أكد أطباء و مختصون في  علاج ومتاعبه الأمراض العقلية عند الطفل، بأن تعنيف الصغار وإهمالهم من شأنه أن يؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات، كما يخلّف في الغالب اضطرابات نفسية و عقلية، بالإضافة إلى أمراض عضوية منها ما يصنف ضمن خانة الخطورة، و حذّروا خلال فعاليات يوم دراسي حول وقاية و حماية وعلاج الطفل نظمته أول أمس، مديرية النشاط الاجتماعي بقسنطينة، من استفحال ظاهرة الاعتداءات الجنسية على هذه الفئة مؤكدين، بأن تعنيف الأطفال بات يطرح كمشكل من مشاكل الصحة العمومية، لما له من انعكاسات اجتماعية واقتصادية و تربوية.
40 بالمائة من الضحايا يصابون بأمراض عقلية دائمة
الملتقى احتضنه دار الثقافة مالك حداد، و جاء حسب مديرة النشاط الاجتماعي بالولاية، سامية قواح، امتدادا لسلسة نشاطات تمت برمجتها في إطار  فعاليات شهر الطفل الموافق لجوان من كل سنة، و يهدف بالأساس إلى تسليط الضوء على الواقع النفسي والعقلي لهذه الفئة من المواطنين و شرح مضامين القوانين التي أقرتها الدولة لحمايتها على غرار قانون 15/12، وذلك بغية تحديد الإشكاليات و اقتراح حلول مناسبة من شأنها أن تضمن الوقاية القبلية و الحماية الآنية والعلاج الناجع، وهو تحديدا ما فتح مجال المشاركة في الفعالية أمام عدد من الفاعلين في عملية حماية وترقية الطفل انطلاقا من الأطباء والمعالجين النفسانيين ووصولا إلى الجهات الأمنية والقضائية التي تلعب دورا مهما في ردع المخالفين و حماية الأطفال قانونيا، إذ كشف أخصائي الطب العقلي عند الأطفال البروفيسور تيرانتي، في مداخلة افتتاحية، بأن 40 بالمائة من الأطفال الذين يتعرضون للإهمال والإهانة والتعنيف يصابون بأمراض عقلية دائمة مستقبلا، كما يتأثرون نفسيا بما يضاعف لديهم الاضطرابات المزاجية والقلق و مشاكل السلوك، علما أن نسبة التعرض لهذه الاضطرابات تقل كثيرا عن 20 بالمائة في حال  عاش الطفل حياة طبيعية، لكنها تتعدى 50 إلى 70 بالمائة إذا ما مورس عليه أي نوع من العنف أو الاعتداء أو تعرض لغير ذلك من الحوادث السلبية وهي نظرية علمية أثبتها حسبه الدراسات، كما بينتها صور دماغية أجريت لأطفال مهملين في مؤسسات الرعاية، و عكست  بوضوح ضعف نمو  نسيج الدماغ عند الطفل المهمل والمعنف، وهو ما يضعه أمام خطر الإصابة بأمراض عضوية وعقلية منها السمنة و السكري و الانهيارات العصبية والتوحد و الانفصام و الأمراض الجنسية المنقولة و حتى كالسرطان، إضافة إلى أن سوء المعاملة يعزز ميولات الطفل الانتحارية و سلوكياته العدوانية، وهي أعراض جد شائعة في أوساط ضحايا الحروب والتفكك الأسري و الظروف الصعبة التي تخلف الصدمة، و تنتج في المستقبل فردا مهزوزا وغير مستقر نفسيا وعقليا، لأن هذه الظروف كما قال، غالبا ما تفقد الطفل الشعور بالأمان والثقة في النفس وفي المحيط، وهو ما يؤثر على علاقته بالمجتمع و بالمنظومة الأخلاقية بصفة عامة كونه يفقد الشعور بنسبة كبيرة، وعليه فإن أهم حلقة في عملية العلاج، تتمثل في استعادة شعور الطفل بالأمان و رأب ثقته في النفس وفي المجتمع.
