تعتبر النتائج التي حققها مؤخرا رياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال الدورة 16 للألعاب البرالمبية، بمثابة إنجاز تاريخي للرياضة الجزائرية على الصعيد العالمي والقاري، فقد نجحوا في حصد العديد من الميداليات والجوائز واحتلوا مراتب متقدمة في المنافسة العالمية التي عرفت مشاركة واسعة لمتنافسين من شتى بقاع الأرض.
بعد تهميش و إقصاء لهذه الرياضة في الجزائر، لعقود من الزمن، نجح أصحاب الهمم في تغيير الصورة النمطية عن المعاق، و سرعان ما كان رد الدولة الجزائرية واضحا وصريحا بعد حادثة الاستقبال المخزية التي ترتب عنها قرار فوري من رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمان، بإقالة مسؤولين في وزارة الشباب والرياضة و تنظيم استقبال يليق بمن شرفوا الجزائر بعد حالة الغضب و الاستنكار الرسمية و الشعبية.
وهيبـــة عزيــــون
النصر اتصلت ببعض المتوجين فتحدثوا عن مشوارهم الرياضي و مشاركتهم في ألعاب طوكيو، و كيف ساهمت الرياضة في تغيير نمط حياتهم، ليصبحوا قدوة لعشرات الشباب و الشابات ممن حرمتهم الإعاقة الجسدية، من تفجير طاقاتهم الكامنة، و بعثوا برسالة أمل و تحد لكل من يعاني من عجز، مهما كان نوعه أو نسبته، بأنهم قادرون على صنع الفارق إذا توفرت لديهم الرغبة و الإرادة، فالمستحيل بالنسبة إليهم مجرد كلمة، توجد في العقول و لا أساس لها في قاموس الحياة.
12 ميدالية والمرتبة الأولى عربيا وإفريقيا
بعد تعثر البعثة الجزائرية في  الألعاب الأولمبية في طوكيو التي أقيمت بين شهري جويلية و أوت الماضي، و خيبة أمل الجزائريين الكبيرة ، توجهت، لأول مرة، الأنظار صوب الوفد الجزائري لذوي الاحتياجات الخاصة في الدورة 16 للألعاب البرالمبية في طوكيو دائما، بعد أيام قليلة من اختتام الألعاب الأولمبية، و افتتح الوفد الجزائري المشاركة بميدالية ذهبية،  تلتها ميداليات أخرى و اعتلاء المنصة و رفع الراية الوطنية، و اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي طيلة عمر المنافسة، و تحولت هذه الفئة من  الرياضيين التي كانت في السابق مهمشة، إلى مفخرة لكل جزائري بإنجازاتهم المبهرة. كانت حصيلة مشاركة الجزائر في الألعاب البرالمبية، 12 ميدالية، منها أربع ميداليات ذهبية و أربع فضية و أربع برونزية، فتصدرت الجزائر المرتبة الأولى عربيا و إفريقيا من حيث عدد الميداليات، و الثانية بعد تونس من حيث التصنيف، و المرتبة 28 عالميا.  لقد نجح أصحاب الهمم في تغيير نظرة الجزائريين لهذه الرياضة و ممارسيها، بعدما كانت منسية لسنوات طويلة لا تحظى بالاهتمام و المتابعة، و كانت مشاركة الرياضيين الجزائريين من ذوي الاحتياجات الخاصة رمزية، بمنظور المسيرين و حتى المواطنين، و لطالما وضعت هذه الشريحة في المرتبة الثانية، بعد الأصحاء الذين عجزوا هذه المرة عن افتكاك و لو ميدالية واحدة، رغم توفير الدولة لهم الميزانية اللازمة و الظروف المواتية خلال التحضيرات و التدريبات. النصر تحدثت إلى عينة من الرياضيين المتوجين من ذوي الهمم، و نقلت إليكم تجاربهم.

* صاحب الميدالية الذهبية إسكندر جميل عثماني
نجحنا في رد الاعتبار لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة
 عبر إسكندر جميل عثماني، صاحب الميدالية الذهبية في سباق 400 متر في الألعاب البرالمبية المقامة مؤخرا في طوكيو، عن سعادته و فخره بما حققه هو و رفاقه من إنجازات تاريخية أبهروا بها العالم ، مؤكدا أنهم نجحوا في رد الاعتبار لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة و غيروا نظرة المجتمع لفئة المعاقين.
 في حديثه للنصر، قال إسكندر جميل إنه بعد العودة من منافسة طوكيو، لاحظ تغيرا جذريا في نظرة المجتمع لهذه الشريحة، فلم يعد الاهتمام منصبا على طبيعة الإعاقة التي يعاني منها كل رياضي في البعثة، بقدر ما كان التركيز على ما تم تحقيقه و إنجازه، و هذا في رأيه أهم من التتويج في حد ذاته، بعد سنوات من الاحتقار و التهميش لهذا الصنف من الرياضة و ممارسيها.
