أكد باحثون في الإعلام و القانون وعلم النفس الإجرامي، بأن تطور الجريمة الإلكترونية، في خضم التحولات التكنولوجية وكذا الجيوسياسية الحالية، يوجب  على الجزائر، تأمين أنظمتها المعلوماتية ومواكبة التطورات الرقمية لمجابهة كافة أشكال الجرائم الرقمية، من خلال استحداث تطبيقات حماية جزائرية و تحصين النظم المعلوماتية في شتى القطاعات الحيوية، و وضع إطار قانوني لنظام الإخبار والتبليغ والبحث في مجال الجريمة السيبرانية بما يراعي خصوصية المجتمع الثقافية والاجتماعية واللغوية.

 رميساء جبيل

* أستاذ علم النفس الإجرامي الدكتور لعزازقة حمزة
وجوب التنسيق و استحداث كيان يقظة سيبراني
 يرى أستاذ علم النفس الإجرامي بجامعة سطيف 2  الدكتور حمزة لعزازقة، أن جرائم الفضاء السيبراني، تعتبر نوعا مستحدثا من الجرائم التي تشبه إلى حد كبير جرائم الياقات البيضاء، المرتكبة من طرف مجرمين لديهم مستوى تقني عال وكفاءة في التخطيط والتنفيذ، تجنبهم الوقوع في قبضة السلطات الأمنية.
وقال، أن التطور التكنولوجي قد ضاعف من هذه الظاهرة، نظرا لاستغلال الشبكات الإجرامية للفضاء السيبراني و توظيفه بقوة في زيادة رقعة النشاط والبحث عن فضاءات جديدة، لترويج وتجنيد عناصر إجرامية، خصوصا وأن الانترنت تختصر المكان والزمان وتضمن السرية وسهولة الإفلات من المراقبة بالتخفي والتستر، وهي الميزة التي يبحث عنها غالبية المجرمين للتملص من العدالة.
ويضيف المتحدث، أن الجريمة السيبرانية هي مصطلح عام وشامل يشير إلى الجرائم المرتكبة باستخدام أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، ويمكن تعريفها عمومًا على أنها فئة فرعية من جرائم الكمبيوتر، أو الانتهاكات المرتكبة باستخدام الإنترنت أو شبكة كمبيوتر أخرى كعنصر من عناصر الجريمة، موضحا         أن المجلس الأوروبي لمكافحة الجرائم السيبرانية و في سياق معاهدة بودابست 2001، عرفها على أنها جرائم تمس بسلامة المعلومات والبرامج و تعنى باختراق الكمبيوتر، ومنها ما يتعلق بالمحتوى، إلى جانب الجرائم التي تتعلق بانتهاك الملكية.
كما أفاد لعزازقة، بأن المجرم السيبراني يتمتع بقدرات ومهارات تقنية جد فائقة يستخدمها في تنفيذ مخططاته الإجرامية، لاختراق الشبكات وكلمات المرور وفك رموز التشفير، كما يتمتع بدرجة عالية من الحضور الافتراضي والغوص في الفضاء الرقمي، ما يسمح له بالاطلاع على البيانات والمعطيات المتوفرة في الشبكة لتحقيق مخططاته، ولديه تواتر في ارتكاب الجريمة، فهو عائد ومتعود دوما عليها حتى أنه لا يحقق الاختراق بهدف الإيذاء وإنما نتيجة إحساسه الكبير بالتفوق وقدرته اللا متناهية على الاختراق.
وقال، إن مكافحة هذا النوع من الجرائم يتطلب خلق قنوات تنسيق وتفاعل وتكامل بين مختلف القطاعات السياسية والأكاديمية والأمنية وحتى الاقتصادية والاجتماعية، مع تحديث المعارف والاستراتيجيات، إلى جانب استحداث كيان يقظة سيبرانية متعدد التخصصات وفق مبدأ الكفاءة و الخبرة، و وضع إطار تنظيمي قانوني لنظام الإخبار والتبليغ والبحث في مجال الجريمة السيبرانية، مع إجراء بحوث أكاديمية عن الجريمة و الدفاع والصمود السيبرانيين، وكذا إطلاق حملات تحسيس وتوعية للعاملين في مجال الفضاء السيبراني حول التهديدات المستحدثة، ناهيك عن تعديل النصوص القانونية الخاصة بالجرائم السيبرانية وفق ما يرد من مستجدات على الساحة المحلية والدولية، وتصميم تطبيقات حماية و أمن سيبراني جزائرية تراعي خصوصية المجتمع الثقافية والاجتماعية واللغوية مع تبني المقاربة التكاملية الانتقائية في تصميم استراتيجيات و السياسات الدفاعية والوقائية للأمن السيبراني، وإدراج الجنائية السيبرانية ضمن المحاور الكبرى للبحث الوطني.

* المختصة في القانون سعيدة بوزنون
جريمة مستحدثة لدى المشرّع الجزائري
قالت من جانبها، المختصة في قانون العقوبات والعلوم الجنائية الدكتورة سعيدة  بوزنون، وهي أستاذة محاضرة « أ» في كلية الحقوق بجامعة قسنطينة 1، أن   الجريمة الإلكترونية الواقعة في الفضاء السيبيراني، هي إحدى الجرائم المستحدثة في التشريع الجزائري التي لم ينتبه إليها إلا بعد سنة 2004، ليشرع في تعديل قانون العقوبات و يدرج في نصوصه القانونية نص الجريمة الإلكترونية، على اعتبار أنها من الجرائم المنظمة خصوصا في حالة تجاوزت تأثيراتها حدود الدولة الجزائرية.
وتضيف المتحدثة، أن هذه الجرائم التي تجرى حيثياتها على مستوى الفضاء الرقمي، يصعب فيها تطبيق النصوص القانونية التقليدية باختلاف أنواعها وأشكالها، ففي البداية ركز المشرع على أفعال سرقة المعطيات والبيانات والمعلومات الرقمية تحت مسمى « القرصنة الالكترونية»، لكن مع الوقت وتطور الأزمنة تجاوزت الجرائم الإلكترونية حدود  القرصنة، لتصبح فضاء واسعا وأرضية خصبة لممارسة شتى أنواع الجرائم التقليدية بأدوات تقنية إلكترونية حيث ظهرت « السرقة الإلكترونية و التحرش الإلكتروني والابتزاز الإلكتروني».
وتؤكد بوزنون، أنه نظرا لظهور هذه الأشكال المستحدثة من الجرائم الإلكترونية فقد أصدر المشرع قانون 09-04 المتعلق بتكنولوجيا الإعلام والاتصال والجرائم المتصلة بها، ليصدر مادة تحيط بهذه الجرائم وأسبابها و وضع آليات فعالة لمكافحتها، خاصة ما يتعدى حريات الأشخاص وحياتهم الخاصة، قائلة، أنه تم استحداث أجهزة تصدي كالتفتيش الالكتروني والشرطة العلمية، كما أضافت أن المشرع قد اعترف بالدليل الرقمي كوسيلة من وسائل إثبات الجريمة إلى جانب اعتبار المعلومة « مالا منقولا» يستحق الحماية.

* أستاذة الإعلام والاتصال أحلام كيحل
تأمين المعلومات ضرورة حتمية
ترى أستاذة التكنولوجيا الجديدة للإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة 3 الدكتورة أحلام كيحل، أن الثورة الرقمية وما واكبها من تطورات تكنولوجية وتقنية خلال العقدين الأخيرين، قد أدت إلى تنامي استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتغلغلها بشكل لافت داخل البنى والأنساق المجتمعية، حيث تعيش معظم المجتمعات الإنسانية تحولا معلوماتيا ومعرفيا غير مسبوق، يتسم بالاستخدام المتزايد لتكنولوجيا المعلومات و الاتصالات في شتى مناحي الحياة، حيث تحولت المعلومات إلى ركائز أساسية، تقوم عليها اقتصاديات الدول التي تستند بدورها على القوى الذهنية وحروب المجتمع المعلوماتي في ظل البيئة السيبرانية الحالية.
فالحركية المعلوماتية الواسعة التي بات يشهدها الفضاء السيبراني على الصعيد العالمي أفرزت تحولات بينية سواء على مستوى العلاقات الدولية أو على مستوى هيكلة البنى التحتية للمعلومات، ما انعكس بشكل آلي تلقائي على النظام الدولي العالمي، الذي بات يشهد مخاطر وتهديدات أمنية تطال الأمن والاستقرار القومي للدول، الأمر الذي تحول بموجبه تأمين المعلومات وتحصين النظم المعلوماتية في شتى القطاعات الحيوية، إلى ضرورة وحتمية تكنولوجية وأمنية لا مناص منها.
وترى كيحل، بأن ظهور الجريمة الإلكترونية يرتبط بتطور الحاسبات الإلكترونية وشبكات المعلومات والاتصالات أين تزايدت ظاهرة الاختراق السريع للانترنت والاعتداء على مختلف أشكال المنتجات المعلوماتية واستنساخها وتوزيعها عبر أشكال رقمية عديدة دون إذن أو تصريح من أصحابها القانونيين، كأحد أساليب الاعتداء على أمن المعلومات والانتهاك لحقوق الملكية الفكرية ، حيث تحولت إلى واحدة من التهديدات الكبرى التي تطال الأمن المعلوماتي وإلى هاجس وتهديد يعبث بأمن الدول والمجتمعات، بهدف المساس بسرية المعلومات والبيانات وتضبيط فعاليتها ومدى كفاءتها.
كما أضافت المتحدثة، أن الجزائر وفي خضم التحولات التكنولوجية وكذا الجيوسياسية الحالية مطالبة بتأمين أنظمتها المعلوماتية ومواكبة التطورات الرقمية لمجابهة كافة أشكال الجرائم الإلكترونية من خلال تسطير سياسات جنائية فاعلة لردع كل أشكال التهديد والقرصنة المعلوماتية التي تهدد أمنها المعلوماتي، والتي ترتكز على مزيج من التدابير القانونية والآليات التقنية إلى جانب تسطير سياسات معلوماتية مدروسة بتفعيل النص القانوني والعمل على سد الفراغ التشريعي المتعلق بالجرائم المعلوماتية سيما التي تشمل القرصنة الإلكترونية.
فقد تطرق المشرع الجزائري بموجب قانون العقوبات الجزائري إلى تجريم الأفعال الماسة بأنظمة الحاسب الآلي، كما استدرك المشرع في السنوات الأخيرة ولو نسبيا الفراغ القانوني في مجال الجريمة الإلكترونية، ليصدر سنة 2009 القانون 01-09 الذي يتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال ومكافحتها، والملاحظ من خلال ما تم التطرق له ورغم أهمية نص المواد التي جاء بها قانون العقوبات الجزائري لردع القرصنة الالكترونية وكذا كل أشكال الجرائم المعلوماتية الأخرى التي يمكن تصنيفها على أنها عمليات قرصنه واختراق للأنظمة المعلوماتية إلا أن السياسة الجنائية المعاصرة لردع هذا النوع من الجرائم لم تعد تقتضي تفعيل الجانب القانوني بشقه التشريعي والجزائي وإنما لابد من أن تشتمل أيضا على قواعد إجرائية وقائية وتحفظية تتيح تفادي وقوع جرائم القرصنة الالكترونية أو على الأقل الكشف عنها بشكل استباقي يسمح بتدارك مخاطرها .
وأشارت إلى اعتماد ضوابط وآليات تقنية تساعد بشكل كبير في الحد من القرصنة الإلكترونية، حيث تستخدم هذه الضوابط في جل العمليات المتعلقة بالاطلاع على المضامين وتبادلها حماية لحقوق المؤلفين والمستخدمين، ومن بينها أنظمة الوشم التي تستخدم لتوثيق وتأكيد وتوصيل المعلومات في الوسائط الرقمية، وتقنية التشفير التي تعتمد على وسائل خاصة لتحويل المعلومات بهدف إخفاء محتوياتها ومنع تعديلها، وكذا النظم الموثوقة التي تعد نوعا آخر من نظم الحماية حيث تعزز حماية المحتوى وإشراك كل من البرمجيات والمعدات في عملية التحكم في تسيير المحتويات عن طريق بناء سمات أمنية مثل التوقيعات التشفيرية في الحواسيب الشخصية، إلا أن هذا الحل يمكن أن يؤدي إلى فقدان المستخدمين السيطرة على أجهزتهم رغم أنه يوفر حماية أكبر لحقوق الملكية الفكرية، وتدابير مراقبة الدخول حيث يشمل هذا النوع من التدابير العمليات التي يمكن للمستعملين تنفيذها، وتدابير مراقبة الحقوق حيث يشمل هذا النوع من التدابير التركيز على المستعملين الذين يملكون أحقية الوصول إلى المحتوى دون غيرهم، ونظم تعريف المحتوى.
وشددت الباحثة، على أهمية العمل على تغيير السلوك الاجتماعي فالقرصنة الإلكترونية موجودة لأن الأفراد ينخرطون في ممارساتها حسبها، إذ يتوجب تشجيع المستخدمين على تحصيل المحتويات بطرق قانونية من خلال التحسيس ونشر الوعي المعلوماتي، مع تسطير سياسات حكومية في المجال المعلوماتي والتي من شأنها دعم الابتكار التكنولوجي في مجال مكافحة القرصنة الإلكترونية فالابتكار هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي والإنتاجية، كما يعد ميكانيزما فاعلا لمجابهة الجرائم المعلوماتية المختلفة عبر إنشاء الهياكل والهيئات المختصة في مكافحة الجرائم المعلوماتية وكذا العمل على تكوين العنصر البشري في هذا المجال.

الرجوع إلى الأعلى