وضعت قضية تحايل على طلبة جزائريين مؤثرين في قلب فضيحة، على خلفية دفع مبالغ مالية لوكالة أجنبية تروج للدراسة في الخارج. و كان بعض نجوم السوشل ميديا، قد روجوا للوكالة، و جنوا الملايين من وراء الإشهار على فايسبوك و أنستغرام و غيرها من المنصات، و هو ما يبعث الجدل حول حقيقية ما يقومون به، و حول تصنيفهم تحديدا، هل يشكلون ظاهرة تسويقية أفرزها ما يعرف باقتصاد المؤثرين، أم أنهم أشخاص يستغلون شعبيتهم للتحايل على متابعيهم، في ظل غياب الرقابة و انعدام إطار تنظيمي واضح يضبط نشاطهم.
هـــــدى طابــــــي 

مداخيل بالعملة الصعبة
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة إلى أسهل وسيلة لتحقيق الربح، و قد شجع ذلك الملايين في العالم والمئات في الجزائر على دخول عالم السوشل ميديا، و أمام تزايد مداخيل الإشهار و تحول صناعة المحتوى إلى مصدر للربح بالعملة الصعبة، فقد بدأت دول مثل مصر و بعدها الجزائر، في بحث إطار تنظيمي لنشاط المؤثرين.
 في الجزائر مثلا أدرجت مصالح وزارة التجارة، بداية من العام الماضي  نشاط المؤثرين، ضمن مدونة النشاطات  الخاضعة للقيد في السجل التجاري،  الذي يندرج ضمن نشاطات الخدمات رقم 617040، حيث تعرف البوابة الإلكترونية للمركز الوطني للسجل التجاري نشاط المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنه كل نشاط يمكن من خلاله، لأي شخص أن يعبر عن رأيه، أو يقدم النصح كتابيا أو  سمعيا بصريا في  مجال معين.
و جاء قرار تنظيم هذا النشاط، بعد إقرار بنك الجزائر لعدة تسهيلات لفائدة هذه الفئة، لأجل تسهيل سحب مداخليهم الناجمة عن تصدير خدماتهم الرقمية للزبائن في الخارج و بالعملة الصعبة.
مداخيل تمر عبر رصيد المبادئ!
عن آلية تحقيق الربح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان صانع المحتوى الجزائري الشهير خبيب، قد أوضح للنصر في وقت سابق، بأن الأمر يرتبط عموما بالمبدأ، فالعروض موجودة و الإشهار يعتبر المنتج الرئيسي الذي تقوم عليه عملية الكسب، لكن القضية تخضع للمبدأ، و لطريقة كل شخص في التعامل مع ما يأتيه من عروض.
من جانبه شرح المؤثر و الخبير في التسويق الإلكتروني، محمد الأمين ميزو، قضية الربح عن طريق الانترنت بالقول  بأن الإشهار  يحتكم لعدد متابعي الصفحة أو الحساب، فكلما زاد المتابعون زادت أهمية الصفحة و تضاعفت فرصها في الحصول على الإعلانات الإشهارية التجارية، ففي يوتيوب مثلا، يمكن أن تبدأ القناة في تحقيق العائد المادي، بعد أن تصل إلى 10آلاف متابع، حيث يستقبل صاحبها دخلا عن كل 1000 مشاهدة إضافية للمحتوى الذي ينشر، وهو مبلغ مالي يقدر بحوالي 1700 دج، عن المشاهد الجزائري و يصل حتى 7آلاف عن المشاهدين من قارتي أوروبا و آسيا، كونهم أكثر من يتفاعلون مع الإعلانات و يقبلون على شراء المنتج.

* سلمى بكوش مؤثرة  صانعة محتوى
المتابع و المؤثر يتقاسمان المسؤولية على مواقع التواصل
قالت المؤثرة و صانعة المحتوى سلمى بكوش، بأن .المؤثر هو شخص قرر الظهور أو التصدر على  المنصات التفاعلية، وذلك بإنشاء محتوى رقمي يستهدف به فئة من الجمهور الذي يتفاعل معه بشكل يسمح له بتحقيق غاياته من صناعة المحتوى، و التي قد تشمل الحصول على الإشهار مثلا، خاصة بالنسبة للمؤثرين الذين يسعون للحصول على دخل من وراء صناعة المحتوى، « طبعا ليس كل صانعي المحتوى يطمحون لذلك، بدليل وجود نوع من صناع المحتوى يقومون بهذا النشاط بطريقة ثانوية و يعتمدون على دخلهم اليومي من مصادر أخرى»، ودخول عالم الترويج يعتمد،  حسب سلمى، على معيار الجماهيرية و مستوى التفاعل على الحساب أو الصفحة، وصولا إلى مدى كون الشخصية مثيرة للجدل،لأن الجدل بحد ذاته، عنصر إثارة يجعل المؤيد والمعارض يتحدثان عن منتجك أو خدمتك وبدورهما يقدمان ترويجا مجانيا، وهذا الانتشار يساعد على التأثير في سلوك المستهلك الذي يتابع صانع المحتوى ويعتمد على ما يروج له نجمه و بالنسبة للعلامات التجارية، فإنها تختار المؤثر أو المدون الذي يقدم محتوى يتقاطع مع منتجها مثلا « مواد التجميل أو الأسفار» والذي يكون لديه عدد كبير من المتابعين، وبالتالي لديه تأثير على سلوكهم الاستهلاكي، بما يعود بالربح والفائدة على العلامة التي قررت التعاون معه .
وعن طريقة التمييز بين التأثير السلبي و الايجابي، قالت المتحدثة، بأن  الأمر غير دقيق، لأن معاييرنا وقيمنا كمستهلكين تختلف،  لكن  الأسوأ هو أن يروج أي كان للمعلومة لتي تحتاج مختصا، و حين يحل المؤثرون من تيار التنمية البشرية و الشعوذة و الدجل، محل المختصين النفسانيين وأطباء الأمراض العقلية ويدعون لحضور دورات تدريبية «أونلاين»، بمبالغ خيالية على أساس حل المشاكل العظمى في دقائق معدودة بالتحايل، بدليل أن منظمة الصحة العالمية، حذرت من نشرو تلقي المعلومات الخاطئة عن فيروس كورونا من غير أهلها في الفترة الأخيرة، وكانت تحارب الفيروس والأخبار الخاطئة معا، و من السلبيات أيضا أن الترند، يميل لما هو غريب ومثير للجدل، وإن كان على حساب الأخلاق والقيم فيصبح هوسا مباحا.
في ما يخص ما حدث مؤخرا مع الطلبة الجزائريين الذين تم الاحتيال عليهم عن طريق تتبع إعلانات نشرها «إنفلونسرز» لا يملكون أية خلفية عن التوجيه بالجامعات الأجنبية ومعايير انتقائها والتسجيل فيها، ترى المؤثرة، بأنها قضية شائكة و تمس عدة جوانب يجب أن ننتبه إليه، خصوصا موضوع وجود قاصر كطرف في الموضوع، وهنا يتعين، كما ذكرت، أن نطرح سؤالا حقيقيا عن البعد الأخلاقي للترويج واستغلال القصر على مواقع التواصل و تعريضهم لمواقف صعبة.
مع ذلك أوضحت صانعة المحتوى، بأن المسؤولية في مثل هذه الحالات تقع مناصفة على منتج المحتوى و مستهلكه،  لأن صانع المحتوى مسؤول عن قبول أو رفض الدعاية لمنتج أو خدمة، و قبل أن  يفكر في المقابل المادي الذي سيجنيه من نشر « سطوري» أو منشور، عن منتج أو خدمة، عليه أن يفكر ألف مرة في مصداقيته على المدى البعيد تجاه قاعدته الجماهيرية التي قد يخسرها بكبسة  زر .
و إذا كان الموضوع يحتاج أهل الاختصاص، فمن الأفضل أن لا يقحم نفسه من البداية، لأنه سيكون الخاسر الأكبر في النهاية، مهما كان الدخل المادي مغريا.
أما المستهلك فهو مسؤول أيضا، لأنه قرر الاشتراك في الصفحة أو القناة والتفاعل مع محتواها واتخاذ قرارته بناء على ما يستقبله من محتوى، فغربلة المحتوى، تعتمد على قدرة المستهلك على انتقاد ما يشاهده ويسمعه، وأبسط سؤال يجب أن يطرحه يجب أن يكون حول مؤهلات صانع المحتوى و إذا كانت تخوله  للحديث في الموضوع أو الترويج للخدمة أو السلعة.
اقتصاد المؤثرين و جدل المصداقية
ظهر مخرا  مصطلح اقتصاد المؤثرين، كواحد من المفاهيم الاقتصادية الجديدة التي أفرزتها التكنولوجيا وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على المشهد، حيث بات المؤثرون ينافسون المشاهير و النجوم على  الإشهار التجاري، لتنمو القيمة الإجمالية للتسويق عبرهم من 1.7 مليار دولار سنة 2016 ، إلى نحو 10ملايير  دولار العام الماضي، وسط توقعات بأن تبلغ هذا العام 13.8 مليار دولار، كما ذكرت مجلات اقتصادية متخصصة.
