يعتبر حمام «سيدي قاسم»، أو كما يحلو لسكان المنطقة تسميته «العوينة»، و الواقع ببلدية واد العثمانية، في الجنوب الشرقي لولاية ميلة، مقصدا لكثير من الشباب وهواة الطبيعة من مختلف ولايات الوطن خاصة خلال فصل الشتاء، لأجل الاستحمام في حوضه المائي المعدني المفتوح على الهواء الطلق و المحاط بمناظر طبيعية خلابة.

يتداول رواد مواقع التواصل كل شتاء، صورا و فيديوهات كثيرة للحمام، يظهر فيها شباب يسبحون في مياه الحوض المعدني وسط طبيعة بديعة تميزها جبال تحيط به كحصن منيع، وهو ما ضاعف الإقبال عليه هذه السنة، خصوصا مع تهاطل الثلوج بكميات معتبرة على المنطقة، و بالرغم من شح المرافق و تغير شكل الحوض ولون المياه بسب تدخل عشوائي لتوسعته واستغلاله، إلا أن الحمام لا يزال مركز جذب سياحي للكثير من أبناء الشرق الذين يجدون متعة كبيرة، في السباحة في مياه الحوض الدافئة طبيعيا، حيث يتضاعف الاستقطاب خلال تساقط الأمطار و الثلوج.
أشغال عشوائية شوهت صورة البركة
النصر، تنقلت إلى بلدية واد العثمانية التي تبعد عن عاصمة ولاية ميلة بحوالي 37 كيلومترا، للوقوف على حجم الاستقطاب، وقد لاحظنا بمجرد وصولنا إلى المكان في حدود الساعة الثالثة زوالا، عددا معتبرا من  السيارات بترقيمات تشمل معظم الولايات الشرقية، بما في ذلك سكيكدة و سطيف و جيجل، شد انتباهنا أيضا  التغير الكبير الذي طرأ على «البركة»، والذي علمنا من خلال استطلاعنا، بأن سببه هو تدخل عشوائي قام به مواطن دون ترخيص، لأجل توسيع رقعة الحوض و استغلاله سياحيا.
و رغم برودة الجو وتساقط الأمطار بغزارة، ناهيك عن نقص فضاءات الاستقبال و الاستجمام، إلا أن الإقبال كان كبيرا من طرف شباب جاؤوا للتمتع بالمياه المتدفقة من جبل»قروز» والتي تحتوي على عناصر معدنية تساعد على الشفاء من بعض الأمراض، كما هو شائع بين السكان.
مشكل النقل العائق الأكبر
يبعث التواجد في منطقة قروز على الراحة، خاصة وأن الطبيعة جبلية و عذراء، مع ذلك فإن الوصول إليها صعب نوعا ما بسبب قلة وسائل النقل، كنا قد استقلينا الحافلة لنقصد وجهتنا، وعند وصولنا إلى محطة الحافلات سألنا مجموعة من المواطنين عن الطريق نحو الحمام، فاتضح بأن كثيرا منهم لا يعرفون طريقة الوصول إليه، فتوجهنا إلى الشارع الرئيسي في المدينة لأجل سؤال مواطنين آخرين، خاصة في ظل غياب لافتة أو إشارة تدل على وجوده من الأساس.
قال أحدهم، بأنه لا وجود لخط نقل مباشر نحو المنطقة الحموية، لكن الوصول إليها ليس صعبا جدا، بل يستغرق حوالي 10 دقائق مشيا على الأقدام، وأضاف أنه بإمكاننا الاستدلال على الطريق بتفعيل تطبيق «غوغل ماب» وكتابة منطقة «العوينة»، فاتبعنا الخارطة الرقمية كما نصحنا، لكن الوصول إلى الوجهة المطلوبة استغرق حوالي 20 دقيقة وليس 10 كما أخبرنا، مع ذلك فإن جمال المكان كان بديعا وقد أنسانا عناء المشي، حيث غطت الأشجار الخضراء التي تعانق زرقة السماء المنطقة و كان الهدوء طاغيا.
عندما بلغنا مقصدنا، وجدنا مجموعة من الشباب يهمون بالخروج من «البركة المائية» كان عددهم حوالي ثمانية أفراد علما من حديثنا إليهم، بأنهم ينحدرون من ولايات مختلفة على غرار سكيكدة و بومرداس والبليدة،  وبأنهم طلبة بجامعة قسنطينة 03.
 سألناهم عن رحلتهم، فقالوا، إنهم  شاهدوا فيديوهات وصورا عن منطقة العوينة، على مواقع التواصل الاجتماعي و انبهروا بروعتها، فقرروا المجيئ فعليا و استكشاف المكان وخوض تجربة السباحة في البركة المائية المفتوحة على الطبيعة والاستمتاع بمياهها الدافئة وسط الطبيعة و الجو الشتوي الرائع، وأضافوا بأنهم لا يملكون سيارة ومع ذلك تحملوا مشقة التنقل وما يتطلبه ذلك من استخدام لعدد من الحافلات لأجل بلوغ مبتغاهم.
أخبرنا فادي ابن ولاية سكيكدة، بأنه أحب المنطقة، لكنه شعر ببعض الخيبة لأن البركة لم تكن بالصفاء الذي ظهرت عليه في الفيديوهات، لكن الأمر لم يمنعه من الاستحمام والتمتع بالمياه الدافئة والتقاط الصور داخل الحوض الطبيعي، مؤكدا نيته في العودة مجددا، داعيا السلطات إلى استغلال المنطقة سياحيا و توفير المتطلبات الضرورية لتحقيق استقطاب أكبر عن طريق تشجيع الاستثمار فيها.
مياه بمنافع صحية
قابلنا خلال جولتنا أيضا، أحد سكان المنطقة واسمه أسامة ويبلغ من العمر 28 ربيعا ، أخبرنا بأن حمام «سيدي قاسم» أو كما يطلقون عليه «العوينة»، الموجود بجانب جبل قروز و المحاذي لواد الرمال، يعتبر من أقدم الحمامات الطبيعية بالمنطقة ويقصده أناس من داخل وخارج الولاية، لأنه يحتوي على كثير من الفوائد الصحية التي تساعد على علاج مرضي العظام والمفاصل والكثير من الأمراض، بالإضافة إلى روعة الحوض في حد ذاته وموقعه الجغرافي الذي يستهوي الكثير من عشاق الطبيعة سنويا، خاصة في فصل الشتاء عند تساقط الثلوج، أين يكتسي المكان حلة بيضاء ناصعة و يصبح أشبه بجنة صغيرة تحيط بها الجبال. وحسب محدثنا، فإن العجيب في الحمام هو مياهه المعتدلة التي تحافظ على حرارتها في كل الفصول، وأضاف  بأن أحد مستغلي الحمام أراد توسعته و إعادة تهيئته مؤخرا، فقام بنزع مجموعة من الصخور التي كانت بداخل الحوض ليزيد حجمه كما أضاف كميات من الرمل للبركة بهدف الحد من مشكل الوحل، لكن الأشغال جاءت بنتائج عكسية و تسببت في  تغير  لون المياه التي تراجع صفاؤها.
من جانبهما، قال لنا إسلام ومولود القادمان من ولاية جيجل بأنهما قصدا واد العثمانية، خصيصا لزيارة الحمام و عيش تجربة مشابهة لتلك التي شاهداها على مواقع التواصل مؤخرا حينما وقعا على مقطع مصور لشباب يستمتعون بمياه الحوض وسط الثلوج وأضافا، بأنهما زارا العديد من الحمامات عبر الوطن لكن «بركة العوينة» سحرتهما بفضل موقعها الجغرافي الفريد وقالا، إن مثل هذه المناطق تستحق الاهتمام و الاستثمار، لما تتميز به من مقومات طبيعية كبيرة، بإمكانها تطوير السياحة الحموية والطبيعية، داعيين المواطنيين إلى التحلي بالوعي و تجنب تخريب مثل هذه المناطق و الحفاظ على البيئة، لأنها تعد مستقبل الاقتصاد السياحي و يمكن لاستغلالها بشكل صحيح أن يوفر مناصب شغل كثير.
* رئيس بلدية واد العثمانية
لم نرخص لأية أشغال على مستوى الحمام
و أوضح رئيس بلدية واد العثمانية، سامي بن حافظ، في تصريح للنصر، بأن جل الأشغال و التدخلات التي تمت على مستوى حمام سيدي قاسم، كانت عشوائية من طرف أناس يسيرونه بدون أوراق قانونية منذ سنوات عديدة، و قال إن الحمام يعتبر من أقدم الحمامات بالمنطقة، وقد عقد لأجله  مؤخرا، اجتماع مع مسؤولي أملاك الدولة و مديرية السياحة بهدف دراسة إمكانية إسناد مهمة تسييره إلى مصالح البلدية  أو منح حق استغلاله بشكل قانوني ومنظم لأحد المستثمرين الخواص.
وأكد المتحدث، بأن الموقع الجغرافي للحمام تابع لأملاك الدولة، و أن مصالحه تسعى لاسترجاعه و تنظيم عملية استغلاله بشكل مناسب، فضلا عن تهيئته لاستقبال الزوار خاصة وأنه يتمتع بموقع جغرافي مهم ويحوز على مقومات كبيرة من شأنها تنشيط السياحة الحموية بالمنطقة، حيث  تشهد المنطقة هذه الأيام، إقبالا كبيرا من طرف شباب من مختلف ولايات الوطن، بالرغم من نقص فضاءات الراحة والاستقبال.
مكي بوغابة

الرجوع إلى الأعلى