غياب المرافق يختزل السياحة في التنقل بين الشواطئ بمدينة سكيكدة
يمتدّ كورنيش مدينة سكيكدة نحو الجهة الغربية، على كثير من المناظر والشواطئ الطبيعية ذات الخصوصية، وهو يمثل جزءا بسيطا فقط مما تزخر به الولاية، لكن توافد المصطافين يصطدم مع نقص كبير في الاعتناء به، لانتشار القمامة وغياب مرافق تعوض الزوار عن اختزال السياحة في التمدد على الرمال تحت أشعة الشمس، أو التنقل من شاطئ لآخر لإيجاد مشاهد متطابقة تقريبا ونمطيّة. النصر تنقل في هذا الروبورتاج صورة عن يوم من التجوال في مدينة سكيكدة، التي تمكنت سلطاتها خلال الموسم الجاري من القضاء على ظاهرة احتلال الشواطئ وحظائر المركبات في كثير من النقاط.
كانت ساعة محطة قطار مدينة سكيكدة تشير إلى الثامنة والنصف عندما خرجنا من البناية مع عددٍ من المسافرين، الذين يحملون في أيديهم معدّات الاستجمام لقضاء يوم على الشاطئ. وقابلَنا قابضو الحافلات التي تنقل على مجموعة من الخطوط، وكانوا يهتفون بأسماء الشواطئ للظفر بالركاب، في حين استقل أغلب من نزلوا معنا من القطار الحافلات، ولم تبق بالقرب منا إلا أسرة صغيرة مكونة من الوالديْن وطفلين. سرنا خلفهم في شارع إبراهيم معيزة إلى غاية ساحة المدينة، التي ينتهي إليها الشارع الرئيسي المسمى ديدوش مراد، ثم عبرنا الطريق نحو مقر بلدية سكيكدة ومنه جعلنا الميناء على يميننا وواصلنا المشي.
بمدخل الميناء تجمّع نساء ورجال، حيث علمنا بأنهم في انتظار أقربائهم المسافرين على متن الباخرة القادمة من مرسيليا، في حين تقدمنا نحن عبر جِسرٍ يُطلّ على طرفِ الميناء، أين لاحظنا سفينتين حربيّتين راسِيتين غير بعيدٍ عن باخرة شحن كبيرة مُحمّلة بالحاويات. وبعد حوالي عشر دقائق من السَّير على الأقدام، قابلتنا واجهة كبيرة كتب عليها «شواطئ سطورا».
الشواطئ تتحرر من أصحاب المظلات
لم تكن الشواطئ الأولى التي وصلنا إليها مكتظة بالمصطافين لأن النهار في أوله، لكن لفت انتباهنا عدم وجود الشّمسيات أو الخيام الخاصة بمستغلي الشواطئ، التي تسجلّ عادةً في كثير من مساحات السباحة على السواحل الجزائرية، حيث كان عدد قليل من المواطنين يضعون شمسياتهم، في حين لاحظنا بعض الوجوه التي رافقتنا في القطار من مدينة قسنطينة إلى غاية سكيكدة هناك. وكانت الحافلات تُنزل الركاب بالمواقف الخاصة بها مقابل الشواطئ الواقعة على طول الكورنيش المذكور، الذي زرعته مصالح البلدية بلافتات دُوّن عليها بأن تسعيرة ركن المركبات لا تتجاوز خمسين دينارا، حتى تضع حدّا لمن يفرضون على المصطافين إتاوات بشكل فوضوي.
وتحدثنا إلى بعض الشباب الذين التقينا بهم في المكان حول سر غياب من يقومون بكراء الشمسيات، فأوضحوا لنا بأن مصالح الأمن والبلدية منعتهم خلال الموسم الجاري من احتلال رمال الشاطئ في المدينة، لكنهم ما زالوا ينشطون بشواطئ أخرى بعيدة عن كورنيش المدينة، على غرار شواطئ الأمير عمار وغيرها من فضاءات السباحة غير المحروسة الواقعة ما وراء المرفأ الخاص بمراكب الصّيد.
واصلنا تقدُّمنا عبر الكورنيش إلى غاية أحد المقاهي، أين توقفنا لشرب عصير بارد، فقد قطعنا مسافة طويلة دون وجود أي مقهى آخر على الطريق، في حين تكثر بالكورنيش محلات الإطعام السريع والمطاعم المختصة في صنع أطباق الأسماك وغيرها من المأكولات البحرية. وقد لاحظنا في المقهى الذي توقفنا فيه عددا قليلا جدا من المواطنين، في حين يعرض صاحبه سلعه بأسعار معقولة، دون إدراج زيادات كبيرة عليها، مثلما يسجل في شواطئ أخرى.
القرب من البحر لا يُخفّض سعر السّمك !
استأنفنا سيرنا في اتجاه المرفأ، الذي تجاوره ساحة مزودة بمقاعد خشبية، في حين تطلّ عليها من الجهة الخلفية بنايات كثيرة من بينها فندقٌ ومرقدٌ وبناية كبيرة تبدو بأنها خاضعة للترميم، فقد كانت فارغة ومنزوعة النوافذ. عندما بلغنا المرفأ انبعثت روائح أسماك، فيما وقفنا على صناديق خشبية يستعملها الصيادون لعرض الأسماك التي يستخرجونها من البحر في الصباح الباكر بحسب ما أخبرنا به أحد الشباب كان يضع موسيقى صاخبة ويقوم بتحضير مركبه لدخول البحر في المساء. أما مياه المرفأ فقد كانت سوداء، لكن الأسماك الصغيرة تسبح فيها رغم ذلك ويمكن رؤيتها وهي تتغذى على الطحالب بمجرد الوقوف على الرصيف.
انكفأ الشّاب مجددا على عمله، فتركناه وواصلنا سيرنا البطيء على المرفأ شبه الخالي من الحركة لكون أغلب الصيادين قد توجهوا إلى النوم، كما أنه كان مكتظا بمراكب الصيد والقوارب الصغيرة، فضلا عن قوارب النزهة ذات المحركات القوية، لكننا لاحظنا غير بعيد عن موقعها عمالا يقومون بتوجيه زميل لهم على متن آلية شحن أثناء جره متاريس من الخرسانة لوضعها في خط واحد ومنع السيارات من الركن في الجهة القريبة من حافة الرصيف. وتوجد بالقرب من نهاية مساحة المرفأ مجموعة من المحلات، يعرض أصحابها الأسماك، لكن الأسعار كانت مرتفعة جدا، ولا تختلف أبدا عن أسعارها في الولايات الداخلية مثل قسنطينة، ومنها أنواع يقارب سعر الكيلوغرام الواحد منها الألفي دينار.
التّدهور يصيب الممرّات المعدنية للكورنيش  
ويُمثل المرفأ آخر نقطة يمكن للسيارات بلوغها، حيث توجد عند نهايته حظيرة يقف عليها حارس وحولها محلات للإطعام، وطاولة لبيع التبغ والسجائر وبعض المستلزمات التي يقتنيها المصطافون عادةً، لكن يمكن مواصلة الطريق بعدها مشيا على الأقدام. عبرنا سلالم صغيرة، يأتي بعدها مسار ضيق مشيد على حافة بناية قديمة تطل على البحر وفيها مقر لجمعية خاصة بالصيادين، بحسب ما قرأناه على اللافتة المعلقة بمدخلها، لننتقل بعدها إلى كورنيش مخصّص للراجلين فقط وهو يؤدي إلى العديد من الشواطئ الصخرية الصغيرة. وقد لفت انتباهنا بأن أمواج البحر كانت هائجة في شواطئ كورنيش سطورا ما جعل مصالح الحماية المدنية ترفع العلم الأحمر، فيما كان البحرُ هادئًا في جهة ما بعد المرفأ.

لم نكن وحدنا في المكان المذكور، بل سار قبلنا وخلفنا عدد كبير من المواطنين في ذهاب وإياب مستمِرّيْن، منهم شباب وأطفال ومراهقون وأسر، في حين كان أشخاص آخرون يجلسون على حافته يدلون صناراتهم للظفر ببعض الأسماك. وقد كان بعض الشبان يسبحون بالقرب من الصخور.
وتتخلّل المسار المذكور العديد من المناطق الصعبة، فهو يتركز في بعض أجزائه على أعمدة طبيعية متمثلة في صخور السفح القائم على البحر، في حين أنجزت في بعض الأجزاء الأخرى جسور معدنية يعبر من خلالها المارة. وقد لاحظنا بأن التدهور بدأ يصيب الكثير منها، حتى بدأت تظهر فيها تشققات وآثار التآكل الناجمة عن الصدأ، فيما كان الطلاء متآكلا أيضا على حواجزها الجانبية. وقد شعرنا بهشاشة بعض أجزاء أرضيتها عند الوقوف عليها، لكونها تتحرك وتهتزّ خصوصا عند مرور شخصين معا عليها.
انعدام حاويات القمامة على طول الطريق
وفي منتصف الطريق تقريبا توجد منارة جزيرة القِردة المشيّدة قبل أكثر من قرن، حيث يستدعي الوصول إليها المرور فوق جسر تقليدي، تم بناؤه بالحجارة على الطريقة التقليدية ودعمه بالأقواس المنجزة فوق الصخور البحرية. وعند وصولنا إليه قابلنا مطعم ثم مدخل إلى نفق صغير وجدنا بداخله مطعما آخر يختص أصحابه في صناعة أطباق الأسماك. استأنفنا طريقنا فخرجنا إلى الجزء الثاني من الكورنيش وواصلنا سيرنا، وقد كنا نطل على شواطئ الأمير عمار المعروفة بطبيعتها الصخرية لكنها آهلة بالمصطافين، الذين كانت تتعالى من جهتهم أصوات الأطفال مع هدير البحر، لكنها لا تقارن بضجيج بعض الممرات من الكورنيش التي أنجزت فوق تجاويف طبيعية تخترقها الأمواج وتدوي عندما تصطدم بجدرانها ثم تتراجع.
وترسم القمامة المنتشرة بين التجاويف الطبيعية المذكورة وبعض النقاط الأخرى من المسار، صورة مشوِّهة لجمالية المكان وطبيعته، لكن اللوم لا يقع على كاهل المصطافين لوحدهم، لأن مصالح البلدية تتحمل جزءا كبيرا أيضا، فقد وقفنا على غياب تام لأي حاوية للقمامة على طول المسار المذكور، رغم أن آلاف الأشخاص يقصدون المكان سنويا، ولا يجد الواحد منهم مكانا يتخلص فيه من قارورات البلاستيك أو غيرها من القمامة دون الإضرار بالطبيعة. ولاحظنا بأن الأمواج تحمل معها أعدادا كبيرة من القارورات البلاستيكية والعبوات الفارغة، فضلا عن قارورات جعة فارغة وزجاجات نبيذ، كما أن الأكياس البلاستيكية تلتصق بأغصان بعض النباتات المتسلقة على السفح، فيما تشكلت طبقة مِلحيّة بيضاء على الصخور.
 شباب يفضلون  السباحة حيث الخطر   
تلتقي نهاية كورنيش المشي مع نهاية الطريق الاجتنابي للسيارات، حيث يقودان إلى شاطئ محروس صغير، لكننا شاهدنا في طريقنا العديد من الشواطئ غير المحروسة، التي يقوم بعض الشبان بالسباحة للوصول إليها أو بالتسلق على مرتفعات خطيرة إلى غاية البحر، رغم وجود لافتات تشير إلى أنها ليست محروسة ويُمنع العومُ فيها. ولجأت مصالح البلدية في أحد الشواطئ المذكورة إلى وضع صفيحة معدنية كبيرة من أجل سد المسار الترابي المؤدي إلى شاطئ غير محروس بعد أن علقت لافتة بمحاذاتها تماما. ووقفنا على عدد من الشباب قاموا بالسباحة إلى شاطئ لا تتعدى مساحته بضعة أمتار، حيث يمكن أن يعلقوا هناك في حال ارتفاع مستوى البحر دون أية إمكانية للفرار لانعدام مسلك مؤدي إليه.
بعد آخر شاطئ واصلنا المشي، لكن على مسار ترابي ضيق مطل على البحر، ويضطر المواطنون للوصول إليه إلى الانحناء للعبور تحت الأشجار الصغيرة. سرنا نحو الغرب ولم نلاحظ في هذه المرة إلا بعض الأطفال والصيادين، إلى أن انتهينا إلى شاطئ مملوء بالصخور الكبيرة، يبدو بأن بعضا منها قذفتها مياه البحر بينما سقطت الأخرى من الجبل المطل عليها. لم نتمكن من المواصلة أكثر لاستحالة ذلك فعدنا أدراجنا على نفس الخط.
في طريق العودة توقفنا في نفس المقهى الذي تناولنا فيه بعض المشروبات في الصباح، لكنه كان مكتظا هذه المرة، وقد جلس خلفنا مجموعة من الكهول وكانوا يتبادلون أطراف الحديث حول ما سموه بغياب الحشمة والحياء لدى كثير من المصطافين، حيث قال أحدهم إنه صار غير قادر على التجول مع أفراد أسرته، في حين قال الثاني إن المشكلة أصبحت عامة في مختلف المناطق الساحلية. ولم نلاحظ مظاهر للفوضى أو لـ»انعدام الحياء» طيلة الوقت الذي قضيناه في التجول في المدينة أو بجوار الشواطئ، حتى أننا لم نجد شاربي الخمر في أكثر المناطق انزواء أو بُعدا عن عيون العائلات، رغم وجود نقطة لبيع المشروبات الكحولية غير بعيد عن المرفأ، ويمكن التعرف عليها من خلال علامة إحدى أنواع الجعة المرفوعة على واجهة مدخلها.
لا مراحيض عمومية ولا أماكن للتنزه   
بلغنا المدينة مجددا بعد مشي طويل وكانت الساعة لا تتجاوز الثانية بعد الزوال، سرنا في شوارع وسط مدينة سكيكدة. كانت الشمس قوية ولافحة، ولم نتمكن من العثور على مرحاض عمومي فاضطررنا إلى دخول أحد المقاهي وطلب مشروبات لاستعمال مرحاض المقهى. في الشارع مررنا بمسرح سكيكدة فوجدنا بأنه قيد الترميم، في حين لم نجد أماكن أخرى يمكن الذهاب إليها لقضاء بعض الوقت، فباستثناء البحر تقل الأماكن التي يمكن للزائر التّوجّه إليها في وسط المدينة، الذي لاحظنا بأنه يعج بحركية كبيرة خصوصا في شوارعه الرئيسية. وقد اضطررنا إلى التنقل من مقهى إلى آخر في انتظار قطار العودة الذي ينطلق على الساعة السادسة وعشرين دقيقة، مستغلين بعض الوقت في التقاط الصور والدخول إلى المحلات.
واشتكى بعض من تحدثنا إليهم من انعدام ما يكفي من المرافق لتعزيز النشاط السياحي في المدينة، القادر، بحسبهم، على توفير مداخيل مهمة للولاية، خصوصا وأن أعدادا كبيرة من المواطنين يقصدون شواطئها في الصيف. وقد أخبرنا أحد البائعين بأن سكان معظم ولايات الوطن يزورون المدينة بحسب ما يميزه من اختلاف لهجات من يتعامل معهم يوميا.                        س.ح

روبورتاج: سامي حبّاطي

الرجوع إلى الأعلى