نساء يكسرن طابو ممارسة الرياضة في الهواء الطلق
 أخرج منتزه الصابلات بالجزائر العاصمة في السنوات الأخيرة، الجنس اللطيف من قاعات الرياضة ، و جمعهن في فضاء جديد، لممارسة الرياضة العشوائية بالهواء الطلق، ليتنافس الجنسان في مكان واحد، مكن من كسر "طابو" خروج المرأة لممارسة الرياضة أمام الملأ، تحت أنظار مؤيدين يعتبرون ذلك تطورا و معارضين يعتبرونه خروجا عن عادات المجتمع الجزائري المحافظ.
الرياضة العشوائية، و بعد أن ظلت حكرا على رجال يمارسونها في أي مكان و أي وقت ، و احتجزت النساء داخل البيوت أو قاعات الرياضة، لم تبق اليوم كذلك، بعد أن وجدت النسوة مكانا ملائما لهن، يتوفر على أهم الشروط، من أمن، هواء طلق، و مساحات مواتية، على امتداد 4 كلم من منتزه الصابلات.
فعلى حافة الطريق المؤدية إلى الجزائر العاصمة، لا بد أن يلفت انتباه المارة، مشهد نسوة يرتدين بدلات رياضية، اعتدنا رؤيتهن بها داخل البيوت أو قاعات ممارسة الرياضة، غير أنهن قررن الخروج بها إلى الشارع من أجل المشي، الجري و حتى ركوب الدراجات و ممارسة الرياضات الجماعية، المشهد الجديد يعرف انتشارا كبيرا و تزايد من يشاركن في رسم لوحته الفنية على شاطئ الصابلات، أين تمتزج الخضرة برمال البحر و مياهه الزرقاء، و صافرات بواخر تغطي على الأصوات المتعالية لأفراد الأسر الذين يملأون المكان.
و قد شكل المنتزه بالنسبة لعاشقات الرياضة، أرضا خصبة، مكنتهن من تحقيق حلم ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، دون حرج أو خوف من الاعتداءات أو المضايقات التي كن يخفن التعرض لها ، حسب حسينة إحدى المرتادات على المنتزه بصفة دورية نهاية كل أسبوع، حيث تقول بأنها و منذ أزيد من سنة، انضمت إلى صديقاتها و أفراد أسرتها بمن فيهن والدتها، من أجل ممارسة الرياضة، مشيرة إلى أن التزايد المستمر للنساء اللائي  يقصدن المكان من أجل الرياضة، شجعها كثيرا.
رفض من الرجال والنساء أيضا
بين الأمس و اليوم، لم تتغير كثيرا معتقدات و آراء الجزائريين حول فكرة خروج المرأة لممارسة الرياضة في الهواء الطلق، و مع تسجيل حالات مماثلة بالصابلات و حتى بغابة بوشاوي بقلب الجزائر العاصمة، إلا أن الأمر لا يزال حسب الأغلبية خروج عن عادات و تقاليد الأسر الجرائرية، التي تحرص على أن تظل محافظة في بعض الأمور، بما فيها الرياضة بالنسبة للنساء.
و قد تباينت الآراء التي رصدناها داخل المنتزه في حد ذاته، فلم يقتصر الرفض على الرجال الذين اعتبروه سلوكا غريبا عن مجتمعنا، و دعا بعضهم لأن يتوقف، خاصة إذا ما اقترن ، حسب فئات معينة، بلباس اعتبروه غير محترم خاصة و أن المكان مقصد هام للعائلات، حيث وصفته بعض النسوة بالظاهرة الغريبة، و طالبن أقرانهن بممارسة الرياضة بحدائق البيوت أو داخلها أو بالقاعات المخصصة لذلك، و أشارت البعض منهن إلى المضايقات التي يتعرضن إليها بين الحين و الآخر.
أشخاص آخرون، اعتبروا الأمر تطورا و خروجا عن المألوف، ساهم في كسر طابو الرياضة في الهواء الطلق بالنسبة للجنس اللطيف، و اعتبروه عاملا مهما من شأنه أن يساهم في تغيير ذهنية الجزائريين الذين بات البعض منهم ينظر إليه نظرة عادية و يراه مشهدا بات مألوفا بالجزائر،  بعد أن كان مجرد صور يشاهدونها في الشاشات أو أمام أنظارهم بدول أخرى خاصة الغربية منها.
قضية "ريمة"  تثير الجدل حول ممارسة المرأة للرياضة
شكلت قضية الفتاة "ريمة" التي تعرضت لاعتداء من طرف أحد الشباب قبل نحو أسبوع خلال شهر رمضان قبل آذان المغرب، و هي تمارس الرياضة بمنتزه الصابلات، أهم القضايا التي يناقشها الجزائريون، بعد أن أخذت مكانا واسعا من اهتماماتهم، خاصة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لتخرج الكثيرين عن صمتهم، و جعلتهم يعلنون عن آرائهم، فيما بات يعرف بالظاهرة.
فيما اعتبر الكثير من النسوة و حتى بعض الرجال الأمر حرية شخصية دعوا لاحترامها، عبّر البعض عن رفضهم التام للرياضة خارج البيت و القاعات، بحكم خصوصية المجتمع الجزائري، و طالبوا باحترام اللباس بشكل خاص ، إذا ما أرادت المرأة ممارسة الرياضة أمام الملأ، ضاربين المثل بحالات سجلت حتى على مستوى قرى و مداشر، لنسوة بلباس محترم يمارسن الجري بالطرقات، لم يتعرضن للمضايقات، و عبرت كثير من النساء كل برأيها، فيما اجتمعت أخريات  في المنتزه قبل 5 أيام و مارسن الجري،  تعبيرا عن مساندتهن لريمة و تنديدهن بما وصفوه بالسلوكات العدوانية ضد المرأة.
أخصائية علم الاجتماع ياسمينة بغريش دالاح
  فرضت على المرأة الجزائرية حدود
 لا يمكن تجاوزها  
قالت أخصائية علم الإجتماع الدكتورة بغريش ياسمينة حرم دالاح، بأن المجتمع الجزائري لا يزال بعيدا كل البعد عن تقبل خروج المرأة لممارسة الرياضة في الخارج، مرجعة ذلك إلى جملة العادات و التقاليد التي لا تزال حاجزا يمنع تجاوزه بالنسبة للغالبية و إن كان البعض قد خطى خطوة مهمة في ذلك، خاصة بالجزائر العاصمة و ولايات أخرى.
و أضافت الأخصائية بأن المرأة الجزائرية لا تزال لديها حدود لا يمكن أن تتعداها، معترفة بأن الرياضة أصبحت أكثر من ضرورية نظرا للفوائد التي توفرها على مختلف الأصعدة بما فيها تخفيف الضغط و الصحة الجسدية و النفسية، إلا أن مثل هذه الخطوات ،  حسبها، تحتاج إلى المكان الخاص الذي يتلاءم و خصوصية المرأة، قبل التطرق إلى تغيير نظرة المجتمع إليها.
الدكتورة بغريش التي اعترفت بوجود بعض المبادرات في مجال محاولة إخراج المرأة للهواء الطلق على مستوى منطقة البعراوية بقسنطينة، أكدت أنها لم تلق الاستجابة حتى من النساء في حد ذاتهن، معتبرة بأن التوجه للقاعات البديل الأمثل في هذه الفترة، خاصة و أنه يفرض الإلتزام الذي لا يتوفر للمرأة في البيت لكثرة الإنشغال.
و بين مؤيد و معارض، تبقى مزاولة المرأة للرياضة في الهواء الطلق، خطوة تحتاج لخطوات أخرى، قبل أن تصبح عادة متأصلة لدى الجزائريين، يجمع الكثيرون على أن ذلك يحتاج لسنوات طويلة قبل الوصول إليه.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى