طرح عارضون و منظمون و مصمّمون، شاركوا في عرض للأزياء التقليدية نظم نهاية الأسبوع بقسنطينة، إشكالية النظرة الاجتماعية الضيّقة التي تقيّد هذا المجال في بلادنا، و كيف أن السواد الأعظم من الجزائريين لا يزالوا حبيسي فكرة سلبية تربط عرض الأزياء و العمل في مجال الموضة عموما، بالتخلي عن الاحتشام و الإخلال بالمعايير الأخلاقية التي سنّها مجتمعنا المحافظ، و حتى و إن ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في كسر الصورة النمطية السائدة
وفتحت الباب أمام الكثيرين، إلا أنه  طموح محدود بالنسبة لأغلب الشباب، خصوصا المقيمين خارج العاصمة و المدن الكبرى، و بالأخص الشبان الذين يُنتقدون لتمسّكهم بالأناقة، فيما تطارد الأحكام المسبقة الفتيات العارضات. المتحدثون، تطرقوا كذلك إلى مشكل تراجع قطاع النسيج في بلادنا، و انعدام علامات أزياء جزائرية قوية و منافسة، وما لذلك من تأثير مباشر على ضعف المساهمة محليا و مغاربيا في مجال الموضة و الأزياء، بالرغم من كون الجزائريين من أهم مستهلكي الملابس المستوردة في المنطقة، داعين إلى تشجيع الاستثمار في هذا المجال لدفع عجلة التنمية التي ستجر معها، كما عبّروا، أنشطة أخرى، كالإشهار و الدعاية و صناعة مستحضرات التجميل
والإكسسوارات وغيرها من آفاق التشغيل ذات الصلة.
هدى طابي

عارض الأزياء الدولي والمدرب محمد الأمين بختي
الأناقة الرجالية شبهة في بلادنا
من جانبه، يرى عارض الأزياء الدولي و المدرب محمد الأمين بختي، بأننا لا نزال في مرحلة التأسيس لثقافة عروض الأزياء في بلادنا، خصوصا و أن الذهنيات المحافظة لا تزال تسيطر على تفكير غالبية الجزائريين، و يصعب جدا في بعض المناطق، تقبل فكرة عرض الأزياء، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالرجال، فنحن، كما قال،» نربط هذا النوع من الأمور بالعقيدة عادة، و نعتبر أن استغلال الجسد للعرض أمر مناف لها، وهو ما يصنف هذا العمل أو النشاط في إطار الشبهة».  مع ذلك ذكر المتحدث، بأن هناك اهتماما متزايدا و مشجعا من قبل الشباب بالعروض، فالأناقة أصبحت جزءا من نمط حياة الكثيرين، علما أن الأمر لا يقتصر فقط على الفتيات، بل هناك استقطاب متزايد للرجال كذلك، خصوصا في ظل التأثير المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر وسيلة أساسية لبعث الرسائل و الترويج للموضة، فهذه المواقع ساهمت في برمجة أذهان الشباب على الموضة و الأزياء، بعد أن بينت بأنه مجال تشغيل واعد، و حتى وإن كان الشاب أو الشابة من أبناء المناطق المعزولة أو المدن الداخلية الصغيرة، فإن نوافذ انستغرام و فايسبوك وحدها ستكون قادرة على إدخال رياح الموضة إلى غاية غرفهم و حمل صورهم إلى حدود العالم.
محمد الأمين قال، بأن وكالات الإعلانات تقوم بعمل كبير لإدماج الشباب في عالم الأزياء، و إتاحة الفرص أمامهم للاستثمار في الموضة التي  تعتبر من القطاعات الاقتصادية الناشطة عالميا، مع ذلك تبقى النتائج محتشمة، بالنظر إلى محدودية الانخراط في الميدان، بسبب الخوف من النظرة الاجتماعية و الأحكام المرتبطة بالدين والعقيدة، فنحن، كما أوضح، مجتمع ينظر بعين التساؤل و التوجس، لكل رجل يهتم فعلا بأناقته و بمظهره اليومي، و نرى في ذلك انتقاصا لرجولة الجزائري، حتى وإن كانت  الأناقة صفة نحبها في  الرجال الغربيين.

تنظيم العروض في بلادنا تحدٍ مادي واجتماعي
تعتبر مصمّمة الأزياء ليلينا  كرياسيون، بأن عروض الأزياء بدأت تتطوّر نوعا ما وتسير نحو الاحترافية، خصوصا ما يتعلق بتصميم الأزياء التقليدية، غير أن انحصارها في هذا الجانب وحده، و محدودية برمجتها و شح مواعيدها، لا يمكن أن يعد بالكثير حاليا، خصوصا إذا أردنا تطوير المجال و المشاركة في صناعة الموضة محليا على الأقل.
من جانبه أوضح مهدي غزلاوي، صاحب وكالة «أم أند أم إيفنتس»، المنظمة لتظاهرة «سيرتا فاشن داي» بقسنطينة، بأن تنظيم عروض الأزياء، تحدي حقيقي من الجانبين المادي والاجتماعي، نظرا لضعف الاهتمام بهذا المجال، فمن الصعب جدا، كما قال، إقناع الكثير من المستثمرين بتمويل هذا النوع من الأنشطة، على اعتبار أن الموضة و الأناقة لا تعد من أولويات الجزائريين عموما و في منطقة الشرق على وجه الخصوص.
 مهدي ، أضاف بأن « السبونسور»، أهم عقبة أمام التقدم في الميدان، لأن كثيرا من رجال الأعمال يحتكمون للنظرة الاجتماعية الضيقة لعروض الأزياء و بالأخص الرجالية، وهو ما يقلل إقبالهم على المساهمة في دعم مثل هذه التظاهرات.
من جهتها، أكدت نوال لاج ، سيدة أعمال و شريك اقتصادي مهم في تمويل ذات التظاهرة، بأن ثقافة الاستثمار في القطاعات الثقافية و الفنية يجب أن تتضاعف أكثر عند المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، وذلك إذا أردنا فعلا التأسيس لاقتصاد ثقافي، من شأنه أن يعود بالإيجاب على مختلف القطاعات المنتجة والناشطة.
 وقالت المتحدثة، بأنها كمستثمرة شابة تدرك أهمية التعاون و حاجة الشباب الناشطين في ميادين الثقافة والفن للدعم المادي والتشجيع المعنوي كذلك، فالدولة، كما أشارت، إلى جانب التخطيط  و ضبط الاستراتيجيات، لكن مهمة التمويل يجب أن تكون من مسؤوليات الخواص، لأن الاقتصاد الحقيقي يبنى بسواعدهم، كما قالت، مضيفة أن التمويل هو جزء من عملية تداول الأموال بطريقة تعمم الفائدة على كل القطاعات وتضاعف الربح.

عارض الأزياء بلال العطافي
مواقع التواصل كسرت الصورة النمطية
حسب بلال  العطافي عارض أزياء محترف، فإن  مواقع التواصل كسرت نوعا ما الصورة النمطية الشائعة عن عرض الأزياء عموما، و بالأخص العروض التي يقدمها الرجال و هو أمر يعتبر بمثابة طابو اجتماعي، لأن في ذلك مساسا بالرجولة و انتقاصا لقيمته كذكر وهو تحديدا ما يعيق تقدم الكثيرين مهنيا، سواء ماديا بسبب ضعف الاستثمار في المجال و معنويا كذلك، خصوصا من  حيث المساهمة أكثر كشخصية عامة و المشاركة بشكل أكبر في النشاطات الميدانية التي تخص  جوانب التحسيس و الدعاية،  كما يعرف عن العارضين عبر العالم.
 مع ذلك يؤكد العارض، بأن هناك ميلا إلى الانخراط أكثر في هذا المجال في أوساط الشباب، بعدما ساهمت مواقع مثل انستغرام و فايسبوك و منصات من فايسبوك و تيك توك، في تغيير الذهنيات و تكريس فكرة اللايف ستايل و الموضة، كما أن تقديم العروض يعتبر وجها من أوجه الترويج للتراث المادي و اللامادي، فقد نحكي فوق ممر العرض الخاص بالأزياء التقليدية مثلا، عن قصة ثقافة معينة و نرسم معالمها بواسطة التصاميم و القطع التي يرتديها العارضون.
 محدثنا قال، بـأن هناك الكثير من العراقيل التي تعيق تقدم مجال العروض في بلادنا، بما في ذلك  تقزيم كل ما هو جزائري ، فإن لم يحظ العارض بفرصة العمل في الخارج، سيكون من الصعب جدا الاعتراف به في الداخل، خصوصا بالنسبة للرجال، لذلك فإن غالبية الشباب الذين يدخلون هذا الميدان يبحثون، إما عن فرصة للانتقال للتمثيل أو يمارسون العرض من باب الهواية.

عارضة الأزياء رودميلا
أحكام مسبقة تلاحق العارضات
أما عارضة الأزياء الشابة رودميلا طابو، فقالت بأنها لم تواجه صعوبة في دخول هذا المجال، بفضل تقبل محيطها الأسري للأمر، لكنها مع ذلك اصطدمت بالكثير من المواقف و الأحكام المسبقة التي تطلق عموما على كل من تجرؤ على ولوج عالم الموضة والجمال والأزياء، لأنها في نظر الآخرين متمردة على العادات والتقاليد و الدين، و معارضة للتوجه المحافظ للمجتمع.
رودميلا قالت، بأن فكرة العروض جديدة قديمة،  فقد سبق للجزائري أن عرف هذا النشاط من خلال بعض الحصص الترفيهية التي كانت تعرض في التلفزيون خلال التسعينيات، لكنها مع ذلك محصورة في صورة الألبسة التقليدية، بمعنى أننا لا نزال ننظر إلى العروض بطريقة بسيطة، وليس بفكر احترافي، بدليل أن العارض في الجزائر لا يصنف أبدا كشخصية عامة لها جمهورها و تأثيرها، عكس ما هو شائع في العالم ككل.
كما أن الكثير من الشباب الذين ينخرطون في التجربة، يعتبرون العروض طريقا للوصول إلى مجال التمثيل، و ليس ميدانا للاحتراف و التخصص، لأننا ببساطة لا نملك علامات أزياء مهمة و شهيرة و لا نتوفر على صناعة نسيج حقيقية و قوية، قد تدعم هذا التوجه الذي يشمل جوانب أخرى، كالإعلانات و الوكالات و الدعاية و صناعة الجمال و المستحضرات وغيرها.

 

الرجوع إلى الأعلى