مع ذلك يطرح مشكل المصداقية بشكل كبير،  في ما يتعلق بحقيقة الجهات التي يروج لها هؤلاء المؤثرون و مدى ملاءمة منتجاتها و عروضها، ولعل قضية الطلبة الجزائريين الذين وقعوا ضحية تحايل وكالة أجنبية، لتسهيل الدراسة في الخارج، روج لها خمسة مؤثرين شباب، بينهم فتاة مراهقة، تعتبر خير دليل.
بيع الوهم  مقابل 300إلى 600 مليون سنيتم
في نهاية ديسمبر الماضي، تورط مؤثرون في الترويج لشركة وهمية نصبت على طلبة دفعوا أموالا طائلة تتجاوز حدود 10 آلاف دولار في العام ، من أجل السفر والدراسة في تركيا و أوكرانيا، ليجدوا أنفسهم متشردين في شوارع البلدين أو مسجلين في جامعات غير التي اختاروها ، وقد شملت القضية التي أثارت ضجة على مواقع التواصل، تسليط الضوء على الجوانب القانونية و دور الدولة في مراقبة الإعلانات التي يتم الترويج لها عبر موقع إنستغرام، كما انطلقت بالموازاة مع ذلك، حملة لإلغاء متابعة المتورطين في القضية،  لتنتهي الزوبعة بصمت بعض المؤثرين واعتذار آخرين واعترافهم بأنهم لا يعلمون الكثير عن هذه الوكالة، وذلك خلال بث مباشر مشترك مدته خمس ساعات، حيث تعهدوا بالعمل معا، لاسترجاع الأموال التي قام الطلبة بدفعها من أجل الدراسة في الخارج، كما وضعت مؤثرة محاميها الخاص تحت تصرف الطلبة.
تحذيرات مسبقة من الشركة المحتالة
لتتبع الموضوع، تواصلنا، مع المؤثرة دنيا زاد برنيس، واحدة من الشابات الناشطات على أنستغرام، و مالكة وكالة لتنظيم الدراسة في الخارج، فأوضحت لنا، بأنها مسؤولة عن مكتبها فقط و عما يترتب عنه، لكنها كانت قد حذرت مرارا وتكرارا من هذه الشركة المحتالة، وذلك قبل أن تنفجر قضية الطلبة، مضيفة بأنها رغم تحذيراتها المتكررة، لم تنجح في توعية الطلبة، نافية أن تكون لها أية علاقة بما حدث لهم.
* المحامية رنيدة  ياسمين مراز
قضايا النصب على إنستغرام تخضع لتكييف النيابة العامة
من وجهة نظر قانونية، أوضحت المحامية رنيدة ياسمين مراز، محامية معتمدة لدى مجلس قضاء قسنطينة، بأن قضايا الإنترنت و مواقع التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، تخضع لتكييف النيابة العامة، و أن الوضع يختلف، حسب البعد الدولي للقضايا، إن الجاني مثلا إذا كان متواجدا خارج التراب الوطني، المتابعة تكون صعبة  وتتطلب أمرا بالقبض، وكلها تفاصيل تتطلب الكثير من الوقت وهو وضع سائد في كل دول العالم، لكن إذا كانت القضية  داخلية، فيمكن أن تكيف كقضية نصب بطرق احتيالية، و تخضع لإجراءات و قانون العقوبات، حيث تكون متابعة الطرف المتهم ممكنة جدا.
المحامية، قالت، بأن غالبية قضايا الإنترنت، على غرار قضية الطلبة، تندرج ضمن باب جرائم النصب بطرق احتيالية، أو التصريح الكاذب أو انتحال صفة « إذا كانت الشركة وهمية».
عن مدى تورط المروجين كأطراف في القضايا، أوضحت محدثتنا بأنهم يعتبرون مروجين للمنتج وفقط، ولا تقع عليهم المسؤولية الجزائية، إلا إذا أثبت التحقيق، بأنهم كانوا طرفا شريكا أو مساعدين في الجريمة، أو إذا كيفت النيابة القضية ضمن إطار آخر، كممارسة نشاط غير مصرح به مثلا، لأن أركان الشراكة في الجريمة معروفة، و تخضع لشروط معينة، ولذلك فإن هذا النوع من القضايا المختلفة، يحتكم لتكييف النيابة، كون الأمر يتعلق بمهن جديدة تحيلنا إلى نوع من الفراغ القانوني الذي يلزم اجتهاد النيابة، ولذلك يجب العمل أولا على تنظيم هذه المهنة، ناهيك عن تطوير القوانين لتتماشى مع تطور الإجرام.                هـ. ط 

الرجوع إلى الأعلى