متلازمتا هز الرضيع و مونخهاوزن أعراض خفية قد تؤدي إلى الوفاة  
من جانبها قالت أخصائية طب الأطفال البروفيسور بودردة، بأن سوء المعاملة له تأثيرات فيزيولوجية مباشرة على الطفل، خصوصا إذا كان في مرحلة  عمرية حساسة، محذره من  خطر متلازمة هز الرضيع، التي تؤدي إلى تمزق أوعية الدماغ وحصول نزيف، وهي مشكلة تسببها عصبية الأمهات أو الآباء وعدم قدرتهم على تحمل صراخ وبكاء الرضيع أو مقاومته للرغبة في النوم، إذ ترتفع احتمالات الإصابة بالمتلازمة إلى 15 حتى  30 ألف طفل، و يترتب عنها في الغالب اضطرابات مزمنة كنوبات الصرع  والانفعالات العصبية الحادة و نقص الإدراك ومشاكل أخرى تنتهي بوفاة 50 بالمائة من الحالات، وأكدت الطبيبة بأنها تعاملت خلال معايناتها في المستشفى مع عدد كبير من الأطفال المعنفين " سواء من قبل الأولياء أو المربيات أو فرد من العائلة" و الذين يظهرون في الغالب اضطرابا نفسيا سلوكيا مرافقا للصدمة يمكن أن يستمر معهم إلى مراحل عمرية لاحقة في حال عدم التكفل بهم سريعا.
كما تطرقت الأخصائية كذلك إلى خطر خفي يهدد صحة وسلامة الأطفال النفسية والعقلية و الجسدية، و يتعلق الأمر بمتلازمة مونخهاوزن، وهو خلل نفسي عند بعض الأمهات يدفعهن إلى اختلاق أمراض عضوية أو وعكات صحية أو اضطرابات و أزمات نفسية عند أبنائهن، و بالتالي تعريضهم بشكل دائم للاختبارات الطبية و التحاليل و الأشعة و الأدوية والتدخلات الجراحية  وكل ذلك بهدف الحصول على التعاطف وجذب الانتباه، إذ تتعدى نسب الوفيات الناجمة عن هذه المتلازمة 20 بالمائة، كما تشكل أيضا نسبة 8 بالمائة فيما يتعلق بأسباب الوفيات المفاجأة عند الرضع علما أن غالبية الأمهات اللاتي يعانين من هذه المتلازمة يكن إما مطلقات أو في وضعيات اجتماعية حرجة أو عاملات في مجال الصحة.
متدخلون آخرون في اللقاء، تحدثوا من جهتهم عن العنف الأسري وعلاقته بالتحصيل الدراسي عند الطفل و بالميل إلى انتحار  و السلوكيات العنيفة و الإجرامية و  تطرقوا كذلك إلى  تأثير إصابة الأولياء بأمراض عقلية و الاضطرابات أو الضغوطات النفسية على سلامة الأبناء، حيث تمت الإشارة إلى أن الفتيات يعتبرن أكثر عرضة للتعنيف الجسدي فيما يكون الذكور ضحايا اعتداءات جنسية كثيرة، كما يشكل الأطفال المعاقون  والمتبنون نسبة كبيرة كذلك من ضحايا العنف بمختلف أشكاله، مع تسجيل ميل إلى الانتحار عند عدد منهم، وقد أكدت ممثلة مدرية الأمن بولاية قسنطينة، بأن هناك تزايدا في حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال، وأن هناك من الأولياء من يرفضون اصطحاب أبنائهم إلى المنزل مجددا بعد الانتهاء من التحقيق خوفا من الأحكام الاجتماعية خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالفتيات، كما أثارت ممثلة مركز الطفولة المسعفة إناث، نفس المشكل مؤكدة، بأن هناك أولياء يرفضون التواصل مع بناتهم خلال وبعد انتهاء فترة تواجدهن في المركز، مطالبة بإعادة النظر في القوانين التي تحمي هذه الشريحة من المجتمع.
وقدمت الدكتورة زاهي، أخصائية الأمراض العقلية عند الأطفال، لمحة على جملة القوانين التي أقرتها الدولة الجزائرية لحماية الطفل من العنف وسوء المعاملة بما في ذلك الاتفاقيات الدولية التي تعد بلادنا طرفا فيها، وقالت بأن الجزائر عززت آليات حماية القصر بين سنوات 2008 و إلى غاية 2019،  بفرض قوانين  تمنع التعنيف الجسدي والمعنوي للطفل، و تشدد العقوبات على المخالفين، مع ذلك فإن الظاهرة لا تزال مستمرة حسبها، إذ أحصى الديوان الوطني لحماية الطفولة وحده خلال الخمسة أشهر الأولى فقط من سنة 2019، 135 ألف شكوى وهو عدد لا يعكس الواقع الحقيقي كما قالت، خصوصا وأن غالبية المعتدين خصوصا جنسيا، يختارون ضحاياهم من المهمشين و المستضعفين ويهددونهم بتكرار الفعل أو إيذائهم في حال الشكوى، كما أن هناك توجها عاما للتكتم على هذا النوع من الجرائم إلى جانب العنف الأسري، خوفا من النظرة الاجتماعية، وأكدت الطبيبة من جهة أخرى،  بأن أول العلاج في حالات العنف أو الاعتداء يجب أن يبدأ بالاعتراف المعنوي للضحية ومن ثم متابعة حالتها عياديا.
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى