنصر، على هامش الملتقى الثاني للرياضيات، عن نفور الكثير من الطلبة من مادة الرياضيات، لدرجة أنها تشكل عقدة لديهم، قائلا بأن هناك أسباب جوهرية و أخرى ثانوية، حيث يكمن السبب الجوهري الأول في كون مادة  الرياضيات بطبيعتها تجريدية، حتى أن هناك من يعرفها بعلم الكائنات المجردة، لكونها لا تتعامل مع أشياء ملموسة كالعلوم الأخرى، ما يجعلها صعبة نوعا ما، إذ يعتبر مختصون في علم نفس الطفل و الإدراك الذهني، أن التجريد عند الأطفال مسألة صعبة، لكن حلها، يكمن، حسب المتحدث، في المنظومة التعليمية التي يجب أن تنجح في التعامل مع هذه المسألة منذ الابتدائي، فعدم معالجة المشاكل التي يواجهها الطفل في هذه المرحلة،  يشكل عقدة لديه و يصبح لا يجيد حتى العمليات الحسابية البسيطة، و المواصلة في العمل على ذات النهج سيعقد الوضع أكثر.  
و أضاف الدكتور طيار بأن بعض الدول خاضت تجارب جديدة و تمكنت من حل مسألة التجريد في هذه المادة، مقدما مثالا بالتجربة  السنغفورية  في مادة الرياضيات التي نجحت و ذهبت بعيدا، إذ وجدت حلا لمسألة التجريد في الطور الابتدائي، بعد أن اعتبرته آخر مرحلة في العملية التعليمية، و وظفت وسائل تقنية رهيبة تمكن التلميذ من استيعاب ما يتلقاه باللمس، حيث وجدت حلا لمشكلة مواجهة تلاميذ صعوبة في التفريق بين رمزي أصغر و أكبر، بتوفير أدوات تعليمية للتمكن من التفريق بينهما بسهولة، و هي استخدام المكعبات، حيث يقدمها الأستاذ للتلاميذ للمسها و اللعب بها، ليطلب منهم بعد ذلك تحديد المكعب الأكبر و الأصغر، فتترسخ في أذهانهم باللمس، مشيرا إلى أن نجاح  التجربة لم تنحصر في اعتماد تقنيات تعليم جديدة، و إنما عالجت مشكل تكوين الأساتذة، حيث تضع تكوينا مكثفا للأساتذة عبر تربصات مستمرة تدوم 400 ساعة.  
و في هذا السياق، أثار المتحدث نقطة تخصص أساتذة  الطور الابتدائي باعتبارهم المسؤولين عن ضمان تكوين قاعدي للمتمدرسين، موضحا بأن عددا معتبرا من أساتذة الابتدائي يحملون تخصصات أدبية، و يعانون من ضعف في مادة الرياضيات، و هذا الضعف يصدرونه لا محالة إلى التلاميذ، مشيرا إلى أنه عاش هذه التجربة مع أحد أبنائه، و تفاجأ بأن الأستاذة لا تفرق بين الأكبر و الأصغر، و هي أخطاء يحملها الكثير من التلاميذ و ترسخ في أذهانهم، على أنها صحيحة، لهذا يجد أستاذ آخر بعد سنة أو اثنتين، صعوبة كبيرة في تصحيحها، لأن هذه التمثلات الابتدائية الراسخة، لو لم تستخرج و تعالج في البداية، ستظل مرسخة و يصعب تصحيحها، لتميزها بالصلابة و التنوع و المقاومة.
الأستاذ نذير طيار حمل مسؤولية تشكل عقدة من المادة عند التلاميذ، للمنظومة التعليمية ككل و ليس الأستاذ فحسب، لأن هذا الأخير لا يستطيع أن يكون نفسه بنفسه، مثلا على مستوى المدارس العليا، يلتحق بها حاملو معدلات عليا، لكن السؤال المطروح، هل يدرسون المناهج البيداغوجية؟، و هل يدرسون علم التدريس خلال فترة تكوينهم؟، فمستواهم جيد، لكنهم يواجهون مشاكل في تبسيط المفاهيم و طريقة توصيلها للتلاميذ، لهذا يجب الحرص على ضمان تكوين مستمر.
