تحولت أدوية صيدلانية مثل " الكورتيكوويد" و " الأنتيهيستامينيك" إلى خطر يهدد صحة شابات يستهلكنها عشوائيا للتخلص من النحافة، بعدما تحولت من  علاج لأعراض معينة كالحساسية و الربو، إلى وصفة لزيادة الوزن و الحصول على جسد ممتلئ في وقت وجيز، فيما يحذر صيادلة وأطباء من خطر هذه الممارسات ومن مغبة تعاطي الأودية دون دواع طبية.

بينت لنا جولة على مواقع التواصل الاجتماعي، و تحديدا عبر الصفحات والمجموعات التي تعنى بعلاج مشكل النحافة، بأن الكثير من الفتيات و من مختلف الشرائح العمرية، يشاركن منشورات عديدة للاستفسار عن وصفات أو أدوية تساعدهن على اكتساب كيلوغرامات إضافية في وقت قصير، للتخلص من النحافة الزائدة التي تؤثر على المظهر و تنعكس سلبا على النفسية، و الغريب أن غالبية الأجوبة و المقترحات على أسئلتهن، تأتي من سيدات أخريات ينصحنهن أحيانا بتناول أدوية صيدلانية معينة  تعتبر زيادة الوزن من بين آثارها الجانبية، مع التأكيد على أن النتائج مضمونة و تظهر في أقل من 10 أيام، وأن الوصفات التي يقترحنها لا  تضر بالصحة، و تبلغ الخطورة أحيانا درجة اقتراح وصفات مختلطة كمزج شراب الهيبتاجيل بقطرات من دواء " تابيتا"، أو مزج هيبتاجيل مع بعض الأعشاب.
و تشارك نساء تجاربهن مع هذه الوصفات بشكل واسع مبرزات مدى التطور الكبير والمبهر الذي ظهر على أجسامهن في فترات وجيزة، و يرفقن كلامهن بصور للأدوية الصيدلانية التي تناولنها والمقادير التي اعتمدنها و فترة الاستعمال، وهي بالعموم وصفات شائعة، يمكن إيجادها عن طريق محركات البحث و كذا قنوات اليوتيوب.
العرائس أكثر الضحايا
و تعد الفتيات المقبلات على الزواج أو العرائس، من أكثر الفئات هوسا بوصفات التسمين، و هو ما تبينه غالبية المنشورات المتعلقة بهذا الموضوع، إذ يؤكدن بأنهن يعانين نفسيا بسبب مشكل النحافة و يبحثن يائسات عن حل لها، قبل موعد الزفاف، لأجل الظهور بشكل أفضل و بأبهى حلة خاصة وأن الأزياء التقليدية الجزائرية تتطلب جسدا ممتلئا قليلا وهو ما أكدته بعض من تواصلن معهن.
وقالت أمال، وهي شابة في 28 من عمرها، إنها كانت تعاني من النحافة فوزنها لم يكن يتجاوز 50 كيلوغراما وطولها 1.65 مترا، ومع اقتراب موعد زفافها نصحتها قريبات لها بتناول خلطة للتسمين لاكتساب بعض الكيلوغرامات الزائدة حتى تظهر بمنظر لائق و تناسبها "التصديرة" ، و رغم تخوفها في البداية، إلا أنها بدأت فعليا في تناول خلطة مكونة من الأعشاب الطبيعية " حبوب السمسم و الحلبة و فول الصويا والحمص و بعض من معجون التين و كمية من دواء الهيبتال الذي يباع في الصيدليات، يتم استهلاكها بمعدل ثلاث مرات في اليوم لمدة شهرين.
وأضافت، الوصفة ساعدتها في الحصول على جسم ممتلئ خلال فترة قصيرة، وهو الأمر الذي أنساها التفكير في الآثار الجانبية وما إذا كانت الخلطة مضرة بالصحة أم لا ، مشيرة إلى أنها سألت في البداية عن تأثيرات الدواء، فأخبروها أن مفعوله ضعيف و كل ما يسببه هو النعاس، مضيفة أن مزج شراب الهيبتال في الخلطة، أدى إلى فتح شهيتها فأصبحت تتناول عدة وجبات متتالية في اليوم الواحد، نظرا لشعورها بالجوع في كل لحظة، إضافة إلى رغبتها في النوم.
من جانبها، قالت السيدة منى للنصر، أنها تناولت أدوية و مسمنات للحصول على جسم جذاب ممتلئ إرضاء لرغبة زوجها الذي كان غير راض عن نحافتها.
وتضيف منى، أنها بدأت في تناول الخلطات والأدوية المسمنة قبيل عرسها ببضعة أشهر، إذ قرأت عن الأمر على الفيسبوك، و وجدت وصفة معينة في منشور يتحدث عن فعالية بعض الأدوية و الخلطات، على غرار خلطة المسمنة الجاهزة التي تباع عند العطارين، و دوائي ديزاكروفيس  و سيبتادين المتوفرين في كل الصيدليات.
وتابعت قائلة، بأنها لم تعاني بعد ذلك من أية مشاكل صحية بل حصلت على نتيجة سريعة و اكتسبت وزنا إضافيا، مع ذلك فإنها متخوفة من التأثيرات التي قد تظهر على المدى البعيد، خاصة وأنها سمعت عن حالات لشابات ظهرت على أجسادهن بقع و خطوط حمراء و أخرى مائلة إلى الزرقة إلى جانب معاناتهن من احتباس الماء تحت الجلد و الإصابة بأمراض في العينين والكلى بسبب فرط الاستهلاك.
أصبت بخمول في الغدة الدرقية
أما زينب وهي شابة عشرينية، فقالت بأنها تشعر بندم كبير جراء تناولها لأدوية مسمنة إلى جانب خلطات كانت تشتريها من العطارة أو تطلبها من بعض الصفحات التي تنشط على موقع فيسبوك، و تبيع أنواع مختلفة من المسمنات في شكل بودرة أو تحاميل، لا تعرف مكوناتها على غرار المسمنة الصحراوية والأمريكية والرومانية وكذا مسمنة الحلبة، كما داومت على خلطة الأعشاب مع شراب الهيبتال لمدة مطولة.
وأوضحت المتحدثة، أن معاناتها من مشكلة النحافة سببت لها عقدا حقيقية خاصة خلال فترة المراهقة، و هو ما دفعها للبحث عن حلول سريعة، كانت لها نتائج مبهرة في البداية لكنها أضرت بصحتها لاحقا، وسببت لها خمولا في الغدة الدرقية إلى جانب احتباس الماء تحت الجلد، لدرجة أنها باتت ملزمة اليوم، بإتباع حمية للعودة إلى وزنها الطبيعي و الحفاظ على صحتها.
خطر إدمان  "الأونتيهيستامينيك"
قمنا خلال استطلاعنا، بزيارة بعض الصيدليات بمدينة قسنطينة، واستفسرنا عن الموضوع، فقالت صيدلانية، بأن هناك طلبا كبيرا من الفتيات على اختلاف أعمارهن على اقتناء الأدوية المسمنة دون وصفة طبية، بالأخص            الأدوية التي تحتوي على مادة" الأونتيهيستامين" مثل  " بيتا ميتازون" و"كيتوبروفان" و" سيبرودين"  و" سيبتادين"     و " هيبتاجيل"، إلى جانب " سوبرر أبيتي" و" سيليبتازون"      و  " لابيتا ميتازون" وغيرها.
وأكدت المتحدثة، أنها كثيرا ما تحذرهن من استعمالها لغير دواع طبية، خوفا من إمكانية إصابتهن بمضاعفات خطيرة وأنها عادة ما تنصحهن ببعض المكملات الطبيعية المستخلصة من الحلبة لفتح الشهية، لكنهن يرفضن ذلك متحججات بتجارب سابقا، مضيفة أن غالبيتهن مقبلات على الزواج.
ومن الأعراض الجانبية المترتبة عن تناول هذه الأدوية حسب الصيدلانية، مشكل الانتفاخ بين الجلد والعظم واحتباس الماء الذي قد يتعفن مع مرور الوقت ويتحول إلى مرض خطير، نظرا لصعوبة طرحه وفرزه من الجسد، ناهيك عن إمكانية الإصابة بفشل كلوي، إذ تحذر من مزج الأدوية المسمنة مع الأعشاب مثل الحلبة للحصول على نتيجة سريعة، مؤكدة أن معظم الخلطات والمسمنات التي تباع في الأسواق ليست طبيعية، بل تحتوي على كمية معينة من دواء  " الهيبتاجيل".
تناول " الكورتيكويد" لأسبوعين تهديد للصحة
وحسب صيدلانية أخرى، فإن هناك فتيات يتناولن             دوائي " الهيبتاجيل" و " البيرياكتين"، مع الأعشاب والمكسرات والتمر وحتى المسمنات لأجل الحصول على نتائج سريعة في ظرف أسبوعين، وهو أمر مقلق جدا، لأن هذه الأدوية عبارة عن " كورتيكويدات"، لا تقل خطورة عن " الأونتيهيستامينيك" الموجه لعلاج أمراض الحساسية والذي بدوره يعد فاتحا للشهية، ما يكسب مستهلكه كيلوغرامات إضافية في فترة قصيرة.
وأوضحت الصيدلية، أن مزج الأدوية مع الأعشاب وتناولها لفترة مطولة، يؤدي إلى حدوث مضاعفات لا تظهر على الجسد إلا بعد مدة، أين تجد المرأة نفسها بعد سنوات من الاستعمال مصابة بداء السكري أو الضغط الدموي ناهيك عن أمراض أخرى، مضيفة، أنه من الخطر استهلاك         " الكورتيكويد" لفترة تتعدى 14 يوما، فغالبية الأطباء يصفون هذا النوع من الأدوية للمرضى لما يقل عن 5 إلى 7  أيام عادة و قد يستمر ذلك إلى 15 يوما في حالات خاصة جدا.  
الأسعار سهلت الاستهلاك
و ما سهل من استهلاك هذه الأدوية، هو عدم وجود قوانين صارمة تمنع بيعها دون وصفة طبية كما أشارت إليه، إلى جانب أسعارها الزهيدة التي لا تتعدى 320 دينارا، ما جعلها في متناول الجميع.
ووقفت النصر، خلال جولتها على أسعار بعض الأدوية المسمنة من حبوب أو شراب، إذ يباع دواء " موديستامين" مثلا بسعر 199.95 دينارا و يباع دواء " سيليتازون"      بـ 320 دينارا، مقابل 320 دينارا لدواء " بيتابيو"            و  131.51 دينارا لدواء " هيبتال" و 250 دينارا لدواء    " سوبر أبيتي".
* الطبيبة العامة جهينة طويجن
الاستعمال العشوائي للأدوية له نتائج وخيمة

تؤكد الطبيبة العامة جهينة طويجن أنه من الخطأ تعاطي الأدوية الصيدلانية دون استشارة أو وصفة، لأن الطبيب هو الوحيد القادر على تحديد استعمالاتها كونه يعرف مركباتها و نتائجها و مضاعفاتها، مضيفة، أنه لجميع الأدوية تأثيرات جانبية على المستهلك، يمكن أن تظهر على المدى القريب أو البعيد و تختلف من إنسان إلى آخر    و قد لا تتضح إلا بعد التحاليل.
وتضيف الطبيبة، أنه توجد أدوية صيدلانية معينة تفتح الشهية وتزيد الوزن، لكنها لا يجب أن تستهلك إلا بوصفة طبية حيث حذرت الصيادلة " من وصفها كحل للنحافة" .
ومن بين الأدوية المتداولة و بكثرة و التي تحذر منها كذلك، مركبات " الأونتيهيستامينيك" الخاصة بعلاج أعراض الحساسية التنفسية والجلدية وأمراض الربو، والتي يسبب الإكثار منها شعورا بالتعب ورغبة في النوم، إذ تزيد الوزن لأنها تقلل من الحركة والنشاط، وحسب الطبيبة، فإن هذا النوع من الأدوية، يؤثر على مراكز الشبع الموجودة في الدماغ وينقص الإحساس به ما يسبب الشراهة، مضيفة أن الجسم يحتوي على " الإيستامين" الذي يجعل الإنسان يشعر بالشبع لكن شرب الأدوية يحدث تأثيرا عكسيا.
وقالت، إن بعض المراهقات يتناولن الكورتيزون أو          " الكورتيكويد" لأجل السمنة، وهو أمر خطير جدا، لأنها مادة لا تستعمل عشوائيا و دون متابعة طبية، كونها مخصصة لعلاج الربو والحساسية الحادة وغيرها من الأمراض، ويكون استهلاكها مشروطا بتعديل الغذاء والتقليل من كمية الملح و مضاعفة الحركة.
وأوضحت الطبيبة، أن هذه الأدوية من الممكن أن تتسبب في ظهور خطوط بالجسم يصعب اختفاؤها فيما بعد إلى جانب بقع زرقاء  و بثور على مستوى الوجه، كما تجعل البشرة ضعيفة وحساسة، وقالت إن هذه الزيادة في الوزن ما هي إلا انتفاخ ناجم عن احتباس الماء الخاص بالأملاح و تآكل العضلة، كما أن الاستعمال المفرط للأدوية يؤدي حسبها، إلى ضعف المناعة و تزايد الالتهابات، مع بعض الأمراض الأخرى التي من الممكن أن تصيب القلب والمعدة والغدة الكظرية و انسداد الأوعية الدموية وهشاشة العظام، و نمو الشعر بكثرة في الوجه بفعل الاختلالات الهرمونية، زيادة على تساقط الشعر و إمكانية إصابة المرأة بالعقم، وهذا كله بسبب غياب الوعي بالأخطار المترتبة عن الاستهلاك العشوائي.  
رميساء جبيل

الرجوع إلى الأعلى