أطلقت أسماء رفقة زوجها رفيق، مطلع السنة الجارية مشروعا من نوع خاص بجيجل، حيث أنشآ معا أول وكالة سيارات نقل « طاكسي»، مخصصة للنساء فقط وهو حلم قالت أسماء، بأنها سعت طويلا لأجل تحقيقه  و قد لقي المشروع نجاحا كبيرا و تفاعلا إيجابيا و إقبالا منقطعا، خاصة وأن  السائقات نساء و الزبونات سيدات أيضا.

ك: طويل

حلم تحقق بفضل التحدي
سيارات زهرية صغيرة، تحمل علامة « طاكسي» تقودها سيدات،  صنعت الحدث مؤخرا في شوارع مدينة جيجل، بعدما ساهمت في تدعيم حظيرة النقل بشكل نوعي ومختلف، هو مشروع خاص لسيدة وزوجها قررا  توفير خدمة جديدة موجهة إلى النساء، عن طريق استحداث وكالة للنقل عن طريق السيارات أطلقا عليها اسم « سدين».
تنقلنا إلى مقر الوكالة، لنقابل أصحابها و نتحدث عن فكرة المشروع و واقع النشاط ميدانيا، خاصة وأن الأمر يتعلق بسابقة في الولاية. كان أول ما شد نظرنا عند وصولنا إلى العنوان المطلوب هو  عدد من السيارات الصغيرة الزهرية المركونة عند المدخل، كان رفيق و زوجته في استقبالنا، وقد بدا عليهما الانسجام وهي أجواء عائلية لاحظناها داخل مقر العمل وبين الموظفات أيضا، رغم الحماس و الحركية الكبيرة في المكان.
قالت أسماء، بأن، شعارهم في الوكالة هو « من النساء و إلى النساء» و المشروع عائلي بامتياز، أسسته انطلاقا من فكرة راودتها خلال جائحة كورونا، حينما صار التنقل صعبا جدا خاصة بالنسبة للنساء و العائلات   لذلك قررت إنشاء شركة تقدم هذا النوع من الخدمات الفئوية، وبعد الجائحة اقترحت فكرة المشروع على مدرية النقل بالولاية، فتم قبولها واستفادت بعد ذلك من التأطير والتوجيه لأجل إطلاق مؤسسة سيارات أجرة لكنها اصطدمت في البداية بالإجراءات الإدارية التي ترافق هذا النوع من المشاريع، فضلا عن عدم وفرة المركبات الجديدة في السوق، مع ذلك فقد تمكنت من تجاوز الصعوبات كما قالت، و أصرت على تحقيق حلمها معبرة : « تحديت الظروف لأحقق الحلم و أجسد الفكرة، كانت بعض الشروط المتعلقة بإنشاء وكالة سيارات أجرة أو طاكسي راديو صعبة للغاية، خصوصا مع توقف استيراد السيارات الجديدة، لكنني لم أستسلم و قد حظيت بكل الدعم من زوجي».
أخبرتنا، بأنها عندما ذهبت رفقة زوجها إلى مصالح السجل التجاري، وجدا بأن هناك إمكانية لفتح سجل تحت القيد لوكالة سيارات بسائق أو من دونه، فكان ذلك هو بصيص الأمل الذي دفعهما إلى الاستمرار في الإيمان بالمشروع، ليباشرا بعد ذلك بقية الإجراءات بداية بشراء السيارات.
 من جانبه أضاف الزوج، بأن تحقيق الحلم لم يكن سهلا، إذا واجها كثيرا من الصعوبات المتعلقة بالحصول على رخصة إنشاء مؤسسة « طاكسي راديو»، وتوفير مقر للعمل، وقد لجآ إلى كراء المبنى وهما لا يزالان في مرحلة الإجراءات الورقية، ثم  كان من الصعب عليهما جدا أن يجدا ما يحتاجه المشروع من مركبات لأجل الانطلاق في العمل، وذلك رغم  الضمانات السابقة التي  قدمها البنك، مشيرا إلى أنهما تحملا العديد من الأعباء و واجها كثيرا من المتاعب لأجل توفير 10 سيارات جديدة، كما أن الحصول على  دفتر المقاعد، كان صعبا جدا في  تلك الفترة و تحديدا سنة 2020، ما جعلهما يراسلان وزير النقل للحصول على تسهيلات.
 أوضح الزوج، بأن إصرار زوجته على تحقيق حلمها هو ما دفعهما إلى مواصلة السعي، حيث اهتديا في النهاية إلى حل بديل يتعلق بشراء المركبات بتمويل ذاتي، وقد اعتمدا كثيرا على العائلة والأصدقاء فيما يخص هذا الشق معلقا : « الغاية من المشروع، كانت أن نوفر خدمة يفتقر إليها سكان الولاية، بالإضافة إلى أنني كنت مؤمنا بحلم زوجتي ولذلك تحدينا كل الظروف «.

و للأطفال نصيب
سألنا صاحبي المشروع عن سبب اختيار اللون الزهري للسيارات، فقالا بأن ذلك مرتبط بعدة اعتبارات أولها أن اللون يرمز إلى كل ماله علاقة بالأنثى، بالإضافة إلى رغبتهما في التميز عن باقي سيارات الطاكسي الموجودة في المدينة، حيث أوضح رفيق قائلا :  « اللون يسمح للزبونات بتمييز مركباتنا و معرفتها من بعيد، كما أنه يعوض من جانب آخر، غياب التطبيق الرقمي لطلب خدمة النقل و تحديد أماكن وجود السيارات. يمكن للزبونة توقيف المركبة بمجرد رؤيتها دون الاتصال بالوكالة».
 وأضافت أسماء : « إن العديد من العائلات و السيدات استحسن الخدمة، ومنهن من اتصلن بالوكالة للاستفسار عن طبيعة نشاطها مع تشجعيهن لنا على الاستمرار في العمل. نتلقى العديد من المكالمات الإيجابية يوميا، و يؤكد زبائننا بأن خدماتنا غطت جانبا من احتياجاتهم و ساهمت في تسهيل تنقلات بعض النساء».
 و قالت المتحدثة، بأن جزءا هاما من زبونات الوكالة هن من العاملات و الموظفات، كما أن هناك طلبا على نقل الأطفال إلى الرياض و المدارس، أما بالنسبة للأسعار،  فقد أوضحت بأنها في متناول الجميع و وتتناسب مع نوعية الخدمات، علما أن السعر المحدد للتنقل وسط مدينة جيجل يقدر بحوالي
 250 دج. سألنا بعض الزبونات عن هذا الأمر، فاتضح بأن هناك إجماعا على أن التسعيرات مقبولة و في المتناول و تتناسب مع نوع الخدمة التي تساعد كثيرا في التخلص من عناء التنقل بالاعتماد على وسائل النقل العمومية فضلا عن أن الخدمات، ملاءمة جدا للنساء في جيجل نظرا لطبيعة المجتمع المحافظ.
نساء خلف المقود
يضمن المشروع من جانب آخر،  توفير فرص عمل لشابات و سيدات كانت رخص سياقتهن لا تزيد عن كونها وثيقة تزين حقيبة اليد، لكنهن استطعن بفضلها أن يحققن دخلا مناسبا بعدما التحقن بالوكالة «كسائقات       طاكسي».
 وحسب إحداهن، فإن هذا العمل محترم جدا و لا يقل أهمية عن أية وظيفة أخرى، خصوصا وأن التعامل يكون مع النساء فقط، أخبرتنا محدثتنا، بأنها قرأت إعلانا عن توظيف على مواقع التواصل، فظنت بداية بأنها مزحة خصوصا وأن الأمر يتعلق بمدينة محافظة مثل جيجل، ثم قررت أن تتواصل مع الوكالة، ليتضح بأن المنشور جدي، وبعد مقابلة عمل قصيرة وقع الاختيار عليها و سمحت لها الوظيفة بالحصول على  راتب شهري غطى جانبا من مصاريفها.
و ذكرت سائقة أخرى، بأنها لم تتوقع يوما أن يتحول شغفها و حبها للسياقة، إلى وظيفة عمل قارة تكسب منها قوت يومها قائلة، بأن العديد من الزبونات استحسن المشروع و أكدن دعمهن لها.
خدمة تناسب طبيعة المجتمع
وبحسب زبونات، فإن خدمة « طاكسي للنساء» هي إضافة نوعية لحظيرة النقل بالولاية، و خدمة مهمة جدا سهلت على الكثيرات التنقل، بعدما كان ذلك صعبا نوعا ما و يتطلب وجود محرم بالنسبة للبعض، وبهذا الخصوص قالت غنية، وهي موظفة في مؤسسة عمومية  « الوكالة وفرت خدمة كنت أرغب فيها منذ زمن  خاصة و أنني كثيرا ما أتأخر لساعات إضافية في العمل وأواجه مشكلة في العودة إلى البيت».
 أما سارة، فأوضحت، بأن هذه السيارات وفرت حلا مناسبا لإيصال ابنها إلى بيت أهلها، خاصة وأن زوجها محافظ ولا يسمح لها باستخدام وسائل النقل العمومية عندما لا يكون هو موجودا في المدينة، بالنظر إلى طبيعة وظيفته، و السيارات الزهرية رفعت عنها هذا الحرج. زبونات أخريات،  قلن بأنهن تعرفن على خدمات الوكالة عن طريق  مواقع التواصل الاجتماعي، وقد وجدنها مفيدة جدا بعد تجربتها، خصوصا خلال عطلة نهاية الأسبوع، و أوضحت نساء بأن أزواجهن أصبحوا يفضلون هذه السيارات. وقالت إحداهن : « أستعملها لتنقلاتي في عاصمة الولاية، كما تساعدني هذه السيارات في توصيل المشتريات أيضا، و الحفاظ عليها بدلا من عناء حملها ونقلها في الحافلة كما كنت أفعل سابقا».
 و أضافت أخرى، بأنها باتت تستعملها بشكل دائم للذهاب و العودة من العمل و التنقلات الخاصة داخل المدينة، كالذهاب إلى الفضاءات التجارية مثلا، و الملاحظ من خلال حديثنا مع بعض الزبونات، أن تعاملهن مع سائقات نساء جعلهن مرتاحات أكثر.

الرجوع إلى الأعلى