أطفال يستمتعون بألعاب الإثارة و العنف و أولياء يعتبرونها وسيلة ترفيه
 تعرف ألعاب الإثارة و العنف الموجودة بالفضاءات الخاصة بألعاب الأطفال على مستوى عدد من المراكز التجارية، خاصة المتواجدة بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، إقبالا ملفتا، من هذه الشريحة، التي تفضلها على ألعاب أخرى كسباق السيارات و الأحصنة و غيرها، حسب الصغار الذين تحدثنا إليهم، حيث يستمتعون بها، و يشعرون بأنهم يعيشون أحداثها، في ظل عدم اكتراث الأولياء لمحتواها و تأثيرها، فيما دق مختصون ناقوس الخطر، مؤكدين بأنها سبب تفشي الجريمة عند القصر.

أمهات يرافقن أولادهن
إلى ألعاب الموت
تتحول الفضاءات التجارية المتوفرة على مستوى المدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، إلى منتزه للأطفال، كونها الفضاء الوحيد الذي يوفر مساحة خاصة بهم تتوفر على ألعاب متنوعة، منها الإلكترونية و كذا الترفيهية التي تطبعها المغامرة و تزينها صور ألمع نجوم الأكشن العالميين، ك»رامبو»، و قد وجد فيها الأولياء ضالتهم و ما يحقق رغبة أولادهم ، في ظل انعدام فضاءات للتسلية بعيدة عن صخب المدينة و ضجيج سياراتها و حركتها التجارية، حيث أصبحوا يرافقون أبناءهم إلى مراكز التسوق ، و يتركون لهم حرية اختيار اللعبة التي يحبونها ، دون إعطاء أهمية لما تحتويه بعضها من مضامين خطيرة، تؤثر على سلوكاتهم.
و قد لاحظنا خلال جولة قمنا بها على مستوى المركز التجاري “ لاكوبول» في طابقه الأخير المغطى عددا من الألعاب التفاعلية التي تطبع بعضها الإثارة ،  و هي مزودة بشاشة كبيرة و ببعض الأدوات المرفقة و التي تجعل الطفل يعيش جو اللعبة و يبحر في عالمها ، حسبما شاهدناه في لعبة العملية “ جي أش أو اس تي” و التي يحمل فيها الطفل سلاحا كبيرا و يبدأ في تصويب الرصاص بشكل افتراضي على الأشخاص الذين يحاربهم و يرديهم قتلى، و ما لفت انتباهنا التفاعل الكبير للأطفال معها، و نظرات العنف التي تشع من أعينهم، حيث يمسكون بقوة كبيرة السلاح ، و يطلقون الرصاص على الأعداء الافتراضيين الذين يظهرون في اللعبة، و يحاولون قتل أكبر عدد منهم للربح و الانتقال إلى جولات أخرى، و الغريب في الأمر أن أولياءهم يرافقونهم أحيانا في اللعب بحمل سلاح آخر و مساعدتهم في عملية القتل.
كما أنا أغلب اللعب المتوفرة بالفضاء، لا  تخلو من الإثارة و العنف، حسب ما شاهدناه في لعبة سباق السيارات، حيث يتسابق المتنافسون و يقومون بإطلاق النار على بعضهم، للظفر بالمرتبة الأولى.

أستمتع بقتل عدد كبير من الأشخاص..تبرير صادم على فم بريء
تقربنا من عدد من الأطفال الذين وجدناهم منهمكين في اللعب، و طلبنا تقديم شروحات لنا عن مضمون اللعبة ،و سبب اختيارهم لها ، و كانت البداية مع لجين ذات التسع سنوات، و التي جاءت إجابتها صادمة حيث قالت لنا» تعجبني هذه اللعبة لأنها تتضمن القتل، و أنا أحب أن أقتل الناس» ، مضيفة « أستمتع عندما أمارس هذه اللعبة ، لأنني أشعر و كأنني أقتلهم في الواقع”، و استخلصنا من كلامها أن نظرتها لفعل القتل عادية، و لا تشعرها بأدنى خوف، عكس ما كان عليه الطفل في سنوات ماضية و الذي كان يخاف حتى من مصطلح القتل.
 فيما تحدثنا لوالدة لجين التي كانت تصطحب أبناءها و سألناها عن مدى مراقبتها لمحتوى الألعاب التي يقبلون عليها، فقالت بأنهم لا يعون بعد محتوى اللعبة، كما لا تؤثر عليهم مضامينها لكونهم صغار، و هو ما يؤكد جهل الأولياء بما قد تسببه من مخاطر.
أولياء يعالجون القلق
 و العصبية عند أبنائهم بألعاب العنف
تحدثنا أيضا إلى والدة طفل آخر يدعى أيمن عمره سبع سنوات ، و الذي وجدناه يلعب لعبة القتل و الحروب، رفقة والدته الموظفة ذات المستوى الجامعي  ، و التي أوضحت في حديثها لنا، بأنها متعودة على اصطحاب ابنها لهذا الفضاء، لكونه يعشق الألعاب التي تطبعها الإثارة و الأكشن، كما أنها تحقق له كل رغباته لكونها عاملة و لا تملك الوقت الكافي للاهتمام الأمثل به، مشيرة إلى أنها تعتبرها وسيلة ليفرغ ابنها الشحنات السلبية و يروح عن نفسه، حيث يقضي وقتا طويلا بها و تدفع كمقابل نحو ألفين  دينار ، مضيفة بأنها عندما تلاحظ أن ابنها أصبح ينفعل كثيرا و آثار القلق بادية عليه، تقوم باصطحابه مباشرة لهذا الفضاء الذي يعتبر متنفسه الوحيد، و يجعله هادئا، فيما قال الطفل بنبرات قوية أنه يحب لعبة القتل و الحروب و يستمتع عند قتل أكبر عدد من الأشخاص.
هذه التصريحات النابعة من أفواه أطفال و أوليائهم أثارت دهشتنا، حيث لم نكن نتوقع أن تتحدث البراءة عن القتل و العنف بهذه الطريقة الصادمة، و  لمسنا أن الفعل الإجرامي أصبح شيئا عاديا بالنسبة إليهم، كما لا يؤثر فيهم إطلاقا، و الأسوأ أن تبرير حبهم للعبة ، هو الشعور بأنهم يرمون رصاصا على أشخاص حقيقيين و يستمتعون بقتلهم،  كأن ذلك يحدث في الواقع.
و قد حاولنا أن نتصل بمسؤول الفضاء التجاري أو مسير المركز للاستفسار عن مدى مطابقة هذه الألعاب للمعايير المعمول بها و التي تحرص على مراعاة الفئة العمرية لكون  الطفل في فترة تعلم ، غير أننا لم نتمكن، فيما تحدثنا إلى عاملة تشرف على تنظيم الفضاء فأكدت لنا بأن هذا النوع من الألعاب يعرف إقبالا ملفتا من الأطفال ،  مضيفة بأن أغلب الأولياء يتركون حرية الاختيار لأبنائهم ، فيما يرفض القلة القليلة منهم الخضوع لطلبات أبنائهم ، و يراقبون محتوى كل لعبة ، مشيرة إلى أن الجولة الأولى من كل لعبة تستغرق نحو 5 دقائق، يدفع كمقابل لها 50 دينارا ، على أن يواصل باقي الجولات ، و يدفعون نحو 500 دينار في اللعبة، كأقصى حد.
أولياء يخصصون ما قيمته
 3 آلاف دينار لفضاء التسلية
 من جهة أخرى قمنا بجولة في الفضاء المدشن السنة الماضية على مستوى الفضاء الخارجي للمركز التجاري “رتاج مول”، المخصص لألعاب الطفل الترفيهية التي تطبعها المغامرة ، أين وجدنا نحو 8 ألعاب مخصصة في أغلبها للفئة أكثر من ست سنوات ، كلعبة الأخطبوط و الضفدع و سفينة القراصنة ، فيما تخصص كل من لعبة العجلة الكبيرة و لعبة الطائرة للأطفال الذين تفوق أعمارهم أربع سنوات ، و تخصص أخطر لعبة و التي يهابها الكثيرون، نظرا للارتفاع الشاهق الذي يبلغه مجربها ، للفئة أكثر من 14 سنة، و يقدر سعر الجولة الواحدة و التي تستغرق بين 3 أو 5 دقائق 100 دينار .
و ما لفت انتباهنا هو التنبيه الموجود عند مدخل الفضاء و المكتوب عليه “ نظرا للإثارة الكبيرة المتوفرة في العروض ذات 12 بعدا، ينصح بشدة عدم دخول الأطفال دون 5 سنوات ، و كذا الحوامل ،  و أي شخص لديه حساسية زائدة للإثارة كمرضى ارتفاع ضغط الدم و القلب ..إلخ، لا تتحمل الإدارة أي مسؤولية في حالة عدم الامتثال لهذه التوصية” .
تحدثنا مع أحد الآباء و هو متعود على اصطحاب أولاده إلى هذا الفضاء ، فقال لنا بأنها تتسم بإثارة عالية و لا يمكن لأي شخص أو طفل أن يجربها ، لأنها تستدعي الشجاعة و سلامة الطفل من كل الأمراض، ما يحرم شريحة واسعة من الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة أو فوبيا من لعبها،  و التي من المفروض أن تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار ألعاب ترفيهية ، كما أضاف ذات المتحدث بأنها تكلف كثيرا ، حيث يدفع ما قيمته 3 آلاف دينار ليلعب أبناؤه الثلاثة.
تقدمنا إلى إدارة المركز التجاري رتاج مول و استقبلنا مالكها  المدير العام صالح لكنوش، و كذا مديرته آسيا بوشريدة، و استفسرنا عن مدى مطابقة الفضاء للمعايير اللازمة، فأكدت المتحدثة بأنه مدروس جيدا من قبل مختصين، و يحوزون على ترخيص و شهادة مطابقة موقعة من قبل رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الخروب ، و التي تثبت مطابقة الأشغال المنجزة لفضاء اللعب و الراحة ، حسب المخططات المصادق عليها للبناية، و التي تحوز النصر على نسخة منها،  مضيفة بأن دراسة المشروع  تكفلت به شركة «سارتوري ريدز» الإيطالية، المعروفة بجودة منتوجاتها و قدمت اقتراحات بخصوص الألعاب التي تتلاءم و المساحة المتوفرة، مشيرة إلى أن كل الألعاب تتوفر على نظام أمان، كما يسهر منظمون على سلامة أبنائنا، و لم يتم تسجيل منذ نحو سنة من افتتاحه أي حادث.
و أكد المدير العام و مالك الفضاء التجاري “رتاج مول” من جهته، أن الألعاب لا تشكل أية خطورة على الأطفال ، و كل الاحتياطات اتخذت في حالة تسجيل خلل،  موضحا بأنه اختار منتوجا ذا جودة عالية جدا و بسعر باهظ، حيث كلفه الفضاء نحو 30 مليار سنتيم ، موضحا بأنه أخضع فريق من المهندسين و التقنيين المختصين لدورة تكوينية على يد إيطاليين من الشركة، لضمان المراقبة التقنية  و التدخل السريع في حالة حدوث عطب، و أشار إلى أن الفضاء يسجل أكثر من ألفي زائر يوميا ، مع العلم أنه يتم فتحه بعد الساعة الخامسة مساء في هذا الموسم، وكشف المتحدث عن مشروع آخر للأطفال  في طور الدراسة مع شركة إيطالية، لانجاز فضاء مغلق لألعاب حديثة مزود بمسبح .

الأخصائية النفسانية نبيلة عزوز


ألعاب العنف السبب الرئيسي وراء تفشي الإجرام عند القصر
تحدثنا للأخصائية النفسانية نبيلة عزوز ، عن تأثير بعض ألعاب العنف و الإثارة التي تطبعها المغامرة على الأطفال ، فأكدت بأن تأثيرها خطير جدا ، و قد بدأنا نلمسه في واقعنا المعيش، و ذلك للتفشي الرهيب لجرائم القتل و اعتداء القصر بالسلاح الأبيض ، موضحة بأن الطفل في السنوات الأولى من عمره يعتبر في مرحلة تعلم و يخزن كل ما يشاهده،  فيما تحتوي هذه الألعاب على كل أنواع العنف اللفظي و الجسدي ، و التعود عليها يبسط  الفعل الإجرامي عند الطفل و يشجعه على التخلص من كل مشكل يواجهه بالقتل.
و قد حملت المتحدثة الأولياء المسؤولية ، لأنهم أصبحوا لا يأبهون بما يشاهده أبنائهم و يمنحون لهم الحرية الكاملة في اختيار الألعاب لتفادي إزعاجهم، مضيفة بخصوص الألعاب الموجودة في الفضاءات الخارجية ذات الأبعاد المتعددة، بأنها تتضمن الكثير من الإثارة و قد تؤثر بشكل كبير على الأطفال الذين يعانون من أمراض نفسية خفية.
 كما أشارت إلى أن هناك لعبة إلكترونية تسمى بالـ “ جي تي أ» ، التي يقبل عليها الأطفال بشكل كبير مليئة بالعنف ، حيث يضاف لها كل موسم أجزاء أكثر عنفا و إثارة، وصلت إلى حد الترويج لمضامين جنسية ، داعية الأولياء إلى منع أبنائهم من لعبها .                        

روبورتاج / أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى