تعرف الأسواق هذه الأيام، تراجعا في عرض منتوجي زيت الزيتون و عسل النحل الطبيعي، الأمر الذي انعكس على الأسعار و أضر بمستوى الجودة، مقارنة بالمواسم الماضية، و يرجع السبب في ذلك، إلى تأثير الجفاف و التغيرات المناخية، ناهيك عن تبعات الكارثة البيئية التي خلفتها حرائق الغابات الأخيرة.
200 إلى 400 دج زيادة في أسعار زيت الزيتون
 لطالما ارتبطت نهاية شهر سبتمبر وبداية أكتوبر من كل سنة، بانطلاق موسم جني العسل و الزيتون، و بدء تسويقهما سواء عن طريق الباعة والتجار، أو بشكل مستقل و فردي من قبل أصحاب المناحل و ملاك الأشجار و بعض الورثة، فهناك دائما في محيط كل واحد منا، شخص يبيع  العسل أو الزيت، أو يعرف شخصا يمكنه توفيرهما.
و المشكل هذه السنة، هو أن نشاط نسبة كبيرة من المنتجين و العاصرين و الباعة، تراجع أو توقف بسبب الحرائق التي أتت على آلاف الهكتارات من الغابات و دمرت كثيرا من حقول الزيتون، ما عاد بالسلب على نوعية و حجم الإنتاج، فخلال جولة بين عدد من الأسواق و نقاط البيع المعتادة بقسنطينة مثلا، لاحظنا نقصا في العرض.
 و علمنا من التجار والباعة، بأن  زيت الزيتون غير متوفر و ما هو موجود منه قليل جدا، خصوصا زيت منطقة القبائل الكبرى و جيجل، حيث أخبرنا عمي الصادق وهو بائع متجول، بأن المنتج المتوفر حاليا، زيت قديم يعود إلى محصول السنة الماضية، أو منتوج حقول مناطق الغرب الجزائري، لأن محصول المنطقتين سالفتي الذكر، قليل جدا و لن يغطي الطلب في  مدن الشمال و الشرق، كما هو معتاد.
خلال استطلاعنا، لمسنا زيادة معتبرة في الأسعار قدرها 200 إلى 400 دج، فلتر الزيت كان يكلف 750إلى 800دج في العام الماضي، لكنه وصل هذه الأيام إلى 1000حتى 1200دج، وحسب التجار والباعة، فإن الأنواع الجيدة، قد تكلف حتى 1400دج للتر الواحد، إذا توفرت هذه السنة.  محدثونا قالوا، بأن بداية الموسم لا تبشر بالخير الوفير، و تراجع الإنتاج كان متوقعا، بسبب الجفاف الذي خيم بظلاله الثقيلة في السنتين الأخيرتين، لكن الحرائق التي شهدتها جبال تيزي وزو و بجاية و خنشلة و جيجل، زادت الطين بلة و عجلت الأزمة.
من جانبه أوضح لنا منتج من ولاية جيجل، بأن المحصول قليل جدا، لأن الكثير من المزارعين فقدوا أشجارهم بفعل الحرائق، وعليه يتوقع المتحدث، أن الزيت الذي سيعصر هذا الموسم، سيغطي فقط احتياجات الولاية و بعض المناطق القريبة، و سيتم التركيز على ما ستنتجه المدن الغربية، غير أن ذلك لن يخفض، حسبه، من الأسعار بسبب نقص العرض عموما، كما أن الجودة ستكون أقل من المعتاد، خصوصا بعد تلف الكثير من الأشجار الجيدة.
العسل بأكثر من 5000 دج
بالنسبة لعسل النحل الطبيعي، فإن الأسعار بلغت مستويات جنونية، ناهيك عن شح هذه المادة في المحلات، وقد علمنا من بعض الباعة، بأن هناك تراجعا كبيرا في الإنتاج خلال السنتين الأخيرتين، وأن الكثير من المربين الذين كانوا يمونون محلاتهم، توقفوا عن النشاط،  بسبب ارتفاع درجات الحرارة و موت النحل، و تراوحت الأسعار عموما بين 4500 دج للكيلوغرام الواحد إلى 5500 وحتى 6000 دج بقسنطينة، فيما يباع العسل بجيجل، ابتداء من 4 إلى 5آلاف دج، و هي نفس الأسعار التي يعرض بها في ولايتي تيزي وزو و بجاية .
أما بخنشلة، فإن الأسعار قفزت بحوالي 1500دج، فبعدما كان سعر الكيلوغرام لا يزيد عن 3 آلاف دج، وصل هذه الأيام إلى 5500دج، وهو أمر غير معهود، على اعتبار أن المنطقة تعد من أشهر مدن الجزائر إنتاجا للعسل، خصوصا على مستوى بلديتي ششار و بوحمامة، المتضررتين بفعل حرائق شهر أوت، التي أتلفت أغلب المناحل المنتشرة عبر الغابات القريبة.
و تم إحصاء ما يزيد عن 19 صندوقا لتربية النحل احترق كليا بفعل النيران، فيما يواجه مربون آخرون تحدي الجفاف و ارتفاع درجات الحرارة عن المستوى الفصلي .
تراجع في الإقبال على المعاصر بسبب الحرائق
 من جانبه، أخبرنا عبد الغاني، صاحب معصرة بولاية سطيف، تحديدا بمنطقة بوعنداس، بأن الحرائق الأخيرة التي أتت على هكتارات من غابات بجاية، وصولا إلى حدود ولاية سطيف، خلفت خسائر كبيرة، خصوصا بالجهة الشمالية مؤكدا، بأن ألسنة اللهب أتت، حسب حصيلة لمصالح الحماية المدنية، على ما يزيد عن 5 آلاف شجرة زيتون، وهو ما انعكس سلبا على حجم الإنتاج هذه السنة. المعروف، حسبه، أن الفترة الممتدة بين سبتمبر و أكتوبر إلى غاية بداية جانفي، تعد ذروة النشاط بالنسبة للمعاصر، غير أن المعطيات الراهنة، تعكس تراجعا ملحوظا في الإقبال، يمكن أن يقدر، كما قال عبد الغاني، بحوالي النصف، مقارنة بالسنتين الماضيتين، الوضع الذي ستكون له تأثيرات مباشرة على العرض، لأن الكمية التي ستعصر خلال الموسم، لن تكون كبيرة، و لن تغطي الطلب المتزايد على زيت الزيتون، خصوصا في الشرق الجزائري و الشمال عموما.
الجفاف يقتل النحل و يتلف الأشجار
حسب المهندس الزراعي أحمد ملحة، فإن إنتاج الزيتون و زيت الزيتون، سيكون قليلا جدا هذه السنة، كما ستكون الجودة أقل من المعهود، و الأمر لا يرتبط فقط بالحرائق التي أتت على آلاف الهكتارات، بل يعود كذلك إلى مشكل الجفاف و شح الأمطار الذي ضرب الجزائر في السنتين الأخيرتين، فمن يطلع على وضعية بساتين الزيتون، كما قال، سيلمس تلف العديد من الأشجار، بسبب  تغيرات المناخ و نضوب حوالي 50 إلى 60 بالمئة من المياه الجوفية في المناطق السهلية و الجبلية.
و من جهة ثانية، فإن هذه العوامل أثرت كذلك على تربية النحل، كما أضاف المهندس الزراعي، موضحا بأن إنتاج العسل نقص كثيرا، بفعل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فأسراب النحل أصبحت تقطع مسافات تعادل أو تزيد  عن خمس كيلومترات في بعض الأحيان، بحثا عن الماء، وكثيرا ما يحدث أن لا تتوفر البرك و الوديان على هذه المادة الحيوية، بسبب جفافها وهو ما يؤدي إلى موت هذه الحشرات،  التي تواجه أيضا، مشكل نقص الغذاء على خلفية اختلاط الفصول و تذبذب برنامج التساقط المطري، وهو ما كبد المنتجين خسائر كبيرة، خصوصا من لا يمارسون نشاط الترحال لتوفير الماء و الغذاء لأسرابهم، على حد قوله.
الخبير الفلاحي، أوضح كذلك، بأن هناك من الناحلين من يتنقلون من و إلى مدن أخرى، على غرار الجلفة ، لأجل نباتات السدر و الكاليتوس،الضرورية لتغذية النحل، لكنهم يعودون به ميتا أحيانا، بفعل درجات الحرارة المرتفعة و ضغط الرحلة، وهو ما دفع ببعضهم إلى التخلي عن النشاط و بالتالي تقليص عدد المنتجين.
و أضاف المتحدث، بأن مشكل غياب الإحصائيات، يزيد الوضع سوءا و يقف تحديدا خلف العديد من أزمات الندرة، لأنه يعيق عملية التخطيط و الاستشراف و ضبط الاحتياجات، و التنبؤ بالمعطيات الفلاحية المستقبلية، أو ما يعرف باليقظة الفلاحية، كما عبر.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى