تضاعف عدد إعلانات وعروض العمل الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي إعلانات تجهل في غالب الأحيان هوية ناشريها، إذ يتم ذلك بطريقة غير مباشرة بالاستعانة بصفحات ممولة، أو عبر حسابات بأسماء مستعارة، ينشط أصحابها كثيرا في مجموعات الدردشة الخاصة  بالطلبة  وأخبار التوظيف، ليوقعوا بضحاياهم في شرك النصب ولاحتيال.

زاد الاهتمام بالتواصل المهني عبر المواقع التفاعلية كثيرا منذ جائحة كورونا و الحجر الصحي الذي رافقها، و الذي غذى التعاملات عن بعد بمختلف أشكالها  بما في ذلك مجالات التوظيف، إذ تعد مواقع مثل» فيسبوك و لينكد إن»، واجهة افتراضية للشركات المهتمة  بتطوير و رقمنة مختلف الأنشطة و التوجه نحو التخلي عن طرق التوظيف التقليدية، خصوصا وأن الإعلان الجاد يشمل في العادة المعايير والشروط المطلوبة للوظيفة، ولأن مثل هذه الإعلانات تحظى بالاهتمام، فقد تحولت مؤخرا إلى صنارة للصيد في المياه العكرة يرميها محتالون للإيقاع باليائسين و البسطاء ممن يسهل خداعهم، عبر عروض مزيفة يجنون من ورائها أموالا تدرها المتاجرة بأحلام الضحايا.  
يستغلون سمعة شركات كبرى
تتبعنا إعلانات توظيف نشرت عبر بعض  مجموعات «فيسبوك» الجزائرية في الأيام الأخيرة، و اخترنا مجموعة تظم أكثر من 80 ألف عضو، يدور الحديث فيها بشكل مركز حول عروض العمل،  لاحظنا أن هناك  عروضا نشرت أعبر حسابات  مزيفة بأسماء مستعارة  وبدون صور  تثبت  هوية الناشر، ناهيك عن أن عنوان البريد الإلكتروني المرفق لاستقبال السيرة الذاتية، يحمل أرقاما وحروفا غير مفهومة، إلى جانب استخدام الناشر لرقم هاتف خارج الخدمة.
لاحظنا أيضا، أن هؤلاء المحتالين يستغلون أسماء شركات ومؤسسات  كبرى  ذات سمعة عالمية للإيقاع بضحاياهم على غرار « سونطراك و كهريف»   رصدنا كذلك خلال بحثنا عن منشورات من هذا النوع،  فئة أخرى من المحتالين تستهدف الراغبين في السفر  إلى  الخارج، إذ يزعمون بأنهم قادرون على ضمان وظائف قارة في دول عربية أو أوروبية وبدخل مادي مرتفع، ومن خلال تواصلنا مع بعضهم عبر الهاتف يتضح جليا بأنهم يبيعون الوهم و يكررون جملا رنانة في محاولة لكسب الثقة من أجل طلب مبالغ مسبقة، كما أخبرنا آخرون تعاملوا مع إعلانات مماثلة، بأن الأمر يتعدى ذلك إلى محاولة ‏قرصنة الحسابات بغرض الابتزاز أو انتحال الصفة.
مصيدة إلكترونية
وأكد لنا مستخدمون، بأنهم تعرضوا مرارا لمواقف مماثلة كانت بدايتها نقرة زر على رابط لإعلان توظيف وهمي،  واعتبر البعض بأن السبب  وراء تزايد هذا النوع من التحايل في السنتين الأخيرتين، راجع إلى الفجوة العالمية في الوظائف التي تركتها الجائحة، بسبب تضاعف نسبة العاطلين عن العمل.
وقد أخبرنا حسام خريج كلية الهندسة بقسنطينة، بأنه تلقى قبل سنتين رسالة إلكترونية من شركة توفر فرص عمل في ألمانيا بأجر محترم كما جاء في البريد ولكن بعد تواصله ذات الجهة، تبين بأنها شركة للنصب وسرقة الأموال  وليست لها مقر، مؤكدا أن  الشك انتابه بعد طلبهم معلومات شخصية وسرية عنه، على غرار رقم حسابه البنكي وأسئلة أخرى  توحي بأنهم ينوون سرقته.
أما آية خريجة كلية الهندسة الميكانيكية، فقالت بأنها عاطلة عن العمل منذ 5 سنوات، و أنها كثيرة التفاعل عبر منصات  التواصل الاجتماعي على غرار منصتي  «لينكد إن» و»فرصة»، وفي يوم من الأيام أرسلت سيرتها الذاتية إلى شركة نشرت إعلان توظيف الباحثة وجاء الرد سريعا جدا، وتم قبولها مبدئيا في العمل رغم أن المنصب المتاح يفوق خبرتها، لكنهم اشترطوا عليها أن تدفع  حوالي 10 ملايين سنتيم لإتمام الإجراءات، الأمر الذي   أثار استغرابها وجعلها تقوم بحظرهم.
وأضاف الشاب محمد، بأنه وقع ضحية لمحتال أقنعه بأنه سيفتح شركة  ويحتاج إلى عمال من  تخصصات مختلفة لتوظيفهم، ولكن بعد أن أرسل له مبلغ 2000 دينار عبر حسابه البريدي، كمبلغ مستحق للتكوين القبلي، اختفى المعني فجأة  ولم يعد يرد على الهاتف.
وأكدت شابة جامعية،  بأنها نجت من الاحتيال بأعجوبة، إذ قامت بالتسجيل في وكالة  توفر فرص عمل في الخارج لحاملي الشهادات الجامعية العليا، و أثناء بحث معمق عن الوكالة، وقعت على فيديو يفضح ذات الجهة، ويعرض شهادات ضحايا، قالوا بأنها وكالة وهمية تبتز ضحاياها بصورهم وبياناتهم الشخصية  مقابل  المال.
 وكانت شركة «سوناطراك» ، قد حذرت في وقت سابق، من إعلانات توظيف وهمية في فروعها، يتم تداولها عبر المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، ويتم استغلالها للنصب على المواطنين وطالبي الشغل، غرض ناشريها هو النصب  على الأشخاص العاطلين عن العمل،  و حديثي التخرج الراغبين في الحصول على وظائف مناسبة.

 وجاء في بيان للمجمع، بأن « المديرية العامة لسوناطراك سجلت إعلانات توظيف وهمية على منصات التواصل الاجتماعي منسوبة لمصالح المؤسسة يستغل أصحابها طالبي العمل خاصة الجامعيين لأغراض ربحية غير بريئة على حساب مصداقية المؤسسة، حيث تستخدم هذه الجهات البيانات الشخصية لطالبي العمل والمؤسسة غير مسؤولة عن ذلك»، وأشار البيان إلى أن التوظيف عبر كامل منشآت «سوناطراك» يخضع لآلية قانونية وحيدة، متمثلة في الوكالة الوطنية للتشغيل، التي تتكفل  بإدارة عروض العمل الخاصة بالشركة والإعلان عنها.
* المختصة القانونية ليلى بن كرو
ممارسات استفحلت في ظل غياب ثقافة التبليغ
أكدت المختصة القانونية والأستاذة بجامعة قسنطينة 1 الأستاذة بن كرو ليلى، أن مجال التوظيف شهد تطورا  كبيرا خلال  السنوات الأخيرة، إذ  أسهمت تقنيات وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في تسهيل العملية والرفع من  كفاءتها وفعاليتها  خصوصا وأن الشبكة العنكبوتية بتطبيقاتها ومنصاتها  المختلفة وفرت نطاقا واسعا من الخدمات  التي تلبي احتياجات طالبي الشغل وأرباب العمل معا.
وأضافت المتحدثة في ذات السياق، بأن  النصب  والاحتيال  عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممارسة  استفحلت مؤخرا بشكل  كبير، وعرفت أشكالا عديدة  من بينها  إعلانات التوظيف  المزيفة وعقود العمل الوهمية التي وقع ضحيتها كثيرون، استغلتهم شركات توظيف مجهولة «تبيع الوهم» و  تمارس التحايل والنصب.
وأضافت، أن الوضع يتطلب ضبطا تقنيا وقانونيا، وكذا نصوصا وقائية تكشف  عن صدق هذه الإعلانات الوظيفية، خصوصا وأن المحتالين بحسبها، يعملون في بيئة رقمية معنوية يصعب اكتشاف الأدلة فيها والوصول إليهم، مضيفة بأن الجرائم الإلكترونية موجودة منذ سنة 2006، ولكن هذا النوع من الجريمة التي تتم من خلال عروض العمل والتكوين لم يظهر إلا مؤخرا، وذلك بفعل تزايد عدد العاطلين عن العمل وتأثر سوق التوظيف بسبب تداعيات الجائحة.
وقالت بن كرو، بأن هناك ثغرة قانونية في معالجة هذه السلوكيات  حديثة النشأة التي تظل بحاجة إلى قانون ينظم عملها و يأطرها، مؤكدة بأنه في حال ثبوت الاحتيال فإن القضية تصنف في خانة النصب والاحتيال على الأفراد،  وتخضع  لقانون العقوبات.
ويجب بحسب المتحدثة، الحذر من الإعلانات الوهمية التي تبدو في بادئ الأمر حقيقة، كما  ينبغي التدقيق جيدا في إعلان التوظيف والتأكد من أنه انتهى بتوقيع الشركة، و تم ذكر شروط التوظيف المطلوبة بشكل واضح. مؤكدة، أن من بين طرق  اكتشاف إعلانات التوظيف الوهمية، التأكد من أن الشركة   لها وجود في العالم الواقعي وفي عالم الإنترنت، ومدى توفيرها  لوسائل اتصال موثوقة وبريد إلكتروني رسمي خاص  بها، وكذا احترامها للمراحل الأساسية للتوظيف، فضلا عن أنها لا تقوم بطلب بيانات خاصة من المعني، لأنه دليل قوي على أن الشركة ستقوم بالنصب.
وأرجعت  المستشارة القانونية، سبب تزايد حالات النصب والاحتيال من عبر البيئة الافتراضية،  إلى غياب المرافقة التقنية القانونية، و عدم وجود مدونات عن كيفية استعمال هذه المواقع  والتعامل مع عروض العمل الوهمية، وكذا غياب ثقافة التبليغ من طرف المواطنين الرقميين الذين يصعبون مهمة الوصول إلى المحتالين و إخضاعهم للمتابعة الجزائية.
وأضافت المختصة، أنه بالرغم من اجتهادات المشرع لوضع آليات لردع الجريمة الإلكترونية، و وجود هيئة  وطنية مكلفة بمراقبة جرائم تكنولوجيا الإعلام والاتصال، إلا أنها جهود غير كافية لمعالجة ظواهر نمت مؤخرا بسبب  الحتمية التكنولوجية التي مست جميع  مجالات الحياة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و المهنية، إذ يجب بحسبها، استحداث آليات قانونية تتماشى  مع التطور الرقمي الحاصل في الفضاء الإلكتروني، و تحسيس المواطن بدوره في  تعزيز هذه الآليات  وكيفية ممارسة المواطنة الرقمية  التي تكون في شكل مدونة سلوك وأخلاقيات.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى