تلاميذ كسروا حاجز الإعاقة بالتفوق في الدراسة
حقق التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة بقسنطينة نسبة 100 بالمائة نجاح في شهادة التعليم المتوسط هذا العام، بعد أن اجتاز العشرة تلاميذ الخطوة بإرادة وتفوق،  فيما تحصل 13 آخرين  على معدلات جيدة في شهادة التعليم الابتدائي، مشكلين بذلك نماذج استثنائية  جعلتهم يتفوقون على أصحاء  ويرسمون طريق نجاح لم يكن سهلا بالنظر لوضعياتهم الصعبة.
عبد الله بودبابة
عبد النور، أشرف ، وأماني نماذج تشكل قصصا واقعية لحالات صنعت من الإعاقة محركا للتفوق ، بعد أن آمنوا بقدراتهم على التحدي وتجاوزوا صعابا طرحت منذ أن فتحوا أعينهم على عالم شعروا فيه بأنهم  أطفال غير عاديين.
 هؤلاء الأطفال كانوا محل تكريم إلى جانب متفوقين آخرين من  مديرية النشاط الاجتماعي بولاية قسنطينة مؤخرا ، بالتنسيق مع جمعية السراج في حفل شهد توزيع  شهادات شرفية وجوائز رمزية على 23 تلميذا تحصلوا على  أعلى المعدلات في امتحانات نهاية السنة  .
صاحب أعلى معدل في شهادة التعليم الابتدائي
عبد النور بولمعيز: درست في قسم عادي و كنت من بين الأوائل
بخجل كبير وابتسامة لم تفارق وجهه البريء، تحدث إلينا عبد النور بولمعيز، صاحب أعلى معدل في شهادة التعليم الابتدائي بمدرسة الأطفال المعاقين بصريا بقسنطينة بمعدل 9.20، مؤكدا بأن سر تفوقه يكمن في المجهودات الكبيرة التي بذلها خلال مشواره الدراسي، ومساعدة المؤطرين الكبيرة له.
عبد النور المولود بتاريخ 13 ديسمبر 2003 ،الثاني في الترتيب بين أخوين اثنين، معاق بصريا بنسبة 100 في المائة منذ ولادته، وذلك بسبب إصابته بمرض «غلوكوما»، التحق بمدرسة عادية بمسقط رأسه بواد زهور، التابعة لولاية سكيكدة، حيث كان يعتمد على السمع في حفظ الدروس وفهمها داخل القسم، و قال والده بهذا الخصوص:»عبد النور يتمتع بذاكرة قوية جدا، وهو يستطيع حفظ الدرس بعد سماعه مرة أو مرتين فقط، وقد تمكن خلال دراسته بمدرسة رابح دريدح من افتكاك معدلات جيدة ، و قد كان من بين العشرة الأوائل في السنوات الثلاث التي قضاها في المدرسة الابتدائية».
وبعد انتقال عبد النور للسنة الرابعة ابتدائي، وبناء على نصائح وجهها بعض الأساتذة لوالده، تم تحويله إلى مدرسة صغار المكفوفين بقسنطينة، أين تمكن من تعلم تقنية «البراي» في ظرف قياسي، ثم التحق مباشرة بالسنة الرابعة ابتدائي، وأتم الطور الابتدائي بنفس المؤسسة، حيث كان والده يصطحبه كل بداية أسبوع من وادي زهور، نحو الميلية بولاية جيجل، ثم نحو قسنطينة في حافلة تابعة لمديرية النشاط الاجتماعي و كان يقيم طيلة أيام الأسبوع بداخلية المؤسسة.
و أشار عبد النور بأن والده الذي يمارس أنشطة مختلفة بواسطة جراره، يمنحه كل بداية أسبوع مبلغا ماليا بسيطا لا يتجاوز في أحسن الأحوال 200 دج ليقتني به ما يحتاجه، مضيفا بأنه متابع جيد للتلفزيون، شأنه شأن أي طفل آخر، و يتابع بدقة الرسوم المتحركة على غرار «كونان» .
تحصل على معدل 13.08 في شهادة التعليم المتوسط
أشرف بوعبد الله: أحلم أن أصبح إمامـا وخطيبـا بمسجد الجزائـر الأعظـم
تعد حالة أشرف بوعبد الله من بين أكثر الحالات الاجتماعية تعقيدا بمدرسة صغار المكفوفين بقسنطينة، فلديه شقيقين آخرين مكفوفين، الأول تحصل العام الماضي على شهادة ماستر 2 في علم النفس ويعمل بمدرسة ابتدائية، في إطار عقود ما قبل التشغيل من مديرية النشاط الاجتماعي، وشقيقته الثانية اجتازت هذه السنة شهادة البكالوريا شعبة آداب و فلسفة.
و اعترف أشرف المولود بتاريخ 8 أكتوبر 1998 ببلدية قرارم بولاية ميلة، بأن  التحاقه بمدرسة نظامية عادية كان غير موفق، و تذكر بحسرة ما تعرض له من قبل معلم آنذاك، حيث كان يتعمد إجلاسه في المقعد الأخير، رغم عدم تمكنه من رؤية ما يكتب على السبورة، مضيفا: «لم يتوقف ذلك المعلم عند هذا الحد، بل كان يأمر زميلي الذي يجلس بجاني ، ألا يقرأ على مسامعي ما يكتب، ولهذا رسبت سنتين متتاليتين في السنة الأولى، قبل أن أتمكن من النجاح»،  ليتابع: «بعد انتقالي إلى مدرسة صغار المكفوفين بقسنطينة، تمكنت من إتقان تقنية البراي في ظرف قياسي لم يتعد الشهر ، وبعدها التحقت بالقسم وقد كنت دائما ضمن الأوائل، تحصلت على شهادة التعليم الابتدائي بمعدل فاق 9 من 10». تحدي أشرف لم يقتصر على الدراسة فقط، بل تعداها إلى ممارسة الرياضة كأي طفل عادي، فقد قال لنا أنه مهووس بكرة القدم، ويمارس هذه الهواية رفقة عدد من رفاقه، مؤكدا أن فقدانه لحاسة البصر سمح له بأن يطور حواسا أخرى، على غرار السمع وإدراك مكان الكرة، كما أنه مناصر وفي لكل من فريقي مولودية الجزائر و ريال مدريد الاسباني. و يأمل أشرف أن يصبح إماما وخطيبا في مسجد الجزائر الأعظم، و داعية إسلامي كبير ومعروف، كما يحلم بإنشاء قناة تلفزيونية رياضية متخصصة يمكن أن تكسر الاحتكار الذي تمارسه بعض القنوات حاليا، و يتمكن الفقراء، حسبه، من متابعة أنواع الرياضة  التي يحبونها مجانا.
أمانـي جباسـي: مرضي  لا يمنعني من الدراســة ومساعــدة والدتــي  في المنــزل
رغم أنها تعاني من مرض «سبينا فيدا» ومصابة بإعاقة حركية و بصرية، إلا أن التلميذة أماني جباسي تمكنت من حصد علامات جد مشرفة في شهادة التعليم المتوسط، حيث حصلت على معدل 12.60، وذلك لاجتهادها و إصرارها على النجاح ومساعدة الأهل و الأساتذة.
أماني التي انتقلت السنة الماضية فقط رفقة عائلتها المتكونة من والديها وثلاثة إخوة نحو شقة جديدة بالوحدة الجوارية رقم 16 بعلي منجلي بقسنطينة، بعد أن كانت تقطن بمنزل صغير بأرض عميروش بالمنية، قالت أنها تمكنت من النجاح بفضل المساعدة الكبيرة التي تلقاها يوميا من والديها، وكذا مؤطريها في المدرسة المتخصصة، مؤكدة بأنها ستواصل الاجتهاد و التفوق من أجل الوصول إلى أعلى المراتب.
محدثتنا تحدت خجلها، و قالت لنا بأنها واقعية جدا  و تدرك وضعيتها و قدراتها، لكنها ستبذل قصارى جهدها لكي  تكون دائما إنسانة إيجابية، تتصدى للظروف السلبية و العراقيل التي تصادفها، مشيرة إلى أنها إلى جانب تركيزها على طلب العلم، تساعد والدتها  في أعمال المنزل، شأنها شأن أي فتاة عادية.

الرجوع إلى الأعلى