يرى أئمة و أساتذة مختصون بأن ضعف الخطاب الديني و عدم مواكبة الأئمة للواقع الاجتماعي، فتح الأبواب على مصراعيها أمام التيارات و الأفكار الطائفية المتشددة التي أكدوا أنها مدعمة لوجستيكيا من قبل لوبيات و قوى خارجية في مقدمتها الكيان الصهيوني، تسعى لضرب استقرار الجزائر، مثلما هو شأن الطائفة الأحمدية التي وجدت لها موطئ قدم بالمدارس و الجامعات الجزائرية و هي التي لم يكن لها أثر في تاريخ أمتنا، كما شدّد البعض على ضرورة التفكير في تكوين مختصين في الإعلام الديني، لمواجهة خطر الفضائيات و الوسائط الإعلامية المشجعة للطائفية، وسط غياب المرجعيات الدينية القاعدية و تغييب العلماء و الفقهاء لترك المجال للجاهلين للتلاعب بعقول الناس. النصر سألت عددا من المشاركين في ندوة علمية نظمتها أمس مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف بقسنطينة بقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة، عن  واقع الخطاب الديني ببلادنا في ظل الانفتاح الإعلامي و انتشار الوسائط المشجعة للطائفية و رصدت آراء بعضهم.
إعداد مريم بحشاشي
الأستاذ مصطفى عبد الرحمان إمام مسجد الأمير عبد القادر
لو عمـل أئمتنا بمنهج ابن باديس لأغلقوا الأبواب أمام الطائفية
اعتبر الأستاذ مصطفى عبد الرحمان إمام مسجد الأمير عبد القادر، بأن الانفتاح الإعلامي في غياب قاعدة إيمانية لدى شباب و أبناء أمتنا، ساهم في فتح الأبواب  للأفكار المتطرفة من الوصول إلى قلوب البعض، مضيفا بأن غياب المرجعيات و تغييب العلماء و العقلاء و الفقهاء و الحكماء أضعف جسد الأمة، مشيرا إلى وقوع الكثير من الأئمة في الخطاب الديني النمطي لعدم  مواكبتهم للواقع الاجتماعي.
و قال محدثنا بأن الكثير من الأئمة لا يتمتعون بنظرة استشرافية، كتلك التي كان يتمتع بها الأولون مثل العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس الذي قال أنه قبل أن  يكرّس حياته لتفسير القرآن، حرص على تأليف كتاب مهم أطلق عليه عنوان «العقائد الإسلامية» ،لإيمانه بأن العقائد تمثل الأساس الصحيح الذي يغلق الأبواب أمام أي طائفة  أو فكر متطرّف.  و أضاف بأنه ينبغي على الإمام مواكبة عصره، و يختار خطبا تعالج واقع المتلقي، معتبرا الحديث في المسائل التي لا علاقة لها بواقع الناس، خطبا فاشلة.  و قال بأن الطبيعة لا تحتمل الفراغ، خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي الذي يفرض البحث عما أطلق عليه «اللقاح الديني الناجع» ، لتحصين أفراد المجتمع أمام تزايد خطر انتشار المد الطائفي. و يرى محدثنا بأنه لابد من إيجاد ميكانزمات لمواجهة الفكر التضليلي بكل أنواعه، و على الأئمة تبادل الخبرات و مناقشة ذلك مع مختصين و دكاترة و الانتقال من الجانب النظري نحو الجانب العملي، و ذلك بالخروج من المساجد، معتبرا تجربة الشيخ عبد الحميد ابن باديس أفضل ما يجب الاقتداء به في مثل هذه الظروف، لأنه لم يكن يؤيد فكرة حبس الدين في المسجد، و فضل  الاحتكاك  بالمجتمع، و رغم انشغالاته الكثيرة في تفسير القرآن، كانت له أنشطة في كل المجالات الفنية و الثقافية، سواء في المسرح أو الإنشاد أو الرياضة ، لأنه فهم مبكرا بأن الإمام يجب ألا  يكون حجرا أصما، فنجح في مخاطبة كل واحد بلغته و حسب مستواه، ووصل إلى قلوب الناس، فكان تأثيره واضحا عليهم.

الدكتور أحمد عبد اللي ،جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية
 مخطط دولي متعدد الأطراف يهدف لتفجير الجزائر من الداخل
من جهته يرى الدكتور أحمد عبد اللي من جامعة الأمير عبد القادر، بأنه لا يمكن مجابهة خطر المد الطائفي بالخطاب الديني النمطي، و بفضائيات تهتم بتفسير الأحلام و الأمور الفلكلورية التي تجاوزها الزمن، مشددا على ضرورة تكثيف الجهود و إشراك مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية و بشكل خاص الأسر، للتصدي لطوائف خطيرة انتشرت كالسرطان في صمت، لوجود عناصر دعم وقوة  وجودية مثل المال و العمل اللوجستيكي و الاستخباراتي المنظم و المخطط من قبل لوبيات تستهدف زعزعة الاستقرار الجزائري و تفجيره من الداخل، كما فعلت في دول أخرى ، كما هو الشأن بالنسبة للطائفة الأحمدية  الهندية الأصل و التي وجدت لها مقرا لها بلندن. و أضاف المختص بأن ملاحظة عدد الفضائيات و المواقع و الصفحات المخصصة لنشر الطائفية و عدد المتصفحين لها الذي يعد بالآلاف، ينبئ بمستقبل خطير و لا يمكن لقوات الأمن التصدى وحدها لكل ذلك،  و يؤشر بوجود تخطيط خارجي للحاقدين على الجزائر من لوبيات متعددة الأطراف و في مقدمتها الكيان الصهيوني، و هي ذات الأطراف التي فجرت سوريا  و الكثير من الدول العربية و تسعى لتحقيق نفس الأهداف بالجزائر، لكن بسيناريو مختلف.  أحمد عبد اللي تطرّق أيضا إلى أهمية الحرص على تحقيق الوحدة المرجعية و العقائدية و الفقهية، كحل لضمان اللحمة القوية بين أفراد المجتمع مهما اختلفت آراءهم و توجهاتهم، و هو ما تحاول بعض الأطراف الخارجية تحطيمه من خلال التقسيم الطائفي  الذي يعد مقدمة تفجير لأي بلد. و ركز الدكتور على ضرورة الاهتمام بتكوين مختصين في الإعلام الديني الذي اعتبره ضرورة ملحة في زمننا هذا، في ظل انتشار برامج يعدها أشخاص ليست لهم ثقافة دينية و خلفية شرعية و تاريخية بخصوص مثل هذه المواضيع الجادة و الحساسة، أمام خطر تزايد وسائل الإعلام الجماهرية و ما تروّج له من خطابات مذهبية موجهة خصيصا للمجتمع الجزائري، مؤكدا بأن ثمة   قنوات باللغة العربية و الأمازيغية أيضا، تستهدف مجتمعنا بالدرجة الأولى، فضلا عن الخطابات الإسلامية المتنوعة و المتضاربة الملتقطة بمختلف القنوات و الوسائط الإعلامية الأخرى. المحرّك يبدو في الواجهة دينيا، لكن الخلفية الحقيقية تخفي الصراع السياسي و الاقتصادي و ما لم يعد الغرب يبحث عن تحقيقه بالدبابة العسكرية، يسعى إليه بالدبابة الدينية و هي التقسيم الطائفي.

الدكتور والإمام رقيق عبد الكريم من جامعة الحاج لخضر باتنة
الخـطاب الدينـي يفتقر للهيكلة
الدكتــــور عبد الكريم رقيق /جامعة الحاج لخضر بباتنة/ يرى بأن الخطاب الديني و إن كان أوسع من الخطاب المســــــجدي الذي ظل، حســـــــــبه، محصـــــورا في المساجد ، في الوقت الذي يشمل هو كل المناحي الإعلامية و العلمية ، يبقى هو الآخر يفتقر للهيكلة «الخطاب الديني غير مهيكل و  غير موحد و غير هادف» ،قال الإمام، بأن كل تلك العوامل حوّلته إلى خطاب هواة لا يرقى لخطاب المحترفين و المتمرسين، مثلما كان في الماضي، الشيء الذي جعل هذا النوع من الخطاب مهدما لنفسه في نظره، مما ساهم في فتح المجال و الأبواب أمام تغلغل عديد التيارات و الأفكار الطائفية إلى بلادنا، لا لشيء سوى لأنها لم تجد من يتصدى لها و يقضي عليها قبل استفحالها. و أضاف محدثنا  بأن الأمور بدأت تتغيّر في الآونة الأخيرة، بعد أن أخذ الخطاب المسجدي نوعا من التنظيم، و الهيكلة لأنه أصبح الجهة الوحيدة القادرة على التصدي لهذا الخطر في تقديره، لكن بشرط إخراجه عن حدود المسجد من خلال توسيعه إلى وسائل الإعلام و الجامعات و اللقاءات بمختلف الفضاءات الثقافية و العلمية و الفكرية و حتى بالشارع، لجعل آفاقه أوسع. و اعتبر بأن الشعب الجزائري لديه استعداد لتقبل الخطاب المسجدي و الديني عموما  و هي خصوصية قد لا تتوّفر، حسبه،  بالكثير من الدول الأخرى، مما يجعله يتقبل الخطـــــاب الوســــطي و الهادف و البعيد عن التشدد و الغلو، مضيفا بأن  الخطاب الديني  يجب أن يكــــون وسطــــيا، يستمد من الماضي و يستشرف المستقبل، لأنه في أي انقطاع عن الأصول مرفوض، و أي تشدد دون حداثة و مواكبة الوقع مرفض أيضا، على حد تعبيره . و من عقبات الخطاب الديني اليوم في رأي محدثنا، تولي غير المختصين لهذه المهمة، حيث انتقد  بعض الفضائيات التي باتت تستغل الدين بما يخدمها تجاريا و باللغة التي توصلها إلى هدفها، الشيء الذي أضر الخطاب الديني، حسبه، و أعطى صورة سيئة عن الدين و منح الفرصة لأشخاص عاديين للتحدث في أمور الدين و التفويض عن رب العالمين، مشددا على ضرورة التنبيه لذلك، مؤكدا بأنه ليس كل عالم مؤهل لأن يتكلم باسم الدين، لأن ثمة علماء ينقصهم فنون الإيصال و ثمة أشخاص يتمتعون بقدرة الحديث و لا يفقهون في العلوم الدينية. و علّق بالقول «من المفروض أن يكون الذين يتصدرون هذه البرامج و يمنحون أنفسهم حق مخاطبة الناس أن يتمتعوا بمرجعية وطنية و دينية»،مؤكدا  على ضرورة إعداد  أشخاص متخصصين يجمعون بين حسن التعامل مع هذه الوسائط الحديثة و يتمتعون بمؤهلات علمية و خلفية دينية و ثقافية
و سياسية.                                   
م/ب

الرجوع إلى الأعلى