أضاف بطل العالم في سباقات السرعة، أن التتويجات المحققة فتحت نافذة من الأمل لكل معاق، يقبع في إحدى زوايا منزله، يكبله الشعور بالنقص و عدم القدرة على اتخاذ قرار شجاع يغير حياته، بينما الرياضة، كما أكد، يمكن أن تصنع منه إنسانا مختلفا و تفتح أمامه الكثير من الآفاق و الفرص.
 و اليوم تحول أبطال الألعاب البرالمبية إلى نماذج يقتدي بها الكثير من المعاقين، و حتى الأصحاء، لكسر قيودهم، حسب المتحدث، مشيرا إلى أنه يتلقى منذ عاد من المنافسة، عديد الاتصالات الهاتفية من أشخاص يطلبون منه النصح و الإرشاد، ليتمكنوا من تحقيق النجاح و التميز في حياتهم، و لم يبخل عليهم بتوجيهاته.
واعتبر إسكندر أن القرارات التي تم اتخاذها، بعد الاستقبال الأول للوفد الرياضي، عبارة عن رد اعتبار لهذه الشريحة من قبل رئيس الجمهورية، و دليل قاطع عن التغير الجذري لسياسة الدولة و نظرتها لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة.
 كما أبرزت ردود الأفعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، افتخار كل الشعب الجزائري بما حققه هؤلاء الرياضيين الذين لم يعد ينظر إليهم كأشخاص يعانون من إعاقة، بل كأبطال رفعوا راية الجزائر عاليا وأدخلوا الفرحة على بيوت الجزائريين.
و أوضح المتحدث أن ما تم تحقيقه لم يكن بالأمر الهين أو بمحض الصدفة، بل هو عمل دؤوب و متواصل و تحد للكثير من العقبات و الصعاب، فعن شخصه قال إن تتويجه بالذهب تطلب تدريبات متواصلة طيلة تسع سنوات كاملة، منذ انضمامه إلى فئة ذوي الهمم العالية، بعدما كان في صنف الأصحاء، فاضطر إلى مغادرة بيته العائلي بقسنطينة، و التوجه نحو الجزائر العاصمة للإقامة بها رفقة مجموعة من الرياضيين، نظرا لعدم توفر مراكز التدريب المناسبة بمدينته.
 الأمر لم يكن سهلا، كما أكد، لكنه فضل المجازفة و التمسك بالهواية التي أحبها، مضيفا أن الرياضة صقلت و غيرت شخصيته، و بفضلها خرج من قوقعته الضيقة إلى عالم واسع من خلال السفر و الاحتكاك بأناس و شعوب مختلفة و زيارة عدة بلدان عبر العالم، كما علمته الصبر و التشبث بحلمه إلى غاية تحقيقه، لأن المستحيل كلمة غير موجودة في قاموس الواقع، بل تسكن العقول، على حد تعبيره.

* عبد الكريم كرعي صاحب الميدالية الفضية في المسافات المتوسطة
ما حققناه في طوكيو قلب موازين رياضة المعاقين في الجزائر
تحدث صاحب الميدالية الفضية في سباقات المسافات القصيرة في منافسات طوكيو الأخيرة للألعاب البرالمبية، عن الأجواء التي عاشتها البعثة الجزائرية بعدما توالت الانجازات و الميداليات، فقد نجحت سيرين عبد اللاوي في كسر حاجز الخوف عند كل المشاركين،  بعد تحصلها على الميدالية الذهبية ، التي كانت بمثابة جرعة أمل جماعية.
 و توالت بعدها التتويجات و في كل مرة يرفع العلم الجزائري مصحوبا بالنشيد الوطني في طوكيو التي شهدت قبل ذلك، تعثر البعثة الجزائرية في الألعاب الأولمبية.
في حديثه للنصر، قال عبد الكريم إنه، لأول مرة، يتابع الجزائريون باهتمام هذا النوع من المنافسات، بعدما كانت قبلها الألعاب الأولمبية تستحوذ على اهتمام السواد الأعظم من المواطنين، في حين كانت إنجازات ذوي الاحتياجات الخاصة تمر مرور الكرام  و تنحصر الفرحة بين الرياضيين و محيطهم الضيق  فقط .
في حين تغيرت الأمور خلال الألعاب البرالمبية، وحظيت بمتابعة واسعة و فرحة شعبية عارمة، خاصة عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
هذه الأصداء التي كانت تصلهم إلى طوكيو كانت دافعا لكل الرياضيين لتقديم الأفضل، فكان الوفد الرياضي بمثابة نافذة أمل لكل الجزائريين المتعطشين للفرح، و نجح الرياضيون، لأول مرة، في تغيير نظرة المجتمع لهذه الفئة و هذا الرياضة.
و عن تواجده في المنافسة التي عاد منها بميدالية فضية، بعد الإصابة التي حرمته الذهبية، قال إنه تجاوز حاجز الإصابة و وضع صوب عينيه اقتناص إحدى المرتبات الثلاث، فما كان عليه إلا التركيز على الجانب الحسابي و النفسي، بعيدا عن الإصابة. و بالإرادة و العزيمة نجح في نيل الفضية بجدارة، كما قال عبد الكريم للنصر
و أضاف المتحدث أن الهدف الأول من ممارسته الرياضة كان تصحيح الجانب الأيسر من جسمه، كونه يعاني من إعاقة في التنسيق الحركي، و بمرور الوقت بدأ يكتشف موهبته في هذا المجال، و بدأ يشارك في المنافسات الرياضية و استحوذت الرياضة على كل حياته، و غيرت الكثير من شخصيته، كما أكد للنصر.  عبد الكريم أعرب عن أسفه لما آلت إليه الرياضة الفردية في الجزائر، سواء بالنسبة للأصحاء، أو لذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه لمس تغييرا كبيرا بعد العودة من طوكيو، وهو مؤشر إيجابي، سيساعد في تطوير هذه الرياضات و دعمها، فهي تعاني من الكثير من النقائص و السلبيات، حسبه.

* صاحبة الميدالية البرونزية في رمي الصولجان مونية قاسمي
الرياضة باب التغيير الحقيقي لذوي الاحتياجات الخاصة
بالرغم من أنها تواجه صعوبة كبيرة في الكلام، بسبب الشلل الدماغي الذي تعاني منه منذ ولادتها، عادت بنا البطلة مونية قاسمي 14 عاما إلى الوراء، عندما قررت ممارسة رياضة رمي الصولجان، بعد سنوات من البقاء داخل بيتها الذي لا تغادره إلا نادرا بسبب إعاقتها.
وأضافت أنها كانت تشاهد في التلفزيون المنافسات الرياضية لذوي الهمم، و لفتت انتباهها الرياضية آسيا عواد و أعجبت بها، و جعلتها تفكر في ممارسة الرياضية و اتصلت بها على أمل الحصول على الدعم و التوجيه منها، فلم تبخل عليها بذلك.
 اختارت مونية رياضة رمي الصولجان بتوجيه من طبيبها المعالج و منذ ذلك الوقت تغيرت حياتها كما أكدت للنصر، فمن حياة متوقفة دون هدف، أصبحت مونية تقضي معظم وقتها في النادي الرياضي بباتنة، و تخضع للتدريبات من يوم الأحد إلى غاية الخميس، كل أسبوع.
صاحبة الميدالية البرونزية في رمي الصولجان في الألعاب البرالمبية الأخيرة في طوكيو، رغم الإعاقة التي تعاني منها، تمسكت بالرغبة في تغيير حياتها و أصرت على تجسيدها في الواقع، فتمكنت من تجاوز الكثير من العراقيل و الصعوبات التي أصبحت تراها عادية، بعدما كانت بالنسبة إليها مشاكل كبيرة، تحرمها حتى من الخروج من البيت.
 قالت المتحدثة إن طموحها و إصرارها على النجاح منحاها قوة خيالية لتخطي الإعاقة و الخروج يوميا من البيت باتجاه قاعة التدريب، و خلال مشوارها الرياضي كانت مونية قاسمي حاضرة في مختلف المنافسات الدولية و حصدت الكثير من الجوائز في فرنسا و قطر و البرازيل، كما حصدت الميدالية الذهبية في رمي الصولجان سنة 2017.
هذه الانجازات، كما قالت مونية، يعود الفضل الكبير في تحقيقها إلى عائلتها، من خلال دعمها و تشجيعها و مرافقتها، و تحث الرياضية كل من يعانون من إعاقة مهما كان نوعها، بالبحث عن بديل لتغيير حياتهم، و ترى أن الرياضة أفضل مجال لتحقيق الذات و تفجير الطاقات المختبئة وراء الإعاقة، و أهم دليل ما أنجزه أصحاب الهمم في طوكيو، فقلبوا موازين التعامل مع هذه الشريحة في المجتمع و هذه الرياضة التي ظلت لسنوات في الظل، فكان ما يحققه الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة، يمر مرور الكرام.

الرجوع إلى الأعلى