بدأت  «فيديوهات الترند» التي توفرها تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام الشباب وكذا المراهقين  بالجزائر في الآونة الأخيرة،  وذلك بعد رواجها وسط الفنانين و المشاهير وصناع المحتوى، الذين يقومون بتقليد أي تحد شائع وإعادة نشره على صفحاتهم دون الاهتمام بتداعياته و سلبياته، وهو ما يحذر منه المختصون.

ويعرف الترند على وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه موجة من الاهتمام بخبر أو  صورة أو  فيديو أو قضية يتحدث عنها  الجميع بالسلب أو الإيجاب، بالتأييد أو الرفض، حيث يمكن الوصول بسهولة إلى أعلى ترند على فيسبوك مثلا، من خلال متابعة الترندات الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال تصفح غوغل ترند،  الذي يتيح للمستخدمين معرفة أكثر الموضوعات من حيث البحث و التداول.
ترندات عنيفة
في الجزائر، يلاحظ استخدام واسع  لفيديوهات  الترند، وسط  الشباب والمراهقين فالعديد من المقاطع المصورة المنتشرة على تطبيقات الإنترنت وخصوصا على منصة « تيك توك» كشفت التقليد الأعمى لأي فيديو  ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي،  وهو ما أفرز سلوكيات متطرفة حتى بين الراشدين، فعلى سبيل المثال انتشر مؤخرا ترند غريب   تحت مسمى « ترند المدرسة»، أين  يقوم التلاميذ بمقلب الإغماء  فجأة أمام الأستاذ أو عند الصعود إلى المنصة   الأمر الذي أثار استياء  رواد السوشل ميديا، و اعتبر تعديا على قوانين الانضباط في المؤسسة التعليمية،  تقليلا من احترام المدرسين.
و انتشر في نفس الفترة تحد ثان، هو «الخنق»، إذ يقوم تلميذ بخنق زميل له، و يتحداه ليصمد لأطول فترة ممكنة كي يشعر بأحاسيس قوية أو يفقد وعيه، و يفوز في التحدي من يتمكن من كبت نفسه لمدة أطول مقارنة بالآخرين.
 وبعد زيادة عدد الفيديوهات التي تصوّر هذا التحدي العنيف انتقد مستخدمون خطورته و اعتبر سلوكا غير سوي بل وعدوانيا أيضا، و ذلك لما له من تأثيرات خطيرة على التلاميذ، إذ يشجع الجنوح نحو العنف و قد يكون سببا في وفاة أحدهم كذلك.
ومن أكثر التحديات خطورة و انتشارا حاليا،  ترند «بيرد بوكس» ، الذي  يقوم فيه  أشخاص بتقليد لقطة من أحد الأفلام الشهيرة للنجمة العالمية ساندرا بولوك، وذلك من خلال تعصيب العينين والسير على المرتفعات أو الأماكن الوعرة على الدراجات الهوائية، وقد تسبب هذا الترند في إصابة  الكثيرين  عبر العالم.
ويقوم  هؤلاء المستخدمون بمشاركة الترند، من خلال ترشيح آخرين لخوض التحديات و إن رفض أحدهم القبول بها يوصف بالفاشل أو ينظر إليه على أنه كائن غريب عن الجيل،  فيما يسعد آخرون لاختيارهم لأجل خوض التحديات و يجدون في ذلك شعورا بالأهمية و فرصة للانتشار و الشهرة السريعة، و عليه يسارعون إلى تطبيق المطلوب منهم و تصوير المشهد و نشر الفيديو على مواقع التواصل، وهو ما يزيد من انتشار الترند و اتساع رقعته.
وقد أفرزت ظاهرة تقليد  فيديوهات «الترندينغ»،  فئة جديدة من الأشخاص الذين ينساقون خلف الموجة دون التفكير في عواقب ما يقومون به، و هو ما يعتبره البعض تسطيحا للوعي و نشرا للتفاهة ومحاولة لتوجيه الجمهور كقطيع يتقبل كل ما يقدم إليه من محتوى دون تفكير، كنوع من البرمجة العصبية للمستهلكين.
ترند إيجابي
ورغم أن نسبة كبيرة من الترندات الشائعة سطحية و غير هادفة، إلا أن هناك صناع محتوى يحاولون السباحة عكس التيار، و يقدمون فيديوهات و يقترحون تحديات إيجابية ذات بعد تعليمي أو تثقيفي أو إنساني، على غرار مساعدة محتاج أو  تجريد متشرد من ملابسه و تنظيفه و حلق شعره  وتحويله إلى شخص أفضل، فضلا عن ترك رسالة جميلة و محفزة لشخص ما، على زجاج سيارته وتصوير ردة فعله بعد رؤيتها و نشر المقطع.
* أستاذ علم الاجتماع عبد السلام فيلالي
الترند انعكاس لنظريات توجيه الحشد
 يرى  المختص في علم الاجتماع عبد السلام فيلالي، بأن البحث عن الاهتمام الافتراضي و القبول في هذا العالم، هو الدافع الأساسي وراء توجه المراهقين و الشباب نحو الترويج لأنفسهم، من خلال الظهور في فيديوهات و تقليد كل ما ينشره المشاهير بحثا عن الشهرة أو من أجل ركوب الموجة فقط مشيرا، إلى أنه  لا يجب إغفال عوامل أخرى تلعب دورا في انتشار مثل هذه السلوكيات، على غرار عامل انفتاح المجتمع على مواقع التواصل الاجتماعي، التي  أصبحت جزءا مهما من الحياة اليومية لكثير من الأشخاص، علما أن هؤلاء يتأثرون بكل ما ينشر عبره و يعتمدون على الترند في تحديد نمط حياتهم، خصوصا ما يتعلق باختيار الملابس و نوع الموسيقى و الأماكن التي يجب زيارتها وما إلى ذلك.
وأوضح  المختص، أن الخطورة تكمن في استخدام و توظيف هذه الترندات لنشر سلوكيات خاطئة وقد تحول الأشخاص العادين إلى مجرد متابعين مهووسين بأعداد المتابعين و حجم المتابعة و اتجاهات الترند، التي تتحكم في الحشود و هي نظريات مدروسة.
ويضيف الباحث في علم الاجتماع، أن مشاهدة الصور و الفيديوهات مهما كان نوعها، تساهم في تكوين شخصية المراهق و بناء خلفيته و التأثير في طريقة تفكيره  كما تعوده على الانطواء و العزلة الرقمية، مما يجعل المراهقين قليلي الكلام والتفاعل مع بقية أفراد العائلة فبعضهم  حسبه، لا يجدون راحتهم إلا في العالم الافتراضي مما يستوجب انتباه الأولياء و الحذر من التبعات النفسية والعقلية للأمر.
و أكد عبد السلام فيلالي، أن  ظاهرة ركوب موجة الترند الآن، لم تعد حكراً على فئة ما أو جهة معينة، بل أصبحت هذه التقنية الحديثة، متغلغلة في تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة، وتحوّل الاهتمام بها وملاحقتها إلى هوس لا يمكن مقاومته مضيفا، في ذات السياق، بأن المراهقين الأصغر  سنا على سبيل المثال، أكثر عرضة للتأثر بأفعال أقرانهم وقراراتهم ويرغبون  في تكرارها واستنساخها.
وقال، إن  الفرد في وقتنا الحالي أصبح يميل أكثر إلى التواجد في العالم الافتراضي وعيش حياة غير واقعية      من خلال تقمص  شخصيات وهمية غير مرتبطة  بالواقع المعيش كثير المشاكل و الضغوطات، أين يواجه الفرد الرفض أو الإقصاء.
وذكر ، أن تداعيات الترند تتمثل في إمكانية تعريض  حياة الأشخاص الذين يقومون بتقليد الفيديوهات إلى الخطر،  وذلك بسبب جهلهم بالعواقب الوخيمة لما يقومون به من تحديات ومدى حقيقة تلك المقاطع التي يمكن أن تكون مزيفة، مؤكدا  أن التحديات تستهدف الإثارة و الخطورة أكثر من المتعة والتسلية.  
ويرى المتحدث، أن الحل هو مراقبة ما يقوم به الأبناء بشكل دائم و الاعتماد كثيرا على  الحوار، لأنه أفضل وسلة للتفاهم و التواصل البناء بين المراهقين وذويهم خصوصا خاصة وأن المراهق يكون أكثر ميلا في هذه المرحلة العمرية، إلى العزلة و إخفاء ما يدور في رأسه من أفكار، وهنا يزيد خطر العالم الافتراضي بكل ما يقدمه من إغراءات.
 وأكد من جانب آخر، بأن مثل هذه الظواهر حتى و إن اتسع تأثيرها، إلا أن التحكم فيها و معالجتها يكون على مستوى العائلة والمحيط الضيق، لأنه يصعب تقنينها أو الحد منها عن طريق المؤسسات الاجتماعية.                                   
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى