تشهد الجزائر ارتفاعا متواصلا لحالات الطلاق التي يتعدى معدلها 70 ألف حالة سنويا، يشكل الخلع النسبة الأعلى منها، مما جعل ناشطون في المجتمع المدني يبحثون عن حلول لتجاوز الظاهرة التي أصبحت تنخر أسس المجتمع، يقدمونها ضمن أطر قانونية و برامج تشمل عدة تخصصات.
نظمت مؤخرا الجمعية الوطنية للعلوم و التنمية المستدامة، بالتنسيق مع مخبر البحث في علم النفس و علوم التربية بجامعة وهران2، يوما دراسيا بمسجد ابن باديس بوهران، لشرح و التعريف بمبادرة تأسيس مركز تأهيل و تكوين الشباب المقبلين على الزواج، والتركيز على «الاختيار الزواجي»، أي معايير اختيار الطرف الآخر المناسب لإتمام نصف الدين، دون إغفال الأزواج الذين  هم على وشك الطلاق و حتى الذين هم في مرحلة ما بعد الطلاق.
وأوضح رئيس الجمعية الوطنية للعلوم والتنمية المستدامة لخضر هدار ، أن الأيام الدراسية ستتواصل عبر عدة مناطق بالوطن، ليتم الانطلاق الفعلي في معالجة مشاكل الشباب و تأهيلهم للزواج.
أربع جلسات طلاق يوميا في المحاكم
في هذا الإطار، أكد الأستاذ المحامي رابح برياج، في مداخلته خلال اليوم الدراسي بوهران، الموسومة «المرأة الصالحة في الشريعة وقانون الأسرة»، أنه حسب ما يعايشه في الميدان، فإن 90 بالمئة من أسباب إقدام الزوجات على خلع أزواجهن هي حصولهن على المسكن و نفقة الأولاد، خاصة و أنه بعد تعديل قانون الأسرة، أصبحت المطلقة تظفر بهما حتى و لو كانت حاضنة لطفل واحد، عكس قانون الأسرة القديم الذي لا يمنحها حق السكن، إلا إذا أنجبت ثلاثة أطفال و أسندت إليها حضانتهم، مبرزا أنه يوميا تبرمج تقريبا أربع  جلسات للطلاق عبر المحاكم.
و أضاف المحامي أن هناك مساع لمجموعة من المختصين في القانون و محامين، للنظر ودراسة أسباب ارتفاع حالات الطلاق، خاصة عن طريق الخلع، لأن هناك شروط لهذا النوع من الطلاق و يمكن ضبطها ومراجعتها، حتى لا يتم الخلع بسبب أتفه الأسباب، مشيرا إلى أن إحصائيات 2018 ، تشير لوجود 78 ألف حالة طلاق خلع عبر الوطن، وهذا ما نجم عنه تفكك في المجتمع و ارتفاع الظواهر الاجتماعية السلبية التي غالبا ما يكون ضحيتها الأطفال، وعليه مثلما أردف المتدخل، فإن اختيار الزوجة الصالحة أساس استمرار العلاقة الزوجية، و اعتبر صلاح الزوجة في حيائها، وفق ما ورد في القرآن والسنة و في المعاشرة الزوجية بالتفاهم والمودة والرحمة.
المودة والرّحمة  تحصن الزوجة نفسيا
قالت الدكتورة أمينة ياسين، مديرة مخبر البحث في علم  النفس وعلوم التربية بجامعة وهران2، للنصر، أن دراسة قامت بها رفقة الأستاذ أحمد بداوة ، شملت عينة من النساء المتزوجات عددهن 188 سيدة ، بينت نتائجها أن 82 بالمئة منهن يعتبرن أن تعامل الزوج مع الزوجة بالمودة والرحمة، يرفع معنوياتهن و يشعرهن بالسعادة و الاطمئنان و الحصانة النفسية و يزيد من تقديرهن لذواتهن، وكلما قلت المودة والرحمة، ينتابهن شعور أنهن مهمشات و لا أحد يهتم بهن، وهذا أسفر عن نتيجة أخرى فكلما استمرت العلاقة الزوجية و طال أمدها، ظهرت أمور جديدة في الحياة، تجعل العلاقة تتوتر و ينجم عنها  استقرار، خاصة إذا تجاوزت العلاقة الزوجية 15 سنة، و بالنسبة لحديثي الزواج، لا تظهر عندهم هذه الاضطرابات، لأن منسوب المودة والرحمة يكون موجودا.
و أردفت الأخصائية في حديثها مع النصر، أنه غالبا ما يحضر الشباب أنفسهم للزواج، بالتركيز على الأمور المادية من مهر وجهاز العروس و مستلزمات حفل الزفاف و قاعة الحفلات و الموكب وغيرها، ويغفلون الجانب الأساسي في هذه العلاقة، وهو «كيف سيعيشان معا» بعد الزواج، سواء من ناحية التعرف على الاهتمامات المشتركة و نظرتهم إلى مستقبلهم، وكيفية تسيير حياتهم المشتركة.
كما قالت المتحدثة،  أمور أساسية تم رصدها عند الكثيرين عند الطلاق، مضيفة أن السبب في إغفال هذه الجوانب، قد يعود إلى تأجيل العريسين للموضوع لما بعد الزواج، أو قد يجدان إحراجا في التطرق لها قبل الزفاف، أو قد يعتبران مسألة «المعاشرة بعد الزواج» ليست مهمة، ويمكن تجاوز عقباتها وأن المهم هو الارتباط، وعليه تظهر المشاكل و الاضطرابات في العلاقة الزوجية و معظمها تؤدي للطلاق.
أكدت الدكتورة أمينة أن المخبر الذي تشرف عليه يدرس حاليا كيفية تغيير اهتمام الشباب المقبل على الزواج من التفكير في الماديات إلى الأمور الأساسية، و هي الاستعداد النفسي والمعنوي وكيفية العيش معا، في فضاء أسري أو عائلي مشترك، و كيف يمكنهما تجاوز مصاعب الحياة اليومية، و لعل أبرزها، وفق المتحدثة، هي مسألة الاتفاق على كيفية تربية الأبناء.
كما أن التحضير النفسي للزواج هو من بين المواضيع التي يعكف على دراستها المختصون في المخبر، لأن ظاهرة الطلاق تعرف ارتفاعا مقلقا وسط المجتمع، و قد أخذ أساتذة المخبر على عاتقهم دراسة طرق «الاختيار الزواجي» ، و كيف يستعد الشباب للزواج وحتى مرحلة ما بعد الزواج.
الزواج  مشروع حياة  و ليس حفلا كبيرا و ماديات
من جانب آخر، بادرت مجموعة من الناشطين الجمعويين بمنطقة حمام بوحجر في ولاية عين تموشنت، بتأسيس جمعية تسعى لذات الهدف، أي مساعدة الشباب المقبلين على الزواج ماديا ومعنويا، بتمكينهم من جلسات سماع و تأهيل من طرف مختصين في علم النفس و أطباء و مختصين في القانون، ولا يقتصر الأمر على هؤلاء فقط، بل يشمل أيضا الأزواج الذين يتخبطون في مشاكل و بلغوا مرحلة الطلاق.
أطلق على الجمعية اسم «المودة» لترسيخ هذه المشاعر في نفوس الشباب المقبلين على رابطة المودة، وهي الزواج ، وبالتالي تكون أول خطوة نحو الحياة المستقرة بين الطرفين.
أبرزت رئيسة الجمعية السيدة حورية فيرود ، أن فكرة تأسيسها جاءت بعد ملاحظة الارتفاع الكبير في حالات الطلاق حتى في المدن الصغيرة و القرى، مما أدى إلى دق ناقوس الخطر والسعي للمساعدة على إيجاد حلول للظاهرة، خاصة و أنها في ما سبق كانت تساعد الشباب على الزواج، كونها مصممة أزياء ، فكانت رفقة المتربصات عندها، توفر عدة مستلزمات للعرسان من ذوي الدخل الضعيف، مشيرة إلى أن الجمعية أودعت طلب الاعتماد ليكون نشاطها قانونيا.
وقالت السيدة فيرود في اتصال بالنصر، أنها هي ومجموعة من الناشطين، يسعون منذ فترة طويلة، إلى تقريب الشباب من الجنسين، الراغبين في الزواج وربط العلاقة بينهم إلى غاية اتخاذهم قرار الزواج.  بعد ذلك يواصل الفريق مساعدتهم، سواء ماديا بتوفير متطلبات الزفاف، إذا لم يكن في مقدورهم ذلك، أو معنويا بإقناعهم بقيمة أواصر «المودة» ، أبرز أسس الرابطة الزوجية، حيث يشرف مختصون على جلسات التأهيل النفسي لهؤلاء الشباب وإخضاعهم لبرمجة لغوية عصبية تعنى، وفق المتحدثة، بشرح لهم وتعريفهم بأن الزواج مشروع حياة، و ليس فقط حفل زفاف كبير ومظاهر، و توضيح لهم معنى العائلة و وظائفها البيولوجية و الاجتماعية والنفسية، وأن العلاقة الزوجية الناجحة تبنى بالاتفاق و الرضا.

وأبرزت المختصة في البرمجة اللغوية العصبية، أن  الزواج الآن أصبح تقريبا فرحة حفل وماديات، وليس مشروع حياة، وعليه فحتى قبل تأسيس الجمعية، كان الفريق يشرف على دورات تكوينية حول قيمة «الميثاق الغليظ» و توجيه نصائح للشباب المقبلين على الزواج، مشيرة إلى أن الجمعية تضم  لجنة للوساطة و لجنة التأهيل و لجنة إجتماعية ، يشرف عليها مختصون في مختلف المجالات، يطبقون مخططا مدروسا يشمل حتى التكفل بالنساء المطلقات اللائي تخصص لهن جلسات مع مختصين في علم النفس.
 و يسعى أعضاء الجمعية كذلك للبحث عن عرسان للشابات الراغبات في الزواج، فهناك عائلات تبحث عن مواصفات معينة لعروس ابنها، و عندما تتطابق المواصفات، يتم مد جسور المودة بين الطرفين، وهناك حالات من دار المسنين، ساهمت الجمعية في تزويجها، مثلما أفادت المتحدثة.                                    بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى