أكد مختصون في العمران والآثار، أن قسنطينة تزخر بموروثات عمرانية ضخمة تشكل ثروة اقتصادية كبيرة، في حالة تم استغلالها بالشكل الأمثل، من خلال ترميم المعالم القديمة وإعادة بث الحياة فيها، مع المحافظة على خصائصها المعمارية والوظيفية، حتى تساهم بشكل أمثل في تنشيط القطاع السياحي بالولاية لتكون بذلك محور جذب للسياح.

أعدت الندوة : رميساء جبيل

* المهندس المعماري عبد الحليم فيلالي
يجب توحيد جهود الفاعلين لتحويل قسنطينة إلى قطب سياحي
قال المهندس المعماري عبد الحليم فيلالي، أن المدينة العتيقة تعتبر موروثا ماديا يتألف من فضاءات خارجية تتمثل في المرافق والدور السكنية والمحلات التجارية وغيرها، والتي تمثل ثروة قيمة يمكن استغلالها في التنمية الاقتصادية، من خلال استقطاب السياح من داخل وخارج الوطن، خصوصا مع ما تمتاز به الآثار من إشعاع إفريقي وعالمي يدعم التنمية الاقتصادية بشكل كبير فهي رافد من روافد السياحة، وذلك عن طريق الترويج والتسويق للمواقع التراثية من خلال مجالات التنمية المتمثلة في ترقية الصناعات التقليدية والحرف، على غرار التجارة الخشبية القديمة، والحدادة والملاط التقليدي والبلاط و الزلايج والرخام والقرميد والخرازة وصناعة الجلود والتحف الفنية والألبسة التقليدية والدباغة وصباغة الجلود والحلي وغيرها.
إلى جانب إقامة التظاهرات الثقافية والاقتصادية وتحويل الدور السكنية إلى فضاءات لاستقبال السياح، أما الدور التي لها قيمة جمالية وتاريخية فمن المستحسن تحويلها إلى مساحات دائمة للعرض بمقابل مادي، مع استغلال المحلات من طرف العارضين، فيما تنظم المهرجانات والتظاهرات بالفضاءات العمومية، مع إيواء الصناعة السينوماتوغرافية واعتماد التكوين المتكامل والشامل للمرشدين السياحيين، وكذا تخطيط مسارات سياحية.
وأضاف المتحدث، أن هذه التنمية لن تتجسد إلا بتضافر جهود الفاعلين، وعلى رأسهم السلطات العمومية وساكنة المدينة العتيقة وأصحاب الدور والمحلات ومعاهد ومراكز التعليم والتكوين المهنيين، والمتعاملين الاقتصاديين وحتى الممولين ومختلف المؤسسات المالية والإعلام العمومي والخاص، والمجتمع المدني والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والأكاديميين والخبراء في المجال وحتى مروجي الوسائط الاجتماعية.
وأفاد فيلالي أن التنمية الاقتصادية الممكن تحقيقها من جراء الاهتمام بموروث المدينة العتيقة، من شأنه تقديم قيم إضافية تتمثل في المحافظة على الموروث المعماري والعمراني وتحقيق الصيانة الدورية والدائمة له، مع توفير مناصب شغل دائمة وموسمية وجلب موارد اقتصادية هامة من العملة الصعبة، مع استمرارية المهن والحرف التقليدية وتواصلها ما بين الأجيال، وتطوير البحث العلمي في المجالات التي لها علاقة بالمدينة العتيقة، وكذا إعادة الاعتبار للثقافة السياحية ونشرها بين أفراد المجتمع، حتى تتكون لديهم خلفية حول كيفية التعامل والتواصل مع السياح.
ولتجسيد هذه الرؤيا وتوحيد جهود الفاعلين اقترح المتحدث إنشاء هيئة مختصة مهمتها توظيف التراث في التنمية الاقتصادية، تكون في شكل وكالة تعنى بتسيير مشاريع المنطقة والربط بين الفاعلين، حتى يكون العمل موحدا ومشتركا ومدروسا بشكل كامل، شريطة أن تتحصل هذه الهيئة على عائد مادي يغطي نفقاتها حتى تستمر في تقديم خدماتها.

* الدكتور حسين طاوطاو
مدينة تستحق أن تسجل ضمن قائمة اليونيسكو
ويرى باحث في علم الآثار بالمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ،حسين طاوطاو،أن التراث العمراني يستقي مميزاته وقيمته من تاريخ المدينة وثقافتها، وما يميز تراث قسنطينة الضخم تحديدا، هي المواقع الأثرية والمعالم التاريخية العديدة التي تحتويها المدينة، والتي تمتد جذورها إلى عمق التاريخ، بدءا بعصور ما قبل التاريخ ووصولا إلى العصر الحديث.
فقسنطينة حسب المتحدث، ليست كباقي المدن، فهي عاصمة لمملكة ولكونفيدرالية تأسست في بداية العهد الروماني، وعاصمة لمقاطعة رومانية وعاصمة لبايلك الشرق وعاصمة للشرق الجزائري خلال الفترة الاستعمارية، ولكونها مدينة تراثية بامتياز فهي تستحق أن تسجل ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، كونها تستوفي الشروط الأساسية باحتوائها على عدد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية المعمارية والعمرانية.
وقال طاوطاو، أن الرغبة في تسجيل المدينة ضمن قائمة اليونيسكو هي من أجل الحفاظ عليها، كونها ستكون خطوة تسمح بالاستغلال الأمثل للخبرة العالمية والتمويل العالمي لأشغال مشروع الحفاظ على الموروث القديم، مضيفا، إنه يستوجب العمل على المستوى المحلي في نفس الوقت لتأسيس مشروع الحفاظ على المدينة العتيقة، والذي لا يجب فيه إقصاء أي طرف من الفاعلين، حتى تكون المنطقة قطبا سياحيا بامتياز.
وقال المتحدث، أن المدينة تضم طاقات كافية يمكن استثمارها في كتابة هذا المشروع، من باحثين وعلماء في علم الآثار والهندسة المعمارية وبالعمران والتاريخ والجيولوجيا وغيرهم، خصوصا وأن قسنطينة تحتوي زخما من الآثار القديمة، بعضها يتواجد بالمركز التاريخي للمدينة والتي بنيت فوق الصخر العتيق، وأخرى تتوزع خارج المركز على سبيل المثال، تيديس وضريح ماسينيسا والمقبرة الميغاليتية ببونوارة والجسور الرومانية لمدينة قسنطينة وغيرها، مشيرا أن هذا العمل يتطلب تضافر جهود الجميع.
وأوضح طاوطاو، أن هناك نقاط أساسية يجب مراعاتها والوقوف عليها، أثناء ترميم التراث العمراني، هذه العملية التي تعد جزءا فقط من المشروع الكلي، إذ يستوجب تقييم العملية قبل الشروع في تنفيذها، مع تسجيل الأخطاء الممكن حدوثها والفراغات والمشاكل الواجب تفاديها، فعملية الترميم حسبه، لا ترتبط بمكتب مقاولات بل هي مجهود فرقة كاملة تجمع خبراء من مجالات عدة، خصوصا وأن مشروع المدينة كبير جدا، وقسنطينة مدينة معقدة ومشاكلها كثيرة، لهذا يجب أن يكون التخمين صحيحا مع المداومة على مراجعة وتقييم الأعمال لتكون الانطلاقة مبنية على أسس واضحة تهدف إلى العمل الجيد وتأخذ بعين الاعتبار كل ما تطرحه المدينة من مشاكل متنوعة. وقبل الانطلاق بعملية الترميم لبناية قديمة يقول طاوطاو، إنه يجب تشخيص حالة المبنى أولا وتحديد سبب المشكلةمن قبل أهل الاختصاص والخبراء كل حسب اختصاصه، فحتى العمال الآخرون يجب أن يكونوا ذو كفاءة، مضيفا، إنه لا يجب المساس بأي مبنى قديم دون الإطلاع على خلفياته التاريخية.

* الأستاذة يمينة ناصري
قسنطينة ثروة سياحية بامتياز يجب الاستثمار فيها
من جهتها، ذكرت أستاذة بكلية الهندسة المعمارية والتعمير بجامعة قسنطينة 3، يمينة ناصري، أن قسنطينة ثروة سياحية بامتياز، تتطلب الاستثمار فيها والوقوف على معالمها التراثية لتحويلها إلى قطب سياحي إنتاجي، يدر أموالا وعائدات بعد الاستثمار فيه، مضيفة، أن دور الأحياء الشعبية القديمة، لا تتوقف في أن تكون تراثا معماريا وفقط وإنما هي تراث عمراني أيضا،إذ يمكن تحويلها إلى مراكز تكوين وتعليم للأجيال، فبدل فتح مراكز بأماكن أخرى ومناطق مجاورة، فلما لا  تكون هذه المؤسسات داخل المدينة القديمة، خصوصا وأن الدار في السابق كانت لها رمزية خاصة، فهي لم تكن بيتا يقطنه السكان وفقط، وإنما كانت مدرسة في ثناياها، إذ أعطت تكوينا مكثفا للفتيات في مختلف الحرف التقليدية فتخرجن منها على حد قولها « كل صبع بصنعة» ليكن مستقلات ماليا.وأضافت المتحدثة، إنه يجب إعادة النظر بخصوص هذه الدور القديمة، وتحويلها إلى فضاءات واسعة تستقبل الراغبين في التكوين الحرفي، مع الحفاظ على جماليتها التراثية الأصيلة، وتفاصيلها القديمة من باب الخوخة الخشبي إلى وسط الدار والمجالس والسقيفة والمدرجات التي تميز دور الأحياء الشعبية القديمة والتي يجب إعطاؤها أهمية كبرى، حتى يتعرف السياح الراغبون على حيثيات المباني العتيقة، مشيرة في ذات السياق، أن تنشيط السياحة العمرانية لا يكون بإعادة تهيئة الواجهة الخارجية والداخلية وفقط وترميم هيكل المبنى ككل، وإنما يكون بإعادة إحياء الوظيفة المعنوية لهذه المباني، للحفاظ كذلك على صنعة الأجداد من الاندثار والزوال، على غرار تقطير الزهر والورد والطرز والحرج والفتلة وغيرها، بغية ضمان استمراريتها وانتقالها بين الأجيال.  وأوضحت ناصري، إنه يمكن توظيف الدور القديمة ومعالمها وخصوصياتها التي تحاكي تقاليد وعادات قسنطينة في أن تكون دارا لاستقبال السياح ومبيتهم فيها، فالسائح لا يأتي لزيارة المدينة وفقط والتمعن في تفاصيلها الخارجية، وإنما يرغب في إشباع فضوله ومعرفة ما يوجد خلف الجدران، ولهذا تحديدا لن يفضل المبيت في مرقد أو فندق حديث، فالخصائص القديمة لن يحظى برؤيتها إلا في الأماكن التراثية.
وذكرت المتحدثة، إن عملية ترميم مباني تراثية تستوجب الوقوف على اختيار مواد بناء قابلة للتكيف، حتى يتم الحصول على نتيجة جيدة ومثالية تدوم لسنوات عديدة، وليس من أجل التوظيف وفقط الذي تنتهي صلاحيته بعد فترة وجيزة ليعود المبنى إلى حالته السابقة، مع ضرورة الصيانة المستمرة.
وأضافت ناصري، إنه يجب استغلال درب السياح، هذا الموقع الاستراتيجي القديم، الذي له خصوصية مميزة فهو أشبه بالجزيرةلوجوده بمنطقة شبه معزولة، لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الجسور أو الممر المتواجد بساحة لابراش، وما زاد من حيويته هي المغارات التي يحتويها والتي أغلق العديد منها، قائلة إنه من الضروري إعادة الاعتبار لهذا الدرب والمغارات التي تقود إلى نقاط مختلفة من قلب المدينة القديمة.

الرجوع إلى الأعلى