غيّر جحيم العدوان الإسرائيلي المتصاعد منذ السابع أكتوبر الماضي على قطاع غزة، طبيعة العيش بعد أن أحدث دمارا كبيرا رافقه تطبيقا ممنهجا لسياسة الأرض المحروقة على طريقة صهيونية فرضت التجويع و قطع الغاز والكهرباء والماء والإنترنت واستهداف المخابز والمحلات، ليجد المواطنون أنفسهم أمام حتمية البحث عن حلول بدائية لتوفير متطلبات العيش، بداية بالعودة لضوء الشموع، واستخدام الفحم كبديل للأفران، أما بطاريات السيارات فقد أصبحت الحل الوحيد لشحن الهواتف.

شبكة « أي سيم» للاتصال بالعالم بعد قطع الإنترنت

 ومنذ قطع الاحتلال الإنترنت عن أهل القطاع و عزلهم عن العالم، بدأ استخدام طرق أخرى للتواصل حيث تنبه المواطنون إلى ميزات شبكة « أي سيم»  أو  « إمبايدد سيم» وهي رقاقة إلكترونية صغيرة داخل الهاتف المحمول تتيح الاتصال بمزودي الخدمة بدلا من الشريحة التقليدية، وذلك بالاستعانة بالأقمار الصناعية للحصول على تغطية الشبكة، عبر ربطها بإحدى الشركات القريبة التي تمتلك الخدمة، وتوفر بعضها خدمة الاتصال وإرسال الرسائل  القصيرة، فيما تقتصر أخرى على توفير الإنترنت فقط، ويمكن إدراج ما يصل إلى 8شرائح في هاتف واحد، تعمل الشريحة في الهواتف الحديثة و الحواسيب اللوحية، ويمكن إضافتها إلى أنظمة عمل السيارات.
 ويتحصل عليها الغزاويون عن طريق موقع « إيرالو» مستغلين شبكة «سيلكوم» الإسرائيلية للاتصالات، و الشركات المصرية والأردنية التي يمكن التقاطها، وقد نظم نشطاء عبر مواقع التواصل حملة تبرعات لتوفيرها عبر شراء كمية من الشرائح في دول الخارج و تحويل رموزها إلى أهالي غزة لاستخدامها هناك.
الفحم وأفران الطين  لتحضير الطعام
نقص الغذاء جراء غلق وتدمير المحلات والمخابز وتعذر وصول الإمدادات الغذائية، زاد من تأزم الوضع الإنساني في القطاع وخلف أزمة غذاء حقيقية، لكن ثراء الموروث الفلسطيني بعادات غذائية لا تحصى جعل الغزاويين يتصدون لسياسات التجويع الممنهجة، باللجوء إلى حيل ووسائل بسيطة عادوا من خلالها إلى قرون غابرة، حيث يعتمدون على الفحم و أغصان الأشجار لتحضير الطعام، في رسالة للمحتل تعبر عن قوة العزيمة.     

نساء القطاع، لجأن أيضا إلى طرق قديمة لإعداد مأكولات تسرع الشعور بالشبع كبعض الوجبات الشعبية التي تعتمد على الأطعمة المجففة والمخزنة، مثل الفول الأخضر والفاصولياء، ناهيك عن بعض أنواع الخضروات كالطماطم والفلفل و البقوليات التي يتم تجفيفها في فصل الصيف لاستخدامها شتاء، فضلا عن استعمال الزيوت، ودهن الأبقار المعبأة في الأواني الفخارية.
ومن الأكلات التراثية الفلسطينية القديمة، البِصارة المتمثلة في طبق الملوخية والفول، وكذلك وجبة الهَليون والخبيزة، والصنيعة وسلطة الملوخية التي يضاف إليها الفلفل والليمون والبصل، كما يحضرون القهوة والشاي على النار لإعطاء الجسم نشاطا أكبر، وينشر البعض يومياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ليوثقوا للعالم جزءا من معاناتهم بسبب العدوان و يثبتوا قدرتهم على الصمود.
ويظهر في الفيديوهات المتداولة، تجمع العديد من الأسر أمام موقد الفحم لتحضير الخبز التقليدي، كما يصور الفنان الكوميدي ومقدم البرامج محمود زعيتر، تفاصيل الحياة في غزة بشكل شبه دائم وكثيرا ما يظهر وهو يحضر طبق «قلاية البندورة» على الفحم بعد فرم المكونات بأداة خشبية، وهو طبق يسمى أيضا «شكشوكة» عند إضافة البيض إلى الطماطم.
 كما قام الشاب بشوي البدنجان على الفحم، وفرمه بذات الأداة وسط وعاء الفخار لتحضير سلطة «كبدة الغلابة» أي «البدنجان»، مبرزا في فيديو له، ما تجود به الأراضي الفلسطينية من خيرات زراعية وتراث غذائي، كما قدم كيفية تحضير القهوة العربية.
رغيف الفحم بديل للخبز

وبعد استهداف قوات الاحتلال للمخابز، عاد الغزاويون لتحضير الرغيف المطهو على الفحم، واستخدم البعض أغصان الشجر فيما حول آخرون «طنجرة الكهرباء» إلى فرن بعدما عوضوا مكان السلك الكهربائي بالفحم، الذي يضطرون إلى النفخ عليه مرارا ليشتعل، وهي طريقة تقليدية فصل في شرحها شاب في أحد الفيديوهات قائلا، إن نصف كيلو  من الفحم يكفي لطهو 35 رغيفا وهي طريقة تقليدية متوارثة عن الجدات.
كما لجأ سكان إلى البحر واستعملوا الأمطار لمواجهة أزمة الماء ويضطر الغالبية حسب مدونيين وصحفيين، لتناول وجبة طعام واحدة في اليوم أو الثلاثة أيام بسبب نقص الإمدادات الغذائية، ناهيك عن عدم تمكن مزارعين فلسطينيين من الوصول لأراضيهم، بسبب الحرب والأضرار الفادحة التي لحقت بالمحاصيل جراء القصف، كما بات المنتوج الموسمي مهددا خاصة منتوج الزيتون، بعد أن كان مصدرا أساسيا لدخل العديد من العائلات.
كي الملابس على الطريقة القديمة
صعوبة الحياة في قطاع غزة لا تتوقف على توفير الطعام فحسب، وإنما تمتد لمناحي الحياة الأخرى، كتوفير الملبس، وتنسيق المظهر بالنسبة للعاملين في القطاع المرئي، وهو ما أبرزه مقدم البرامج والممثل ابن قطاع غزة الناشط على مواقع التواصل، محمود زعيتر، الذي يجد في الفحم بديلا للوقود والكهرباء، حتى عند كي الملابس، وقد وجد نفسه مجبرا كما قال على استعمال وعاء تحضير القهوة بعد تنظيفه وتسخينه على الفحم، لكي ثيابه ليبدو في مظهر مناسب أثناء التصوير، و ظهر في مقطع فيديو عبر حسابه على إنستغرام يحمل بيده قدر فحم قائلا « لدي تصوير مهم جدا وملزم بتجهيز نفسي «، متابعا «غلاية بروح ومعنويات مكواة، فنانين العالم موش أحلى من فنانين غزة، نحن من ولى حاجة نعمل حاجات كثير».
الأحمرة والدراجات الهوائية لحل أزمة النقل

ويلات المحتل، شلت الحياة بالكامل في القطاع، إذ يجد السكان صعوبة أيضا في التنقل، لعدم توفر الوقود وتدمير كثير من المركبات، لكن أبناء غزة يجدون دائما حلولا حتى وإن كانت بدائية لمواصلة حياتهم، فمنهم من يستخدم دراجته الهوائية في التنقل، فيما هناك من يعتمدون على الأحمرة والعربات التي تجرها للتنقل، ولعل أكثر وسيلة هي المشي على الأقدام لمسافات طويلة ويطلق على ذلك غزاويون مصطلح «باص 11» أي التنقل مشيا كما يعبرون عنه عبر حسابات البعض.
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى