المصطافون يفتحون الجنة المنسية رغم قرار الغلق
نزل قرار اللجنة الولائية لمعاينة الشواطئ بولاية سكيكدة هذه السنة ، القاضي بعدم السماح بفتح شاطئ تمنارت ببلدية الشرايع بالقل،  كالصاعقة على سكان المنطقة و المسؤولين المحليين، لاسيما وأنه تم  التحضير بجدية ووضع كافة الإمكانيات المتاحة لإعادة فتح هذا الشاطئ ، الذي يعد من بين أحسن الشواطئ بالجزائر، وبقي مغلقا في وجه حركة الاصطياف منذ أكثر من 17 سنة،  إلا أن ذلك لم يمنع من بقائه مفتوحا شعبيا بتوافد أعداد هائلة من العائلات والجمعيات والشباب من مختلف الولايات والمدن الداخلية، وهو الوفاء الذي ظل قائما على مدار عشريتين من الزمن من قبل عشاق البحر الذين لم يفارقوا الشاطئ ، حتى أثناء العشرية الحمراء ، معبرين عن حبهم للمنطقة .
الركام يكتسح الرمال  و  شاليهات تتحول  إلى خراب
يبقى شاطىء تمنارت بسمعته التي تجاوزت الحدود والذي كان له شرف نيل جائزة أحسن شاطئ بالجزائر سنة 1986 ، الجنة المنسية التي لم يدخلها الاستثمار السياحي بعد، و يظل منطقة عذراء ظلمت مرتين، المرة الأولى سنوات التسعينات بسبب الأزمة الأمنية التي أتت على الأخضر واليابس،  ولم تترك سوى الموج الأزرق يبكي على الأطلال طيلة عشرية من الزمن ، ولم تدم محاولة فتح الشاطئ سنة2000 و احتضانه الإعلان عن الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف بالولاية ، سوى أسبوع  لتعيد حادثة اغتيال دركيين وعون للحرس البلدي  الحلم إلى نقطة الصفر، وهي الحادثة المأساوية التي لا تزال تلقي بظلالـها على ربوع المنطقة وتحكي التاريخ الأليم للشاطئ ، و تحوله إلى مكان موحش ، لولا أشجار الدفلى والقفش بجنات الوادي الذي ظل يغذي البحر بالمياه العذبة،  ليمتص قليلا ملوحة مياهه و يناجي بقايا المصطافين.
بعد استتباب الأمن،  لم تنل المنطقة حظها من الرعاية  والاستثمار السياحي ، و وجدت النصر أثناء زيارتها للمنطقة ، مناظر تبعث على الحزن كغزو الركام من حجارة وغيرها لرمال الشاطئ ، المقسم إلى جزأين بواسطة الوادي، رغم مسحة الماكياج الخفيفة لمصالح البلدية ، في محاولة لإخفاء الوجه المشوه ، بجمع ركام الحجارة  جانبا، لكنه ينذر بالعودة في أول جريان للوادي مع فصل الأمطار.
مواطنون يحولون أجزاء من الشاطئ إلى ملكية خاصة
 المحزن أكثر أن بعض المواطنين استولوا على أجزاء من الشاطئ و حولوه إلى ملكية خاصة، فتنامت مظاهر البناءات الفوضوية  والاستغلال العشوائي للأراضي الغابية ، على امتداد الشريط الساحلي بشكل يهدد مستقبل المنطقة السياحي، وفي ظل انعدام الرقابة انتشرت محلات بيع المأكولات الخفيفة والمشروبات غير المرخصة ، بشكل يهدد الصحة العمومية و يخلق منافسة غير شريفة مع عدد قليل من المحلات التي يملك أصحابها سجلات تجارية.
  مظاهر عدم العناية بالشاطئ   أفرزت  موجة من الاستياء لدى سكان المنطقة والمصطافين على حد سواء، خاصة وأن القمامة غزت جوانب الشاطئ و تحول معها المكان إلى الملاذ الآمن للحيوانات الضالة ، و الأبقار وغيرها في وضع مثير للقرف.
و قد تحولت الشاليهات التابعة للبلدية إلى خراب، بفعل الإهمال الذي طالها  وأصبحت المكان المفضل لرفاق السوء من الشباب الطائش ، لكن رغم كل ذلك فإن الترحيب الذي لقيناه  من قبل عمي جلول ، صاحب أقدم مطعم يطل مباشرة على الشاطئ،  ينسي  الكثير من المتاعب جراء  النقائص المسجلة بالجملة في المنطقة، حيث ذكر لنا أن السكان هم من يقومون بحراسة الشاطئ ومنع الشباب الطائش من محاولات اقتحامه ، من أجل المحافظة على حرمة العائلات وكذا القيام بالتنظيف ، لكن اشتكى محدثنا من تراجع مردود العمل التجاري بشاطئ تمنارت هذه السنة، بسبب عدم فتح الشاطئ رسميا، وقال أن هذا الموسم هو الأسوأ على الإطلاق،  لكن الأمن وحرمة السكان يبقى آخر مغريات الاصطياف بمنطقة تمنارت.

 قوارب تصطاد المصطافين بدل السمك
أمام انعدام فرص العمل يستغل شباب منطقة تمنارت حلول موسم الاصطياف،  للاستفادة من القوارب الصغيرة المستعملة في الصيد وبيع الأسماك الطازجة، بأسعار منخفضة نوعا ما ، خاصة وأن شباب المنطقة يهمهم كسب قوت يومهم.  ففي ظل قلة منتوج رحلة الصيد من السمك مع قلة الإمكانيات ، فإن أصحاب قوارب الصيد تخلوا عن مهنتهم الحقيقية في موسم الاصطياف، وانتقلوا من رحلة البحث عن الأسماك إلى رحلة البحث عن المصطافين الذين يفضلون التنقل إلى الشواطئ  المعزولة،   والتي تثير لديهم متعة الاستكشاف لقضاء ساعات من الاستجمام،  خاصة وأن المهنة الجديدة لأصحاب القوارب تعود عليهم بالربح الوفير،حيث يقدر مقابل القيام برحلة الواحدة لمسافة لا تتعدى الكيلومترين بـ  800 دج نحو شواطئ و خلجان  لقبيبة ، بني سعيد، وهي فرصة لزوار المنطقة للتمتع بجمال وسحر والمنطقة واكتشاف عوالم خفية من البر والبحر.
 أطفال المخيمات يكسرون هدوء المنطقة
أجمع سكان  منطقة تمنارت والمصطافين    أن الوقت حان للمطالبة بإعادة فتح الشاطئ ، ليس فقط في وجه حركة الاصطياف، لكن  للاستثمار السياحي لكنوز المنطقة التي تجمع بين خضرة الغابة  وزرقة البحر، خاصة وأن مشروع انجاز الطريق السياحي الساحلي بين القل وتمنارت ، عبر منطقة بني سعيد على امتداد 12 كلم،  فتح الباب على مصراعيه لاكتشاف الكثير من عوالم السحر والجمال الذي تزخر به المنطقة، بالمقابل فان توافد العائلات بكثرة وإقامتها لفترات طويلة في منازل مجهزة يضعها سكان تمنارت في خدمة الوافدين ، ساهم في استقطاب العائلات التي تبحث عن المتعة  والهدوء وتجمع بين سحر البحر واخضرار الغابة.
ذلك الهدوء كسره مؤخرا أطفال المخيمات الصيفية التي أصبحت تفضل الإقامة بالجهة ، وكانت زيارتنا إلى مخيم الكشافة الإسلامية لمدينة الأخضرية بولاية البويرة، مناسبة لرصد عشق المشرفين على المخيمات لهذه المنطقة،  حيث كشف لنا مدير المخيم، أنه حرص على إقامة المخيم بمنطقة تمنارت  للسنة الخامسة على التوالي، بسبب جمال المنطقة و طيبة سكانها و الأمن الذي تتمتع به، رغم افتقارها للهياكل الضرورية،  حيث تزامنت زيارتنا للمخيم مع التحضيرات التي يقوم بها الطاقم الإداري للمخيم في انتظار قدوم الأطفال وانطلاق فترة التخييم ، حيث  قسمت على دفعتين من 31 جويلية إلى يوم 5 أوت، بالنسبة للبنات، و الفترة الثانية من 05 أوت إلى 15 أوت للذكور.
 وذكر مدير المخيم أنه يتم التنسيق مع المخيمات المتواجدة بالمنطقة، منها مخيم المدرسة القرآنية لمدينة  البليدة،  لتنظيم سهرات متنوعة تجمع بين البرامج التربوية والثقافية والترفيهية وهي البرامج التي من شأنها كسر صمت وهدوء المنطقة.
طريق ساحلي مفتوح في مجال  سياحي مغلق
 كشف عضو بالمجلس الشعبي لبلدية الشرايع،  أن مصالح البلدية وضعت كل الإمكانيات المتاحة هذه السنة، من أجل فتح الشاطئ في وجه حركة الاصطياف، لكن قرار اللجنة الولائية كان عكس طموح سكان المنطقة، رغم ذلك فإن البلدية قامت بتنظيف الشاطئ  و وضع مخطط لركن السيارات ورفع القمامة وغيرها من التدابير ليجد القادم إلى المنطقة من مصطافين وعائلات  وسياح الراحة التامة.
وفي الوقت الذي دخل الطريق الساحلي حيز الخدمة،  وفتح آفاقا رحبة على المنطقة من خلال تقريب المسافات،  يبقى تجسيد  مشروع توسيع منطقة الاستثمار السياحي، الأمل الوحيد  لإنعاش مشاريع الاستثمار المغلقة بالمنطقة ، حيث تتربع منطقة التوسع السياحي بتمنارت على مساحة 67 هكتارا،  تتسع لإنجاز 5 فنادق متوسطة الحجم على مساحة 7 هكتارات وأرضيات للتخييم على مساحة 8 هكتارات،  تتسع لـ 110 إلى 340 خيمة.
إن اقتراح انجاز ميناء صغير للنزهة ومحلات تجارية ومعارض، هو المشروع الذي ظهر بداية سنوات الثمانيات من القرن الماضي، وبقى يراوح مكانه بسبب الظروف الأمنية التي عرفتها المنطقة في سنوات التسعينيات، واليوم يأمل السكان و المسؤولون المحليون في إعادة  بعث هذا المشروع الطموح.  

روبورتاج : بوزيد مخبي

الرجوع إلى الأعلى