وعدة سيدي محمد بلحناشي فرصة سنوية تجمع سكان عين عبيد
أحيا أول أمس عدد كبير من سكان بلدية عين عبيد بولاية قسنطينة، وعدة سيدي محمد بلحناشي في موسمها السنوي الذي يصادف الشهر الأخير من فصل الربيع، في أجواء فرحة اللقاء بين الكثير من الأهل والأصدقاء الذين حالت دون تواصلهم مشاغل الحياة، فكانت ساحة الضريح مكانا لإعادة ربط خيوط التواصل، حول قصع الشخشوخة، فتبادلوا أطراف الحديث ونبشوا في دفاتر الذكريات بالكثير من الحنين إلى الماضي الجميل.
ما ميّز موسم الوعدة ، الحضور القوي للشباب الذين جاءوا بكثرة ما يدل على نوع من التواصل بين الأجيال، ونقل مشعل الوعدة من السلف إلى الخلف، بالرغم من خصائص عصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي.
و يبدو أن الأجواء الربيعية والاحتفالية التي ميزت المناسبة ، ساهمت في الإقبال الكبير والتفاعل مع الموعد،  و تخليد مجرياته من خلال كاميرات الهواتف النقالة التي لم تتوقف عن التصوير و التسجيل، وكانت أنغام القصبة والبندير بألحان شجية تسمى « النوبة « أكثر ما جلب الانتباه والأنظار طوال صبيحة أول أمس ، إلى حين وقت وجبة الغداء ، حيث تتناغم معها الزغاريد، فتمتزج بما كانت تردده النسوة من مدائح دينية.  
شيخ الوعدة نكاع عبد الحفيظ،  قال للنصر بأن تنظيم المناسبة يعود إلى  1912، و التحضير للاحتفالية يبدأ بجولات داخل أحياء المدينة لجمع الدقيق والأموال ، و يتم تحضير الوجبة في منازل الشوّاش، و مساعديه 15 الذين دأبوا على ذلك، فيجتمع الزوار مع أحبابهم وأصدقائهم،  و بذلك كما أكد « نكون قد أعدنا ربط أواصر علاقات انفصمت».
عمي محمد، أحد كبار شوّاش الوعدة، قال لنا بأنها فقدت الكثير من مظاهرها الاحتفالية كما تقلصت مدة إقامتها، فهي كانت تدوم يومين الأربعاء التي تنصب فيها الخيام ويأتيها تجار يبيعون الحلوى  و الشواء والمأكولات الخفيفة للذين يشدون إليها الرحال من بعيد، في أجواء من التسبيح و قراءة القرآن، و تكون السهرة ليلة الخميس على أنغام القصبة الشجية و إيقاع البندير. وصبيحة يوم الخميس تكون عروض الخيل والبارود، وهو سباق يتبارى فيه الفرسان ويظهرون فيه مهارتهم في ركوب الخيل، لينتهي الموسم بوجبة الغداء التي تقدم في قصع كبيرة يلتف حولها الزوار ويتناولون وجبتهم بالأيادي، ظنا منهم أن ذلك يجلب البركة ويعود بعضهم وهو يحمل كمية منها لأهله، باعتبارها « بركة الشيخ «، على أمل اللقاء في الموسم القادم.
 الجدير بالذكر أن هذا اللقاء يعد فرصة ترفيهية قبل بداية الموسم الفلاحي الذي يٌدشن بموسم  جني الكلأ الأخضر في مثل هذه الأيام من كل سنة ، في انتظار موسم «المرمز»، ثم حصاد الشعير، يليه القمح،  فالبقول الجافة، و مثل هذه المناسبات في معظمها مرتبطة بالفلاحة، وتكون عادة في أوقات الفراغ التي تفصل مختلف مراحل الموسم الزراعي.
الدكتور فوزي مجمج، أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة قسنطينة والباحث في المعهد الوطني لعلم الإنسان والتاريخ والإنسان القديم والتاريخ، فرع عين مليلة ، أوضح للنصر أن الوعدة من الناحية الوظيفية، مناسبة تؤدي إلى لحمة المجتمع في نوع من التضامن الميكانيكي الذي تعرفه المجتمعات التقليدية، وفرصة للتعارف والصلح بين الأعراش.               
    ص/ رضوان                                                                    

الرجوع إلى الأعلى