ضروريات التطوّر العلمي تفرض تغيير المناهج التعليمية
 بخصوص المنهاج و تغيير البرنامج، إذ  أصبحت دروس الطور المتوسط تقدم في الابتدائي، أكد المتحدث بأن ضروريات التطور العلمي تفرض تغيير المناهج التعليمية،  لتقريب علم العلماء من العلم الذي يدرس، فلو يظل العلم الذي يدرس في المدارس ثابت في الوقت الذي يتطور علم العلماء بشكل لافت، فتتشكل فجوة كبيرة، و يرى بأن المشكل لا يكمن في مضمون المنهاج، و إنما في كثافة ما يقدم أو في طريقة تقديمه، و هذا ما يجب مراجعته،  مضيفا أن نماذج تمارين الرياضيات الحالية تشجع على الحفظ لا على الفهم، في الوقت الذي قطعت دولا أشواطا في تطوير هذه المادة.
و وقف الأستاذ طيار على تجربة النمسا من خلال أسئلة امتحان البكالوريا  و التي اعتمدت كلها على الفهم و تقييم التلميذ في سنوات الطور الثانوي، كما قال للنصر، مشيرا إلى أنها أدخلت تطورات على المادة، و أدرجت لغات البرمجة في المتتاليات،مشددا» نحن بحاجة لربط الرياضيات بالتطورات الحاصلة التي تساعد في البحث العلمي و المستقبل المهني».
و بخصوص رأيه في الشريحة التي تقبل على دراسة الرياضيات، قال بأنه و حسب تجربته الشخصية، لاحظ أن الذين يختارون الرياضيات صنفان، الصنف الذي يحبها و يجد سهولة في التعامل معها، أما الصنف الثاني فمتعلق بالجينات.
 و قد صدرت دراسة في 2017 عنوانها « أثر الجينات على التعليم و التحصيل الدراسي»،  قام بها مختصان في علم النفس التربوي و علم الجينات السلوكية، أمضيا 20 سنة في البحث في المهارات الثلاث الكتابة و القراءة و الرياضيات، إذا كانت وراثية  أو مكتسبة.
الباحثان اختارا لإجراء دراستهما توأمين، و اعتمدا على طرق علمية حسابية دقيقة، فوجدا بأن المهارات التعليمية بها جانب كبير من الوراثة، كما أن للمحيط و البيئة  دور كبير في تجاوز المشكلات الناتجة عن الوراثة، فمرافقة الأولياء تجعل التلميذ ينظر إلى المادة على أنها سهلة، مشددا على دور الأسرة، فمتابعة الأولياء للطفل و محاولة اكتشاف صعوباته التعليمية، تساعدان على اكتشاف النقائص و معالجتها مبكرا، خاصة في ظل كثافة البرامج التي تستدعي المتابعة المستمرة، ما يجعل الطفل يعي قيمة النجاح، و يرغبه في الدراسة.
و انتقد في الختام المبالغة في الدروس الخصوصية، التي جعلت التلميذ متلقيا سلبيا،  مقدما تقريرا عالميا حول تقييم النظام التعليمي صدر سنة2017، و مفاده أن دراسة ساعة في الدرس النظامي فقط، أحسن بكثير من إضافة 4 ساعات دعم، و الطفل الذي يدرس ما معدله ساعتين صباحا و ساعتين مساء  في المدرسة، و يقضي بقية يومه بالبيت لمراجعة دروسه بمفرده، أفضل بكثير من الذي يتلقى دروس دعم ليلا، تجعل منه متلقيا و ناقلا للمعلومة، و ليس له الوقت للدراسة بمفرده. 

 

الرجوع إلى الأعلى