مغامرات تاجرات جزائريات اخترن ممارسة تجارة «الشنطة»
يزداد عدد النساء المروجات لسلعهن بالأحياء السكنية و صالونات الحلاقة و بالمؤسسات، الأمر قد يبدو عاديا لأول وهلة، لكن عند الاطلاع على قصص هؤلاء التاجرات و مغامراتهن للحصول على تلك السلع و التي تمتد إلى خارج الجزائر و بشكل خاص تركيا و دبي و المغرب و قبلها سوريا التي كانت وجهة الكثيرات قبل تدهور الأوضاع الأمنية فيها.
فالكثير من التاجرات لم تعد تكتفين باقتناء و إعادة بيع السلع داخل الوطن بل ، فضلن الاعتماد على أنفسهن في جلب سلعهن من الخارج مثلهن مثل الرجال، بحثا عن الربح ، مثلما ذكرت إحدى التاجرات التي التقيناها بصالون للحلاقة بوسط مدينة قسنطينة و التي أكدت بأنها كغيرها من محترفات نشاط «الكابة» وصلت إلى قناعة بأنها أحق بهامش الربح الكبير الذي يجنيه مستقدم البضاعة باسمها، فقررت المغامرة و السفر خارج الوطن لجلب سلعتها بمفردها، و كان ذلك منذ ست سنوات حيث كانت سوريا وجهتها الأولى، لتكتشف العدد الهائل للنساء الممتهنات لنفس النشاط، من مختلف مناطق الوطن، حيث تعرّفت على تاجرات من ولاية بسكرة، ساعدنها في تتبيث أقدامها في المهنة مثلما قالت.
التاجرة سهيلة ( 30سنة ) بدت مسترجلة، رغم ارتدائها لعباءة سوداء و خمار على الطريقة الخليجية، أسرت بأن قرار سفرها، سبب لها مشاكل كثيرة مع شقيقيها، لولا وقوف والدتها إلى جانبها، و لا زالا حتى اليوم لا يحدثانها لرفضهما لنشاطها، و أضافت سهيلة التي كانت تستعرض سلعة متنوعة، قالت بأنها جلبتها من دبي، سردت كيف أن رحلتها الأولى كانت شبه مغامرة، لأنها كانت تجهل كل شيء عن الأسواق و المحلات التي يتعامل معها التجار الجزائريون، إلا أن المهمة لم تكن بتلك الصعوبة التي تصوّرتها في البداية، لأن التجار كانوا يلتقون في فنادق قريبة من السوق، مثلما عرفته من تاجرات تعرفت عليهن بقسنطينة و أعجبت بشجاعتهن كما قالت.
و ذكرت صديقة لها، لحقتها إلى نفس الصالون لطلب عباءة لإحدى زبوناتها بعد أن استنفدت سلعتها كاملة، بأن عدد الجزائريات المحترفات للنشاط التجاري خارج الوطن، تضاعف بشكل كبير في السنوات الأخيرة و بشكل خاص بغرب الوطن و الصحراء، مؤكدة بأن أكثر النساء اللائي يلتقين بهن في رحلاتهن التجارية، غالبا ما يكنن من ولاية بسكرة و وهران و مستغانم و سعيدة.
و أسرت التاجرتان بأنهن يركبن المخاطر و يجازفن برؤوس أموال كبيرة كالرجال خارج حدود الوطن، حيث يضعن ثقتهن في أشخاص لجلب بضائعهن الكثيرة عن طريق البحر، في حين يعدن هن جوا. 

كنت ضحية احتيال وخسرت 100مليون سنتيم

و ذكرت سهيلة كيف أنها كانت ضحية احتيال منذ ثلاث سنوات بسوريا، حيث لم تتلق سلعة تجاوز سعرها 100مليون سنتيم، كانت تتقاسمها مع صديقتها عبلة، و خسرت كل شيء لأنها لم تتمكن من العودة إلى سوريا بعد تأزم الوضع في 2012 و اضطرت إلى اقتراض المال من تجار ربطتها بها علاقة عمل و ثقة طيلة امتهانها هذا النشاط، لإعادة بعث تجارتها، لكن هذه المرة من تركيا ثم دبي.
و طلبنا أرقام هواتف زميلات لهن في المهنة، لاستكمال استطلاعنا، فلم يترددن، و بعد اتصالنا بأم جهين بولاية بسكرة، أخبرتنا هذه الأخيرة بأنها و شقيقاتها الثلاث امتهن ذات النشاط منذ عشر سنوات، و لم تخف كيف تسبب لها نشاطها في مشاكل مع زوجها الذي طلقها بسبب إصرارها على مواصلة نشاطها الذي قالت بأن التخلي عن التجارة في الظروف الصعبة التي عانتها و عائلتها، كان بمثابة انتحار على حد تعبيرها، حيث كانت غارقة في الديون بعد شراء قطعة أرض لبناء بيت صغير يأويها و أطفالها الثلاث، بدل تكبّد تكاليف الكراء طوال عمرها.
أم جهين قالت أن التجارة حلال و أنها لا تشعر بأي نقص أو خجل لأنها تسافر و تقايض و تجلب السلع و تعيد بيعها لتجار آخرين بالوطن، معترفة بأن بعض التاجرات شوهن صورة التاجرات بتصرفاتهن غير الأخلاقية، ساردة كيف أن هؤلاء يخرجن متحجبات من الوطن، و بمجرّد نزولهن من الطائرة يتحوّلن إلى عارضات أزياء مثلما وصفتهن، لما يقمن به من إظهار لزينتهن و البهرجة المفرطة في الماكياج و كذا اللباس الضيق و القصير، لدرجة صعوبة التعرّف عليهن في الخارج.
و ذكرت قصة حدثت لها شخصيا في بداية رحلاتها التجارية و التي كانت إلى المغرب لجلب القفطان المغربي الذي عرف في السنتين الأخيرتين إقبالا منقطع النظير من قبل الجزائريات و بشكل خاص العرائس، و قالت بأنها ذهبت مع قريبة لها سبقتها لهذا النشاط، و عند وصولهما إلى الفندق بمراكش خلدت إلى النوم لشدة التعب بعد طول سفر و عندما استيقظت، لم تجد قريبتها فانتظرتها إلى غاية عودتها، لأنها لم تكن تعرف أحدا و لا المكان، و بعد عدة ساعات سمعت باب الغرفة يفتح ، رأت امرأة أنيقة تدخل و تستعجلها بارتداء ملابسها للذهاب إلى السوق، قبل حلول الظلام، و استغربت لرؤية قريبتها التي لم تتعرّف عليها في البداية لأنه لم يسبق لها رؤيتها من دون حجاب بالإضافة إلى تسريحة شعرها و الماكياج الذي لم تتذكر يوما أنها رأتها بتلك الزينة.

طلبت الطلاق للارتباط بتاجر سوري

و حاولنا الاتصال بتاجرة من ولاية سعيدة، لكنها رفضت التحدث إلينا، فيما أخبرتنا تاجرة من سيدي بلعباس بقصة صديقة لها، طلبت الطلاق من زوجها بعد وقوعها في حب تاجر سوري، ارتبط بها كزوجة ثانية، مؤكدة بأن زوجته الأولى جزائرية أيضا. و قالت أن أكثرهن حظا من ارتبطن بتجار من خارج الوطن، ساردة قصة صديقة أخرى لها ارتبطت بهندي مسلم تعرّفت عليه بدبي و هما اليوم يعيشان بأبو ظبي حسبها. و تطرّقت إلى المشاكل التي يواجهنها بسبب نظرة المجتمع إلى نشاطهن، قائلة بأن النشاط مربح لكن الكثير من النساء يدفعن ثمنه غاليا، إشارة إلى معاناة أكثر التاجرات من العنوسة. كما تحدثت عن التضامن الكبير الذي يلقينه خارج الوطن من قبل بعض التجار الجزائريين الذين يدافعون عنهن و يساعدونهن في الأوقات الصعبة.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى