تشهد بلدية عين عبيد بولاية قسنطينة، مع اقتراب حلول شهر رمضان حركة استثنائية، مع توافد مواطنين من مختلف الولايات الشرقية لاقتناء الفريك الأخضر، الذي تشتهر به المنطقة وطنيا لجودته و نوعيته، كما يتنافس تجار على عرض هذا المنتوج بأسعار يصفها المواطنون بالمقبولة جدا.  
تعد منطقة عين عبيد الواقعة في الجنوب الشرقي لولاية قسنطينة، وعلى الطريق الوطني رقم 20 الرابط بين قسنطينة و قالمة، من أشهر البلديات المنتجة لأجود أنواع  القمح بالجزائر، إذ تُخصص لزراعته مساحات  شاسعة، ويحضر بعناية كبيرة للحافظ على جودته وهو ما حوله إلى علامة مسجلة لدى العامة من الناس، وضاعف الإقبال على شرائه.
السر في طريقة التحضير
يشتهر هذا الفريك بطعمه اللذيذ، ولذلك تفضل عائلات قسنطينية وحتى من خارج الولاية و تحديدا من الولايات الشرقية القريبة، التنقل إلى عين عبيد، مع اقتراب شهر الصيام كل سنة لأجل الحصول عليه، وهي عادة قارة بالنسبة للبعض كما أكده لنا تجار قالوا، بأن لديهم زبائن أوفياء يترددون على محلاتهم كل موسم.
و المميز في  فريك المنطقة، هو طعمه وتلك النكهة التي يضفيها على طبق «الشربة»، وهي نتيجة لطريقة تحضير تقليدية لا يزال سكان عين عبيد يحافظون عليها إلى يومنا رغم التطور و العصرنة، حيث يقومون بجني سنابل القمح قبل أن تبدأ في النضج، ثم يحرقونها ويستخرجون حبيبات القمح ذات اللون الأخضر الجميل منها، و يجففونها و يتم طحنها باستخدام مطحنة تقليدية يدوية، للتحكم في حجم الفريك، ثم يغربل جيدا، ليكون جاهزا للاستعمال خلال رمضان، أين يزيد استهلاك شربة الفريك بشكل كبير باعتبارها طبقا رئيسيا للكثير من العائلات.
شهرته وصلت إلى أوروبا و أمريكا
زارت النصر، واحدا من بين أقدم وأشهر المحلات التي تبيع الفريك بعين عبيد، وهو محل صغير يتواجد بحي  الشهيد عفيف مبارك، و يعرف إقبالا كبيرا من طرف الزبائن الذين يقصدونه من كل صوب، و يلقبون صاحبه «بحبيب الزوالي» نظرا لأسعاره المنخفضة مقارنة بمحلات أخرى، فضلا عن جودة القمح  و الفريك اللذين يبيعهما.


 قابلنا بداخل المحل عددا كبيرا من الزبائن، كانوا يعاينون أنواع القمح المطحون وغير المطحون، ويفركونها بأيديهم لتأكد من جودتها، قال لنا البائع جابر دوبابي، إن تجارة القمح و الفريك تنتعش قبيل شهر رمضان بشكل غير مسبوق، لاسيما وأن طبق  الشربة يعتبر رئيسيا بل  ضروريا بالنسبة للكثيرين و بخاصة سكان الشرق الجزائري، وهو ما يؤدي في غالب الأحيان إلى ارتفاع سعر الفريك في السوق. و أكد جابر، أن عدد زبائنه يزيد خلال هذه الفترة بنسبة 99 بالمائة، وبينهم من يقصدونه من ولايات عديدة، كما أن بينهم زبائن أوفياء يعودون كل سنة.
وأضاف البائع، أن  نوعية مادة الفريك تختلف من منطقة إلى أخرى،  لكن  الفريك الذي يزرع في حقول عين عبيد يعد من أجود المنتجات المسوقة عبر الوطن وخارجه، كونه خال من الرطوبة، مشيرا في ذات السياق، إلى أن الزبائن  يستفسرون في كل مرة عن مميزاته، لاسيما و أن هذه المادة بحسبه، قد  تكون محل غش من طرف تجار يضيفون إليها الملونات.
وأكد التاجر كروم شوارفية، أن قمح عين عبيد، يسافر كل سنة إلى مختلف بقاع العالم بما في ذلك أمريكا وكندا و فرنسا وغيرها من الدول، وذلك بفضل المغتربين الذين جعلوا منه علامة مسجلة، و حافظوا على عادة استهلاكه خلال رمضان لما يتميز به من قيمة غذائية عالية، و أوضح التاجر، أن مادة الفريك متوفرة بكثرة و بالكميات كبيرة هذه السنة، ما يعني أن العرض كبير و متنوع رغم تأثر الموسم الفلاحي بالجفاف. وأضاف  كروم، أنه وبالرغم من أن الأسواق والمحلات  لا تخلو من هذه المادة سواء الفريك المجهز بالطريقة التقليدية أو فريك المصانع المعلب، إلا أن عائلات كثيرة لا تزال  تفضل نوعية عين عبيد، التي تحضر بطريقة تقليدية وبكل عناية. و قال تاجر آخر، إن سر الإقبال على منتج المنطقة راجع إلى جودة قمح « الأرض المباركة» حسبه، والتي لا يزال الرجال يجتهدون في زراعتها و خدمتها بطريقة طبيعية بعيدا عن المبالغة في التسميد، كما يلتزمون أبا عن جد بالعمل بكل ضمير على إعداد الفريك دون غش، الأمر الذي حافظ على نوعيته على مر السنوات، ليكون الأكثر طلبا وطنيا متبوعا بمنتجات ميلة و سوق أهراس.
تزايد في الطلب تفاوت في الأسعار

ولم يثن ارتفاع سعر» الفريك « نسبيا هذا الموسم، مقارنة بالسنوات الماضية المواطنين عن شرائه،  بل يرصد المتجول في  السوق طوابير طويلة من الزبائن  عند مداخل محلات التوابل والعطارة  يبحثون عن « قمح» أصلي ، وقال التجار إن الطلب عليه في تزايدا. و يتراوح سعر الكيلوغرام من الفريك حسب ما وقفنا عليه بين 300 و400 دينار،  ويختلف السعر  من محل إلى آخر وحسب نوعية الفريك، في حين يصل سعر النوع المحمص و المطحون إلى 480 دينارا للكيلوغرام الواحد، و يقدر سعر الجملة بـ 320 دينارا، وقد أكد محدثونا من التجار، بأن سعر الكيلوغرام من الفريك  ثابت منذ سنتين ولم يتم تغييره ما عدى على مستوى بعض المناطق وهي زيادات نسبية.
وحسب هشام القادم من  ولاية باتنة، فإنه وبالرغم من ارتفاع سعر القمح الأخضر، إلا أن شراءه يعد ضروريا في رمضان وعادة يجب تكريسها، من جانبهم، أوضح باعة بأن تذبذب الأمطار و طريقة الجني  و التحضير التقليدي الصعب، هي عوامل يأخذها منتجون بعين الحسبان و يضيفون تكلفتها إلى السعر وهو ما يفسر التفاوت فيه.مواطنون تحدثنا إليهم أكدوا، بأن سبب اختيارهم لفريك عين عبيد من أجل إعداد طبق الشربة، هو جودة الأرض التي يزرع فيها، بالإضافة إلى طريقة وخطوات صنعه التقليدية المتوارثة عن الأجداد، فضلا عن أن فلاحي المنطقة صارمون في متابعة عملية تسويقه للحفاظ على سمعته و يرفضون السماح بالغش. وأكدت سيدة، أنها تفضله عن كل الأنواع الأخرى وتقصد المنطقة سنويا رفقة زوجها لتشتري حاجتها منه لرمضان مضيفة، أن من يتذوق طعمه اللذيذ في الشربة لا يمكن أن يغير إلى منتج آخر، مؤكدة، أن هذه المادة هي بمثابة الرفيق الدائم على المائدة الرمضانية.
وقالت أخرى، إن اقتناء فريك عين عبيد،  هو بمثابة عادة  رمضانية توارثتها عن عائلتها التي  يقطع غالبية أفرادها مسافة طويلة  قادمين من معظم أحياء قسنطينة، لأجل الحصول عليه، خصوصا وأن  هذا الفريك من النوع الجيد و نكهته مختلفة و طبيعية، ما يلعب دورا كبيرا في تحسين مذاق الشربة.
من جهته أكد أحمد، بأنه تعود على اقتناء فريك عين عبيد المعروف بجودته، ليرسل منه إلى شقيقيه المقيمين في الخارج بكميات معتبرة سنويا، وبعض الأصدقاء هناك.
ولفتت السيدة سامية،  إلى بعض الممارسات التي يقوم بها فئة من الباعة بغرض الربح السريع على حساب صحة المستهلك، من خلال تحضير هذه المادة بطريقة مخالفة للطريقة التقليدية  بتلوين القمح ليتبين أنه من النوع الجيد لتتابع أختها أمينة قائلة، لقد أصبح من الصعب علينا التفريق بين الفريك الأصلي و المغشوش، ولذلك نفضل أن نشتري ما نحتاجه من محل واحد مضمون.
هكذا نفرق بين الأنواع الجيدة و الرديئة
وحسب ما علمناه من سكان المنطقة، فإن العديد من أصحاب المحلات التجارية  بمنطقة عين عبيد، وحتى ربات البيوت  يعمدون مع اقتراب حلول شهر رمضان المعظم، إلى تغيير أو تعديل النشاطات التجارية التي كانوا يمارسونها خلال الأشهر العادية، لتتماشى مع طبيعة الحركية التجارية، و يتحولون نحو صناعة و بيع الفريك، ناهيك عن أن هناك من يمارسون نشاط البيع عبر الإنترنت مستفيدين من شهرة المنتوج.
خلال تواجدنا في محل ثان يشتهر كثيرا بنوعية منتوجه، قال صاحب المحل  صالح قاسي، إن الإقبال  على شراء فريك عين عبيد، لا يقتصر على رمضان فقط بل يستمر طوال السنة، وإنه يطبخ في الأعراس وحتى المآتم وأكد التاجر، أن هناك عدة أنواع منه هي على التوالي « الهدبة و البنيولي و الزناتي و السيليكسيوني و الواها و  بن البشير». لافتا، إلى أن هناك أنواعا اندثرت وما عادت تحضر منذ سنوات. وأضاف، أن غالبية المواطنين لا يفرقون بين هذه الأنواع لذلك يجب عليهم اقتناء الفريك من محلات موثوقة، مؤكدا أن أنواعا رديئة و أخرى جيدة قد تعرض في المحلات بنفس السعر، وأن الطريقة الأفضل للتميز بينها هي مراقبة  لون الفريق و درجة ملوحته و رائحته بعد التحميص.
نشاط يستقطب النساء أيضا
 محدثنا أوضح، أن نشاط البيع لا يقتصر فقط على التجار المعروفين، بل تمارسه حتى  ربات البيوت اللواتي يغرسن القمح في حقولهن الصغيرة، ثم يحصدن سنابله صيفا، لتجمع في شكل رزم ثم تمرر على النار و تطحن يدويا بواسطة «المطحنة».
وأضاف صالح، أن هناك فئة من المحتالين يبيعون نوعية مغشوشة من مادة الفريك  التي يكثر عليها الطلب في شهر رمضان،  والتي  يحضر نوعها المغشوش من القمح العادي الذي يُطحن وتضاف إليه مادة ملونة قد تفتك بصحة الإنسان فيبدو الفريك  بحسبه، أخضر اللون وطازجا، لكن بمجرد أن يتم غسله تنكشف الخدعة و يظهر بأنه مغشوش.
وينصح التاجر الزبائن، بضرورة التأكد من صلاحية المنتجات المعلبة، وأن تتوفر على الوسم الذي يحدّد كل المعلومات حول الفريك وضمان خضوعه للمراقبة.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى