انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، عيادات افتراضية لأطباء يعتمدون شعارات مثيرة لاستقطاب المتابعين، و يجزمون بفاعلية وصفات العلاج المقدمة، حيث يحظون بتفاعل ملفت وبمتابعة كبيرة، وحذر أطباء بينهم رئيس مجلس أخلاقيات المهنة  بناحية الشرق، من خطورة التطبيب الافتراضي، مؤكدين على ضرورة التقيد بالتوجيه، و الامتناع عن تقديم وصفات علاجية دون معاينة حقيقية للمريض.
أسماء بوقرن 

تحول الفضاء الافتراضي إلى بوابة رقمية تستقطب العدد من الأطباء، الذين يتواصلون عبرها مع المتابعين، عن طريق  البث المباشر، أو بنشر مقاطع فيديو من داخل عيادتهم  يطلون من خلالها بالمئزر الأبيض و بعدة الفحص غالبا، وذلك لإعطاء مصداقية أكبر لما يقولونه، حيث يستهلون فيديوهاتهم في العادة بالتعريف بالمرض و أعراضه ويختمون بتقديم طرق العلاج، و الرد على الانشغالات الصحية للمتابعين و تقديم وصفات علاجية عامة و موحدة، يؤكدون نجاعتها دون تقديم شروحات مفصلة عن الحالات التي لا تتوافق مع طبيعة العلاج المقترح، أو تحديد  نوع المضاعفات التي تنجر عن عدم ملائمة العلاج خصوصا لمن يعانون من أمراض أخرى.
الإشارة للتأكيد على نجاعة العلاج
و يستخدم هؤلاء في الغالب، عناوين مثيرة لفيديوهات، تركز على أن العلاج مضمون و فعال لمرض ما، و هو ما يدفع المتابعين لفتح الرابط  المرفق و الخاص عموما بقناة اليوتيوب، و قد لاحظنا من خلال تتبع صفحات بعض الأطباء، بأن عدد المشاهدات يفوق أحيانا 10 آلاف مشاهدة مع الاهتمام بمتابعة الفيديو كاملا  للاستفادة من كل ما يقوله المختص، و من بين العناوين المستعملة نذكر عنوانا لفيديو موجه لمرضى القولون العصبي « علاج القولون المزمن فعال ونهائي ومجرب»،كما نجد أيضا عناوين من قبيل «أسهل وأسرع علاج لجرثومة المعدة، وأخطر معلومة تجهلها عنها».
 وكان مختص في طب العيون مثلا، قد قدم عبر منشور على صفحته الخاصة، علاجا لجفاف العين جاء فيه « يتم علاج جفاف العين عن طريق الدموع الاصطناعية، وتحديدا حمض الهيالورونيك، وهذا من أجل جعل الدمعة أكثر توازنا للتخفيف من أعراض جفاف العين، عندما يكون جفاف العين حادا أو كبيرا نقوم باستعمال قطرات الكورتيكوستيرويد»، و في الحالات المعقدة نستخدم  قطرات السيكلوسبورين و هو دواء جد فعال»، ومن خلال التفاعل مع المنشور، يتضح بأن هناك من الناس من  يعتمدون على العلاجات المذكورة  وبشكل كبير، بالرغم من أن الطبيب حث في آخر المنشور على أهمية التوجه للمختصين.
الملفت  كذلك، أن بعض الأطباء و خلال عرضهم لوصفات العلاج، يجزمون بأن كل المرضى الذين قصدوا عيادتهم لأجل ذات المرض تماثلوا للشفاء و بنسبة كاملة،  حيث قال أحد الأطباء في فيديو عبر قناته على يوتيوب : « كثير من الناس يعانون من القولون، و لم يجدوا الحل منذ سنوات رغم زيارتهم لعديد الأطباء، و إجرائهم للكثير من الفحوصات و التحاليل و اليوم أقدم لكم الحل النهائي، من خلال العلاج التالي»،  وهي فيديوهات و منشورات  تلقى في العادة تفاعل كبيرا على  موقعي فيسبوك و أنستغرام، كما أن كثيرا من المتابعين يستحسنون في الغالب ما يقدمه المختص و يتعاملون معه بكل ثقة، لدرجة التشكيك في الأطباء الذين يزورونهم فعلا ، و الجزم بصحة العلاج الذي يقدمه أطباء عبر الفضاء الافتراضي، و هو ما لاحظناه من خلال تعليق لإحدى المتابعات و التي قالت «  زرت الأطباء و لم  يتمكنوا من تشخيص حالتي ، فلجأت للإنترنيت بحثا عن طرق وسبل أخرى للعلاج، صحيح أن هناك من المختصين في المجال من يحذرون من متابعة ما يقال في العالم الافتراضي، حتى و إن كان على لسان طبيب،  غير أنني استفدت كثيرا من أطباء الإنترنت، أكثر مما استفدت ممن زرتهم حقيقة، شاكرة في الختام الطبيب على قيمة الفيديو المنشور ويعتمد متابعون آخرون على استشارة الطبيب الافتراضي حتى في  علاج أطفالهم، إذ يشخص الولي حالة ابنه  بمفرده و يطلب العلاج المناسب من المختص، دون الوعي بمدى خطورة ذلك على حياة الطفل، حيث وجدنا تعليقا لسيدة تطلب تحديد نوع الإبر، التي تساعد في نمو الأسنان عند الأطفال قائلة في تعليقها : «  ابنتي تواجه مشكلة في تأخر نمو الأسنان، و فهل يمكن أن أعالجها بإبر «نورديطروبين».   
* أخصائي الإنعاش الطبي البروفيسور عمر بودهان
نصائح الانترنت يجب أن تتوقف عند التوجيه فقط
أكد البروفيسور عمر بودهان، رئيس مصلحة الإنعاش الطبي بالمستشفى الجامعي بقسنطينة، بأن مهمة الطبيب الناشط على مواقع التواصل، يجب أن تتوقف عند شق التوجيه و لا تتعدى ذلك إلى وصف العلاج، لأنه لن يكون ناجحا دون معاينة فعلية و قد تكون  له عواقب وخيمة.
 وأردف قائلا، بأن المريض بحاجة لفحوصات دقيقة تمكن فعليا من تشخيص وضعه، موضحا، بأن هنالك من المرضى من يعجزون حتى على وصف ما يعانون منه تحديدا، بحيث  يحاول الطبيب قدر الإمكان الاستفسار عن مختلف الأعراض و عن الخلفيات المرضية للشخص ولعائلته أحيانا كي يتمكن من تشخصي الحالة بدقة و توصيف دواء مفيد، مشيرا إلى أن علاج أي مرض، يستدعي التنقل للعيادة أو المستشفى، و لا يمكن بأي حال من الأحوال، تقديم وصفة عامة مفيدة لكل الحالات، و إعطاء وصفات موحدة افتراضيا و التأكيد على فاعليتها، لأن ذلك  يتعارض مع ميثاق أخلاقيات مهنة الطب.
* الدكتور جمال بوخشم  
العلاج عن بعد لا يقبل إلا في ظروف استثنائية
قال الدكتور جمال بوخشم، مختص في أمراض الأذن و الأنف و الحنجرة بقسنطينة، بأن العلاج عن بعد يتم برخصة فقط و في حالات استثنائية، كما يقبل بين الطبيب و مرضاه فقط لعلمه المسبق بخلفياتهم المرضية، داعيا أهل المهنة، إلى عدم استغلال الظرف لتحقيق الشهرة و الانتشار، خاصة و أن رواد مواقع التواصل يتأثرون بآراء الأطباء الأكثر متابعة على المنصات التفاعلية، كما دعا إلى ضرورة وضع ترسانة قانونية لتنظيم نشاط الأطباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.  
من جانبه، أوضح رئيس مجلس أخلاقيات مهنة الطب بناحية الشرق، رشيد جنان، بأن اللجوء إلى العلاج الافتراضي لا يتم إلا في حال تعذر على المريض زيارة طبيبه المعالج، بحيث بإمكانه التواصل معه هاتفيا أو عبر منصات التواصل في وقت لاحق، فيما يمنع حسبه، تقديم وصفات موحدة لمرضى لم يسبق و أن كشف عنهم بعيادته و لا يعلم بوضعهم الصحي الحقيقي.                      
أسماء بوقرن  

الرجوع إلى الأعلى