وسّعت التكنولوجيات الحديثة دائرة نشاط المرشدين السياحيين بقسنطينة، فلم يعد منحصرا في العمل الروتيني فقط، بل تعدى ذلك إلى العمل على استقطاب السياح من خلال الترويج الممنهج عبر وسائط الميديا الجديدة، لتتحوّل حسابات وصفحات البعض على مواقع التواصل إلى بوابة لجلب عدد أكبر من الوفود من الداخل والخارج، ما أعطى حسب فاعلين في القطاع، دفعا قويا للحركية السياحة بمختلف جوانبها، وبالأخص السياحة الثقافية، التي عرفت انتعاشا لافتا.

استطلاع / أسماء بوقرن

ضاعفت التكنولوجيات الحديثة، من أهمية الدور الذي يلعبه المرشد السياحي محليا، بعد أن تعددت مهامه من تأطير الوفود إلى المساهمة في الاستقطاب باستعمال الأدوات الرقمية واستغلال الفضاءات الافتراضية، للترويج لثقافتنا و كنوزنا الجغرافية خارج الحدود، وهو ما لاحظناه خلال وبعد الأزمة الوبائية.
ومن الحسابات التي ولدت من رحم الأزمة، حساب طالب الدكتوراه حيدر رواق المختص في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 02، وهو ملحق بالترميم ومرشد متحفي بقصر أحمد باي بقسنطينة، يلقب حيدر بسفير التراث والسياحة بقسنطينة، لنشاطه الكبير و شغفه بالترويج السياحي، حيث يوثق لمختلف نشاطاته وزياراته الميدانية للمواقع الأثرية سواء داخل قسنطينة أو خارجها، كما يخصص منشورات كثيرة للتعريف بالمصطلحات المعمارية والزخرفية للعمارة الإسلامية كالرواق والإيوان والجفت والبخاريات والقمريات، وذلك عند الحديث عن مساجد قسنطينة ومعالمها الدينية، كما يصور مختلف الخرجات التي ينظمها مع محبي الاستكشاف ويقف عند كل تفصيل يتعلق بموروثنا المادي واللامادي، فيروج للطعام و اللباس التقليدي والحرف التقليدية و الحرفيين، وهي نقاط يعتبرها حيدر مهمة في التنمية السياحية و خلق مصدر للثروة كحرفة النحاس و صناعة اللباس التقليدي، فضلا عن الأطباق التقليدية التي تعد موردا مهما.

* لينة ميار رابية مرشدة سياحية
السياحة الاستقطابية وقود لازدهار القطاع محليا
تحمل لينا رابية شهادة تقني سامي في الإرشاد السياحي، و تنشط في المجال الذي تعتمد علي العمل فيه على إستراتيجية ترويجية تقول إنها ضرورية لضمان الحركية.
 وحسب المرشدة الشابة، فإن مواقع التواصل أخرجت المرشد من الإطار الضيق الذي ينتهي عند مرافقة الوفود و تأطيرها، للانفتاح على العالم والمشاركة في الاستقطاب والجذب السياحي، لما لذلك من أهمية في تحقيق التنمية السياحة، حيث عرفت النشاط بأنه يندرج ضمن السياحة الاستقطابية التي تعد وقودا لازدهار القطاع.
وأوضحت لينة في حديث للنصر، بأن الحركية السياحية تحتكم جدا لمدى فاعلية استخدام التكنولوجيات الحديثة، من قبل كل الناشطين في القطاع السياحي، وأن استغلالها بات ضرورة لا مفر منها لكسب رهان التنمية السياحية بأشكالها المتعددة.
وترى الشابة، بأنها مسؤولية الترويج للسياحة داخليا وخارجيا تقع على عاتق الجميع، قائلة إنها ركزت منذ بداية تكوينها في المجال على توثيق خرجاتها الميدانية بالصوت والصورة، وتوظيفها للدعاية عبر صفحتها على فيسبوك و إنستغرام، مع اعتماد تقنيات الجذب البصري باستخدام تطبيقات التكنولوجيات الحديثة، لإظهار جمالية المعلم وإبراز القيمة الأثرية والتاريخية للمكان، فضلا عن التركيز على الجانب الجمالي للمدينة بتنويع زوايا التصوير عند التقاط مشاهد لجسور قسنطينة وأطباقها وألبستها التقليدية، وهو ما أعطى نتائج مبهرة و في ظرف وجيز حسبها،  حيث لمست تفاعلا كبيرا من جزائريين تواصلوا معها لأجل زيارة المدنية وطلبوا منها تأطير جولاتهم حتى يتسنى لهم الاستمتاع بكل ما شاهدوه عبر صفحتها.
المطبخ التقليدي أكثر ما يستقطب الأجانب
وأضافت لينة، بأن العديد من الأجانب يتفاعلون مع صفحتها وغالبيتهم من تركيا وإيطاليا وأمريكا، يبعثون برسائل تعبر عن انبهارهم بجمال قسنطينة، وروعة معالمها و يبدون رغبة في زيارتها و تذوق أطباقها، ويقولون بأن الصور والفيديوهات غيرت نظرتهم السلبية عن بلدنا، مشيرة إلى أنها رافقت سياحا كثرين أكدوا لها بأن أكثر ما أحبوه في المدينة هو مطبخها التقليدي وبالأخص طبق الكسكس القسنطيني «المحور»، كما أشارت إلى أنهم يحبون كذلك الموسيقى المحلية « المالوف»، مضيفة بأن الترويج على المنصات أتى بثماره و قد لاحظت من خلال نشاطها في الميدان ارتفاع عدد السياح الأجانب هذه الصائفة في قسنطينة، وذلك بمعدل 500 سائح إضافي مقارنة بالموسم الماضي.
وقالت محدثتنا، إن نجاح المرشد السياحي لا يتوقف على التكوين الذي يتلقاه في المعهد فحسب، بل يتوجب عليه أيضا، بذل جهد شخصي إضافي، و التسلح بالزاد التاريخي والأثري وتعلم اللغات الأجنبية لضمان نجاعة العملية الاتصالية، و الأصح أن يتقن المرشد ثلاث لغات كأقصى تقدير، فضلا عن امتلاك مهارات التواصل مع أجانب، وذلك بدراسة الجنسيات وتوفير شروط الراحة النفسية للسائح، مع التفتح على مختلف الثقافات.
وأردفت، بأن نشاط المرشد بات أوسع ميدانيا وذلك بعدم الاكتفاء بتأطير الوفود، وإنما المشاركة في مختلف التظاهرات والصالونات الدولية التي تحضرها جنسيات مختلفة، للقيام بالدور الترويجي وتسليم الخريطة الأثرية الثقافية، التي كانت تنقص القطاع الثقافي بقسنطينة ويطلبها أجانب بكثرة، مؤكدة بأن ديوان السياحة بقسنطينة، أعد مطويات تعرف  بالمعالم و المسالك السياحية الدينية والبيئية باللغات الثلاث العربية والانجليزية والفرنسية، وهي إضافة مهمة.  
وحسبها، فإن نجاح السياحة يتوقف على توفير شرط النظافة في محيط المعالم الأثرية، لأنها أكثر نقطة سوداء يواجهها الناشطون في المجال، إذ كثيرا ما يحرجون أمام السياح بسبب وضعية بعض الأماكن، داعية في ختام حديثها، إلى ضرورة تهيئة المدينة القديمة التي تعد وجهة مفضلة لزوار المدينة.
* حنان ديك أستاذة في الإرشاد السياحي
علم النفس السياحي بات ضرورة في تكوين المرشدين
من جانبها، ترى حنان ديك، أستاذة بمعهد التكوين المهني عبد المجيد زيتون بعلي منجلي، مختصة في علم الآثار والفن الإسلامي ومشرفة على تكوين المرشدين السياحيين، أنه بات من الضروري مشاركة كل الفاعلين في الحقل السياحي لتحقيق التنمية السياحية، مؤكدة على أن المرشد السياحي بات أكثر أهمية، بعد أن أصبح مساهما فعالا في جذب السياح من خلال حساباته الافتراضية، ما يوجب إدراج مقياس علم النفس السياحي في البرنامج التكويني.   
وتحدثت الأستاذة عن أطر تكوين تخصص الإرشاد السياحي كمجال يعرف اهتماما متزايدا من الشباب، حيث ذكرت مجموعة من المقاييس المسطرة ضمن البرنامج التكويني، تشمل حسبها دراسة المواقع الأثرية وكل ما هو متعلق بالقطاع الثقافي لتعلم سبل وميكانيزمات تثمينها و تقديم الشرح للسائح المحلي والأجنبي على حد سواء، مع التركيز على المعالم التي تزخر بها قسنطينة، كمتحف سيرتا وقصر الباي والمدينة القديمة «السويقة»، وإبراز الأنشطة الثقافية التي ينظمها قطاع الثقافة والسياحة، زيادة على تدريس مقياس تاريخ الحضارات، وتاريخ الفن والتركيز على مختلف المقومات الثقافية كالنحاس والنسيج، والتعريف بالتطور التاريخي لفن العمارة، و تلقين طرق التعامل مع السياح،  من خلال دراسة الجنسيات الأكثر توافدا وطبيعة كل شعب وكيفية تأطير الأفواج السياحية.
والى جانب التكوين الأكاديمي، هناك شق تطبيقي كما أوضحت، يعد مهما لإبراز المخرجات البيداغوجية، من خلال زيارة المتاحف وحضور الملتقيات والمعارض السياحية، للتواصل مع المتعاملين الاقتصاديين والتقرب من المكونين في القطاع السياحي، مؤكدة، بأن المقاييس المعتمدة في التأطير، لها دور كبير في تكوين المرشد السياحي، لكنها ليست كافية وتستدعي تكوينا ذاتيا من قبل المرشد، الذي يجب أن يتمتع بروح الاطلاع، وتقترح المتحدثة إضافة مقاييس أخرى تراها ضرورية، كعلم النفس السياحي الذي يعد أساسيا في مناهج التكوين ببلدان رائدة في قطاع السياحة، ومهما كذلك، للاستقطاب السياحي بفضل تضمنه لطرق تحقيق الاتصال الجيد.
و يشترط التكوين في التخصص بالمعهد، مستوى الثالثة ثانوي ويستغرق سنتين ونصف لنيل شهادة تقني سامي مستوى خامس، ويتماشى مع التطور الحاصل في مجال تأطير الوفود والترويج السياحي، وقالت المكونة، بأن هناك مواكبة من ناحية استعمال التكنولوجيات الحديثة، التي أدرجت بشكل آلي من قبل طلبة الدفعات الأخيرة خصوصا من يجيدون استعمالها ويوثقون مختلف الأنشطة وينشرونها عبر حساباتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت بوابة للترويج السياحي.
وأضافت، بأن الفريق البيداغوجي القائم على التكوين، يسعى دوما لغرس ثقافة استخدامها، والدليل أن هناك شبابا ناشطا بقوة على المنصات، بينهم من يتحكمون بشكل جيد جدا في التقنيات الحديثة و يمتلكون قنوات على يوتيوب، مشيرة إلى أن هذا الالتزام و التطوع من أسرار انتعاش النشاط السياحي بقسنطينة، فضلا عن عوامل أخرى تتعلق برقمنة بعض المواقع الأثرية و برمجة الزيارات الافتراضية، ناهيك عن تدعم قطاع الثقافة بخريطة أركيولوجية، تقدم كتطبيق تفاعلي يسمح باكتشاف كنوز بلادنا.
وقالت محدثتنا، بأن مجال الإرشاد السياحي أصبح مجالا جاذبا بعد الجائحة، و يشهد إقبالا ملحوظا من طرف الشباب، حيث تضاعف عدد المسجلين في المعهد من 35 شابا ليصل إلى 68 موزعين على فوجين.
* مريم قبايلية مديرة قصر الباي
نكوّن مرشدين سياحيين ضمن استراتيجية جديدة
أكدت مديرة متحف الفنون و التعابير الثقافية الفنية قصر الحاج أحمد باي، مريم قبايلية، بأن المتحف فتح أبوابه  لتكوين المرشدين السياحيين، حيث استقبلت أول دفعة من المعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني بقسنطينة، في الفترة ما بين سبتمبر 2022 إلى غاية فيفري 2023، وخضع الشباب لتكوين مدته ستة أشهر. وأضافت، أن المتحف، قام بتأطير 10 مرشدين سياحيين يتقنون أكثر من لغة، رافقوا طوال مدة التكوين الفريق التقني للقصر عند تأطير الزيارات الإرشادية و الوفود الأجنبية، ما مكنهم من كسب مهارات جعلتهم على أتم الاستعداد للعمل مع وفود «الشان».                               أ ب 

الرجوع إلى الأعلى