ظلت العلوم الدقيقة وعلوم الحياة متفوقة على العلوم الإنسانية في اختيارات ورغبات التلاميذ، لكن الثورة التي أحدثتها مواقع التواصل، حملت معها رياح التغيير مع ظهور مهن مختلفة كالاستشارة والتدريب و الفري لانس و تزايد الإقبال على أخرى مثل التخصصات النفسانية و الأرطفونية و التعليم، ولمعرفة التغيرات التي رافقت هذا التأثير نزلت النصر، إلى مؤسسات تعليمية بقسنطينة، خلال أول أيام امتحان شهادة التعليم المتوسط و سألت ممتحنين عن ميولاتهم العلمية و تصوراتهم للمستقبل الدراسي و المهني، فاتضح من خلال استطلاعنا، بأن جنس التلميذ يلعب دورا في تحديد اختياراته وأن هنالك توجها يسيطر بشكل كبير على اهتمامات جيل المستقبل.

تعتبر السنة الرابعة متوسط، مفترق الطرق الذي يحدد الوجهة الدراسية و المعالم الأولى لوجه المستقبل بالنسبة للتلاميذ، فالحالمون بالطب و المهن ذات العلاقة بالتكنولوجيا يختارون الشعب العلمية، و يفضل عشاق العلوم الإنسانية الآداب و اللغات التي تعد أيضا خانة الأقل تفوقا في الرياضيات و المواد الدقيقة، وتتحدد عملية التوجيه في هذه المرحلة بين الجذع المشترك علوم و الجذع المشترك آداب، فيما يعتمد مجلس القبول والتوجيه إلى الطور  الثانوي على بطاقة الرغبات لتلاميذ مستوى الرابعة متوسط، وعلى الوثائق المستخرجة من الأرضية الرقمية لقطاع التربية الوطنية، ويتم  توجيه تلاميذ الرابعة متوسط  من خلال احتساب المعدلات السنوية للسنة الثالثة متوسط، ومعدل الفصلين الأول والثاني للسنة الرابعة متوسط للمواد المشكلة لها حسب كل جذع مشترك.
شعبة العلوم للذكور والآداب للإناث
« التخصصات العلمية لها مستقبل واعد»، أحب الرياضيات»، «لا أحبذ الحفظ»، « لا أميل إلى  اللغات»، « الفلسفة مادة صعبة ولا أريد أن أمتحن فيها مستقبلا»، كلها  عبارات رددها على مسامعنا ممتحنون، قابلناهم عند مداخل مراكز الإجراء، أين طرحنا عليهم سؤالا حول الشعبة الدراسية التي اختاروا الالتحاق بها في الطور الثانوي وسبب اختيارهم للتوجه دون غيره، فتباينت  ردودهم  واختلفت حججهم، مع ذلك بدا واضحا بأن معظم الإناث يملن إلى التخصصات الأدبية فيما يفضل الذكور العلوم.
أكد  التلميذ نوفل عواق، من متوسطة بن عبد المالك، أنه اختار شعبة علوم لأن حلمه منذ أن كان صغيرا  هو دخول كلية الهندسة،  لذلك درس جاهدا من أجل أن يرفع من معدله السنوي و يحسن نقاطه في المواد العلمية التي تؤهله لذلك،  أما التلميذ  عبد الجليل بغدامجي من متوسطة بوغابة رقية، فقد اختار شعبة الآداب، لتمكنه في اللغة العربية كما قال، فضلا عن قدرته على الحفظ و رغبته في أن يحقق حلم أمه و يصبح مذيعا يقدم الأخبار في قناة عالمية.
و بمتوسطة كوحيل لخضر، قابلنا التلميذ لوصيف محمد شريف، فأخبرنا بأنه اختار شعبة العلوم، لتفوقه في مادتي الرياضيات والفيزياء عكس المواد الأدبية و اللغات، التي يرى بأنها يمكن أن  تعيقه مستقبلا  وتكون سببا في فشله  في شهادة البكالوريا بسبب علاماته الضعيفة فيها.
وأشارت التلميذة أسماء، من متوسطة جمال الدين الأفغاني، إلى أنها   وبالرغم من تفوقها في المواد الأدبية، فقد اختارت  شعبة العلوم  كتوجه، لاعتقادها بأن التخصصات العلمية   ستفتح لها أفاقا أوسع في سوق العمل مستقبلا. وأضافت رفيقتها أية قائلة،  بأنها  اختارت شعبة العلوم  لأنها توجه يميز التلاميذ المتفوقين و أن صورة الأدبيين أقل تقديرا في مجتمعنا من صورة العلميين الذين يشكلون نخبة التلاميذ بفضل تفوقهم في الرياضيات والفيزياء.
من جانبها، أخبرتنا التلميذة بثينة زايد أحمد، من متوسطة جمال الدين الأفغاني، بأنها اختارت شعبة الآداب  ليس بدافع حبها للتوجه، ولكن بسبب ضعفها في المواد  العلمية وليس لديها خيار أخر غير الآداب لأنها ليست متفوقة في اللغات الأجنبية كذلك. أما التلميذة  حماري رزان، من متوسطة حسان بورغود، فقالت بأنها من الطلبة الأوائل في دفعتها وأكدت، أنها اختارت تخصص الآداب لتفوقها في اللغات الأجنبية، فضلا عن أنها أول خطوة في طريق تحقيقها لحلمها في أن تصبح مترجمة مستقبلا.
أولياء يختارون الشعبة بدل أبنائهم
لاحظنا خلال استطلاعنا العدد الكبير للأولياء الذين كانوا ينتظرون أبناءهم على أبواب المؤسسات التعليمية، و بينهم ما كانوا يهرعون إليهم بمجرد خروجهم من المتوسطة للسؤال عن أدائهم في الامتحان و الشروع في مناقشة ورقة الاختبار مباشرة، تقربنا من بعض ممن رافقوا أبنائهم الممتحنين، وسألناهم نفس السؤال عن الشعبة المفضلة وسبب اختيارها فاتضح بأن التلاميذ ليسوا وحدهم من يحددون خياراتهم، بل هو قرار يتدخل فيه الأولياء بشكل كبير، حتى أن من بينهم من صارحونا بأنهم من يحددون التوجه الدراسي للتلميذ في الثانوية.
 حديثنا إلى بعض الأولياء بين، بأن منهم من يصرفون النظر عن مستوى أبنائهم في بعض المواد وقدرتهم على النجاح في شعبة على حساب أخرى، و السبب هو أنهم لا يزالون أسرى الصورة النمطية التي تكرس تفوق العلوم على الآداب، وبهذا الخصوص قالت السيدة فيروز التي رافقت ابنتها، بأنها تحرص على ألا  يقع أبناؤها في الاختيار الخاطئ بخصوص مسارهم الدراسي، لأن سنهم صغير ولا يمتلكون الثقة الكافية و القدرة على اتخاذ القرارات  المستقبلية المهمة، التي تناسب مستقبلهم، لذلك تقوم باختيار التخصص في مكانهم، وهو ما فعلته مع ابنتها آية، التي قالت، بأنها ممتازة في المواد العلمية لذلك  وجدت بأن جذع العلوم هو الأنسب لها لتصبح طبيبة في المستقبل.
أما السيدة أمال، فأكدت  بأنها تركت لابنها حرية  انتهاج مساره التعليمي   بنفسه،  لكي  لا تندم  مستقبلا في حال عدم نجاحه في التخصص الذي اختارته له، مشيرة إلى أن  بعض الآباء والأمهات يتصرفون  من منطلق تفكير «ديكتاتوري» أحيانا،  و يفرضون على أبنائهم  توجها معينا دون أن يقتنع به التلميذ أو يكون قادرا حتى على مجاراته.
* مستشار التوجيه والإرشاد المدرسي صلاح الدين برينس
الاختيار يجب أن يرتكز على المؤهلات العلمية
وبذات الشأن، أوضح مستشار التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني صلاح الدين برينس   بأن الخطأ الشائع الذي يقع فيه الكثير من التلاميذ هو اختيار الشعبة حسب رغبة الأولياء   ما تنجر عنه انعكاسات سلبية على مستقبلهم و على قدرتهم على النجاح في التعلم والوظيفة. مؤكدا، أنه في الكثير من الأحيان لا ينجح   الأولياء   في اختيار  الشعبة  التي تتناسب مع مؤهلات الأبناء العلمية.
وأكد مستشار التوجيه في حديثه، على ضرورة التفكير أكثر من مرة رفقة الأولياء لاختيار الشعبة التي تتوافق مع المؤهلات العلمية و الميولات، و بحسبه، فإن الكثير من التلاميذ رسبوا في سنتهم الأولى بالثانوية، بسبب عدم تمكنهم من استيعاب مستوى التدريس في الشعبة.
وأوضح، بأنه يتم توجيه التلاميذ إلى الجذعين المشتركين إما آداب أو علوم،  حسب الأماكن البيداغوجية و المناشير والقوانين التي تسير بها المؤسسة، فيما تترك الحرية لـ 5 بالمائة من التلاميذ المتفوقين لاختيار  التوجه الذين يريدونه، ويكون توجيه  نسبة 95 بالمائة من التلاميذ  الآخرين حسب رغبة التلميذ و قرار مجلس التوجيه.
ولفت المتحدث، إلى أن قضية اختيار الشعبة تبقى من الأمور المهمة في حياة  التلميذ لأنه اختيار تتدخل فيه عدة عوامل من بينها الرغبة الشخصية، وكذا المؤهلات المعرفية والنفسية، مشيرا إلى أن الاختيار يجب أن يكون بطريقة منطقية وعقلانية.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى