أكد مهندسون و مختصون في العمران و التعمير و سوسيولوجيون، أن احتواء و هيكلة الأحياء الفوضوية في الجزائر، يتطلبان إعادة النظر في الطرق و الميكانيزمات القديمة، التي أظهرت فشلها في الكثير من الأحيان، نظرا لتركيزها على الجانب التقني و إغفال جوانب أخرى، لها علاقة بقاطني السكنات الهشة و الفوضوية و نمط حياتهم. و يعتبر المختصون أنه من الضروري إشراك الجامعة و المختصين من معماريين و مهندسين في إيجاد حلول مناسبة، و يجب البحث في طبيعة العلاقة التي تجمع المواطن بالحيز أو الفضاء الذي يعيش به، مع الاعتماد على نتائج الدراسات الاجتماعية و الأنثروبولوجية، قبل إطلاق أي مشروع لإعادة الهيكلة، خاصة في التوسعات المتواجدة بضواحي المدن، من أجل العمل على تثبيت السكان بهذه المناطق، كما قال المختصون في ندوة النصر.

وهيبة عزيون

*  الدكتور عبد الرحيم حفيان مختص في التهيئة العمرانية و التعمير
أغلب الأحياء الفوضوية  شيدت فوق أراضي الخواص
قال الأستاذ الدكتور عبد الرحمان حفيان، المختص في التهيئة العمرانية و التعمير في حديثه للنصر، أن أغلب الأحياء الفوضوية بالجزائر، توجد فوق أراض يملكها الخواص، تفتقر للصفة القانونية، و أغلب أصحابها لم يحصلوا على رخص بناء، و لا يحوزون على عقود ملكية.
و يرى المتحدث، أن هناك إنكار واضح لهذه التجمعات السكنية الهامة فوق المخططات الرسمية، و لا يتم عادة الإشارة إليها منذ القدم،  بالرغم من أن هذه السكنات ليست وليدة الحاضر، فهذا النمط من التوسعات السكنية، يعود  إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
لقد أدى النزوح الريفي نحو المدن القديمة، و الأوضاع الاقتصادية الصعبة و الانفجار الديموغرافي، إلى انتقال السكان من المدن القديمة إلى ضواحيها للسكن.
و في السبعينات و مع مجيء قانون توثيق الأملاك عن طريق الموثق، اعتمد الكثير من أصحاب هذه السكنات، هذا الحل مؤقتا، رغم ذلك بقيت الصيغة غير القانونية مرتبطة بوضعيتهم.
و في سنة 1971  شهدت هذه الأحياء الفوضوية، انفجارا ديموغرافيا في ظل قانون الثورة الزراعية، و إدراج الضواحي ضمن مخططات المدينة، حيث لجأ الكثير من أصحاب الأراضي و البساتين آنذاك، إلى بيعها بطريقة غير قانونية مقابل مبالغ رمزية، فانتشرت الأحياء الفوضوية غير القصديرية، مثل حي بن شرقي في قسنطينة، لكن بقيت سكناتهم غير قانونية من ناحية التشييد و الملكية، و بقي الوضع على حاله إلى غاية صدور قانون التسوية 15/08، غير أن هذا القانون بقي عاجزا عن احتواء المشكل  القانوني لهذه السكنات الفوضوية، و لا يزال المشكل مطروحا إلى غاية يومنا هذا، خاصة و أن 50 بالمئة من النسيج العمراني فوضوي.
و يرى المتحدث أن مشكل توزيع و تمليك السكنات الاجتماعية في الجزائر، نجمت عنه سوق عقارية موازية، بسبب التوزيع غير العادل و غير الشفاف، ما ساهم في انتشار و تشجيع هذه السكنات، و على الرغم من برامج الإسكان الضخمة، لم يتوقف نمط السكنات الفوضوية، بل هو في تزايد مستمر، و الحل يكمن في التوجه إلى السكن الإيجاري دون تمليك، سواء في البرامج التي أطلقتها الدولة أو برامج شركات المقاولات الخاصة، مع بعث مشروع هيكلة واسعة للأحياء الفوضوية، لأنها جزء هام من النسيج العمراني.

* صلاح الدين ميسالي
لابد من إشراك المواطن في عمليات التجديد الحضري
اعتبر الأستاذ صلاح الدين ميسالي، أستاذ في كلية الهندسة المعمارية و التعمير بجامعة قسنطينة3 ،أن من أهم ما تم استخلاصه  رفقة زملائه خلال الدراسة الميدانية التي أجروها في حي جعفارو عبد الله ببلدية ابن باديس بقسنطينة و الذي استفاد من برنامج إعادة تأهيل منذ سنوات، أن إشراك المواطنين أو قاطني  التوسعات الفوضوية،  مهم جدا في كل مشروع لهيكلتها و ضمان نجاحها.
الأستاذ ميسالي اعترف في حديثه للنصر، بوجود عراقيل و صعوبات تكتنف  عملية تأهيل الأحياء الفوضوية،  في مقدمتها شح المردود المالي، كما أن إسقاط مخططات الهيكلة على أرض الواقع، قد يكون شبه مستحيل، ما يستدعي القيام بدراسات قبلية اجتماعية و ثقافية و عمرانية، حسب خصوصية كل حي أو تجمع.
ومن المستحسن إشراك المجتمع المدني في العملية، كوسيط بين المواطن و الإدارة، و إجراء دراسة دقيقة للطبيعة الاجتماعية للسكان، باعتبارهم فاعلين في تنمية المكان و الارتقاء بهذه المناطق، كمشاريع تنموية حضرية .
هذا العمل سيتم، حسب المتحدث، وفق استراتيجيات سوسيوـ اقتصادية ، مع الأخذ بالميكانيزمات الطوبوغرافية و المجالية للمكان، و عدم الاعتماد على كل هذه النقاط كان سبب فشل كل برامج تهيئة و هيكلة الأحياء الفوضوية في الجزائر.
كما خلصت الدارسة، حسب الأستاذ صلاح الدين، إلى أنه ليست كل الأحياء الفوضوية قابلة للإزالة النهائية، كما حدث مع بعض النماذج في قسنطينة، بل الكثير منها، خاصة المتواجدة بضواحي المدينة، تحتاج إلى إعادة الهيكلة، و توفير المرافق الضرورية، من أجل تثبيت السكان بتلك المناطق.

* المهندس المعماري عميرش آكلي
معالجة مشكل السكن الهش  في الجزائر يبدأ من الجامعة
أكد المهندس المعماري و رئيس مجلة «حياة المدن» السيد عميرش آكلي، من تيزي وزو، أن فتح ورشات في الجامعة، بمشاركة خبراء و مختصين، أهم نقطة يجب التركيز عليها قبل الشروع في معالجة مشكل البناءات و الأحياء الهشة بالجزائر.
 و يرى المختص أن هناك نقص كبير في الدراسات و البحوث الجامعية التي تهتم بهذا النمط العمراني  الذي لم يحظ  إلى غاية اليوم، باهتمام المختصين، و العمل على هذا النمط في ورشات داخل الجامعة ضرورة قصوى، كما يجب تشجيع الطلبة على تخصيص مذكرات تخرجهم لهذا المجال، و الاعتماد على هذه البحوث و الأطروحات خلال العمل الميداني من قبل الهيئات و السلطات.
و اعتبر رئيس مجلة «حياة المدن» التي تعنى بالمجال العمراني للمدن الجزائرية، بأن الارتقاء بهذه الأحياء يفرض نفسه على السلطات العمومية، كحقيقة موجودة لا يمكن إنكارها أو إزالتها من النسيج العمراني العام، و هي وليدة أوضاع اقتصادية و اجتماعية معينة، دفعت بالسكان إلى البحث عن طريقة لإنشاء سكنات في ظل أزمة السكن الخانقة، و بالموازاة مع الانتشار الواسع للأحياء القصديرية كان نوع آخر من السكنات يتكاثر، لكنه يختلف عن بنايات الصفيح من حيث طريقة تشييده، حيث يعتمد على مواد بناء خصصت لها ميزانيات معتبرة.
و يمكن القول أن من 40 إلى 45 بالمئة من المساحات، تشغلها اليوم السكنات الفوضوية ، وهي تتكاثر بسرعة كبيرة و بشكل غير متجانس و تفتقر إلى الهياكل القاعدية و المرافق، لهذا تتطلب  إعداد مخططات خاصة بها من أجل الاستعانة بها عند التهيئة و الهيكلة.
و يرى آكلي عمروش، أن مساعي الدولة لاحتواء هذا النمط العمراني بسنها القانون الشهير 15/08 غير كاف ، رغم أن الفراغ القانوني سابقا، كان أحد أسباب انتشار هذا النمط الذي يتطلب دراسة عمرانية دقيقة، و إعادة هيكلة ستنتج  نموذجا عمرانيا جديدا في الجزائر، يحمل الخصوصية الاجتماعية لقاطنيه، شريطة توفير الإطار القانوني ،و إيجاد آليات للعمل داخل هذه الأحياء من قبل المهندسين و المختصين.

* أستاذة علم الاجتماع كريمة بن دراج
التعامل مع هذه المجالات يتطلب دراسات سوسيولوجية
ترى أستاذة علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية و العلوم الاجتماعية كريمة بن دراج، بأن هناك مشكل حقيقي في التعامل مع البنايات الفوضوية منذ القدم، حيث يتم التركيز على الجانب التقني فقط.
علما بأن البنايات الفوضوية أو الهشة، لها جانب مادي، و لها أيضا خصوصيات اجتماعية و ثقافية، يمتد تأثيرها إلى الأحياء العصرية و الحديثة عند الترحيل ، فتتحول بمرور الوقت المباني و العمارات الحديثة إلى إقامات هشة اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا ، و بالتالي ترى المتحدثة أن الترحيل ليس حلا في أغلب الأحيان، فالكثير من سكان هذه المناطق يرفضون مغادرتها و إجبارهم على ترك سكناتهم، باتجاه  سكنات لا تحمل هويتهم الاجتماعية، وبمرور الوقت يلبسونها النمط الاجتماعي المتجذر داخلهم.
و حتى مشاريع التهيئة و هيكلة الأحياء الفوضوية أو الهشة، غالبا ما تتم، حسب رأي المختصة، بشكل رسمي يركز على الجانب التقني فحسب، دون اهتمام بالجانب الاجتماعي الذي يستدعي إجراء دراسات سوسيولوجية و أنثروبولوجية، و البحث في أصول هذا الإنسان الذي يقطن سكنات هشة، هذه السمات لا يمكن أن تتغير بين ليلة و ضحاها و تؤثر على شكل المدينة و العمارة.
و حتى الملتقيات التي تتناول حال العمران في الجزائر، غالبا ما تنصب محاورها على الشق التقني، حسب المتحدثة، وهناك إغفال كبير للجانب الاجتماعي ، فلا يعتمد المسؤولون على دراسات متخصصة لمعرفة طموحات و احتياجات هذا الفرد ، الذي يجبر على الترحيل عن بيئته إلى أخرى حديثة، تتوفر على هياكل و مرافق قد لا تتماشى و طبيعته الاجتماعية، أو إطلاق برنامج لهيكلة المجالات الفوضوية، دون استشارة قاطنيها و التركيز على احتياجاتهم، لهذا من الضروري اليوم إعادة النظر، حسب المتحدثة، في الجوانب التقنية و علاقتها بالجوانب الاجتماعية.  

الرجوع إلى الأعلى