تشتهر عيون الترك بوهران، بكونها مدينة ساحلية تستقطب شواطئها ملايين المصطافين صيفا، و تعرف بهذا الاسم لكثرة العيون والينابيع المتدفقة من جبالها، كما يقال أيضا، بأنها قد تكون سميت على هذا النحو، نظرا للعدد الكبير من الأتراك الذين تواجدوا فيها في الماضي، بغرض صد الهجومات الإسبانية  على وهران، وبين اختلاف القصتين حقيقة واحدة ثابتة، وهي جمال شواطئ المنطقة و تميّزها وبالأخص شاطئ “عين الصافية”.

لا مكان هنا لمافيا الكراسي والطاولات
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، عندما قصدنا شاطئ “عين الصافية” بعين الترك، بدأنا المسير نحو البحر عبر طريق هادئ لا تسمع فيه سوى صوت الأمواج المتلاطمة وزقزقة العصافير، كانت المنازل و الفيلات العتيقة تمتد على امتداد مسارنا وقد لاحظنا بأن بعضها حولت إلى إقامات سكنية يتم تأجير أغلبها صيفا لزوار وهران كي يستمتعوا بعطلهم قرب البحر.
وصلنا إلى مفترق طرق يؤدي نحو شاطئي  “كلير فونتان” و “عين الصافية” وهما شاطئان متجاوران لا تفصل بينهما سوى صخور بحرية نحتت أقدام المصطافين عليها مسارا يسمح بالمرور، بدأنا جولتنا من “كلير فونتان” الذي يتم النزول إليه عبر درج قديم يقال بأنه يؤرخ لعقود وعقود من الزمن، ولكنه لا يزال صامدا ممتدا نحو مياه الشاطئ ورماله الصافية، و يعد هذا الممر المدخل الوحيد نحو البحر، كما أخبرنا  وسيم، الذي قابلناه رفقة شابين آخرين من الحي القريب، قالوا لنا، بأنهم يجلسون يوميا عند مدخل الشاطئ لتأمل البحر و البحث عن الهدوء، وأن أفضل لحظات اليوم هي تلك التي يقضونها مستلقين على الرمال الذهبية، أما السباحة فتترك للمساء عادة لأنه الوقت الأنسب للاستمتاع بمياه البحر.


 بعد دردشة قصيرة، اتضح لنا بأن الشابين هما قريبا وسيم، قدما من سيدي بلعباس، لمشاركته فرحة النجاح في شهادة التعليم المتوسط، وأن أحدهما وهو محمد افتك البكالوريا هذه السنة، وقد كان حديثهم كله يدور حول التخصصات المستقبلية و الدراسة، قال وسيم، بأن خصوصية الشاطئ  تكمن في الأمن المتوفر فيه، وبأنه عائلي بامتياز ومجاني ولا مكان فيه لأصحاب الكراسي والطاولات أو الباعة المتجولين، وأن تسميته تعني  “العين الصافية” باللغة الفرنسية، وهي إشارة إلى النبع الموجود على الضفة الثانية منه.
و دفعنا الفضول للانتقال إلى الجزء الثاني من الشاطئ بحثا عن النبع الشهير، وهناك صادفنا إيمان التي كانت تجلس رفقة طفلها وزوجها على الدرج المؤدي إلى شاطئ عين الصافية القريب من منزلهم، أخبرتنا بأنها انتقلت إلى المنطقة حديثا أي بعد زواجها فقط، لكنها أحبت المكان جدا و اعتادت على حركة المصطافين خلال كل موسم جديد، حتى أنها كونت صداقات مع سيدات كثيرا  ما يقصدن منزلها لطلب شيء ما أو لأجل الراحة، مشيرة إلى أن الكرم و حسن الاستقبال ميزتان تعرفان عن أهل الحي، وهو ما أكده ياسين، صاحب كشك صغير لبيع الأطعمة الجاهزة، و الذي شرح معنى تسمية “عين الصافية” قائلا، بأنها عين طبيعية تنبع من الجبل وكانت قديما تصب في البحر، قبل أن يبني المعمرون حوضا صغيرا في وسط حديقة المدينة أين أصبحت المياه تتجمع فيه، مضيفا بأنه و وفقا للروايات المتداولة، فإن معمرة تدعى “صونا”، قامت بمد قناة تجر الماء من الحوض نحو الشاطئ، كي يتمكن المصطافون من الاستحمام قبل المغادرة، ولذلك فإن هناك من السكان من يطلقون على العين اسم المرأة أو “ عين صونا”.
الجائحة وضعف الاستثمار فرملا عجلة السياحة
محدثنا قال، بأن شواطئ عين الترك، كانت مكتظة عن آخرها خلال فترة الألعاب المتوسطية، وقد استقطب جمالها السياح من داخل الوطن و من خارجه، خصوصا الأجانب الذين سحروا بنقائها  وتعتبر هذه الشواطئ حسبه، من أكثر الأماكن التي يقصدها المغتربون ومن أحبها إليهم خاصة الباحثين منهم عن الهدوء والراحة.
وقال، بأن الأجانب ما كانوا ينقطعون عن عين الصافية”،  قبل الجائحة، وكثيرا ما كانوا يتركون بصمة تذكر بمرورهم على غرار تلك الكتابات الجدارية التي خطها سياح أوروبيون، منهم من زاروا المكان عدة مرات، غير أن المواسم الأخيرة عرفت تراجعا ملحوظا في حركية السياحة، خصوصا وأنه لا شيء تغير هنا رغم وجود كل مقومات الاستثمار، داعيا رجال الأعمال إلى استغلال سحر المنطقة و تنوعها للنهوض بالسياحة.
سياحة وتجارة
قابلنا خلال جولتنا، شبابا آخرين كانوا مجتمعين على صخور بحرية قريبة، و علمنا منهم بأنهم معتادون على الاصطياف في المنطقة لكنهم غير راضين عن وضعها، فرغم التحسينات التي عرفتها، إلا أنها بحاجة إلى استثمار حقيقي كما عبر “زينو” القادم من قسنطينة  و الذي يتردد كل صائفة على الشاطئ لحبه له، ناهيك عن أنه كثيرا ما يغتنم فرصة تواجده هنا، ليمارس بعض الأنشطة التجارية و يكسب المال، حيث يتنقل أحيانا إلى الشواطئ الأخرى إن اقتضت ضرورة العمل ذلك، نفس التجربة تحدث عنها محمد ابن تيبازة   الذي يتجول صيفا عبر الشواطئ الغربية، بحثا عن عمل أو فرصة للاسترزاق، أما سعيد القادم من تيارت، فهو عامل يخصص كل سنة مبلغا ماليا ليستمتع بعطلته في البحر، خاصة وأن جدته تقطن في وهران، وهذا ما يخفف عنه أعباء كراء منزل، من جهته قال رضا المنحدر من العاصمة، بأنه من هواة وعشاق البحر، و يعرف الساحل الجزائري من بدايته حتى نهايته، ولذلك فهو مدرك لقيمة عين الصافية، المنطقة السياحية الخلابة التي تحتاج فقط إلى قليل من الاستثمارات الجادة حتى تصبح قطبا هاما، كما أن تطوير السياحة حسبه، يجب أن يشمل أيضا تغيير سلوكيات المواطنين وتوفير الأمن.
ولعل أكثر ما يحبه المصطافون وزوار الشاطئ الذين قابلناهم، هو عذوبة مياه النبع وصلاحيتها للشرب، ناهيك عن موقعها القريب من البحر، ما يسمح لهم بالاستحمام وتنظيف أجسادهم من الرمل و الملح قبل المغادرة، وهو أمر لا يتوفر في كل الشواطئ، إضافة إلى أن مياه العين، مفيدة للكلى كما علمنا من بعضهم، و هي نظيفة جدا وصحية حالها حال عدد من الينابيع الصغيرة القريبة التي انفجرت مؤخرا من صخور الشاطئ و التي يمكن استغلالها في استخدامات متعددة. لاحظنا ونحن نهم بمغادرة المكان، بأن الحركية فيه لا تتوقف وأن فترات المساء لا تقل نشاطا واستقطابا للزوار عن الصباحات المشرقة الهادئة ولعل ذلك هو سر حب الكثيرين لعيون الترك و إقبالهم الدائم على شواطئها.

r بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى