مؤسّسات أمام العــدالة لاحتلالها أرصفة و تحــويلها  إلى حظــائر لركــن المركـبـات بقسنطينــة
حوّلت مؤسّساتٌ بالمنطقة الصناعية ببلدية قسنطينة الأرصفة المحاذية لها إلى أماكن لركن سيارات موظفيها ما قاد بعضا منهم إلى العدالة، في وقت تظهر مشكلة الاحتلال الفوضوي للفضاء المخصص للراجلين بالعديد من الأحياء وخصوصا بوسط المدينة، أين اضطرت السلطات المحلية إلى تعليق لافتات تذكر فيها بأنّ الأرصفة للمشي على الأقدام فقط، بعد أن صار ذوو احتياجات خاصة لا يستطيعون التنقل عليها، كما أنّ مواطنين وجدوا أنفسهم مدفوعين إلى تغيير حجم الأرصفة لمنعِ المركبات من الصّعود عليها.
روبورتاج: سامي حبّاطي
ولاحظنا في جولة بالمنطقتين الصّناعيتين “بالما” و24 فيفري ومنطقة النشاطات “الرّمال” بقسنطينة، بأنّ القائمين على عددٍ من المؤسّسات قد حوّلوا الأرصفة المُلتصقة بمقرّاتها إلى حظائر “منظمة” لركن السيارات، فقد لجأوا إلى تخطيط الأرضية وتحديد موقع الركن لكل سيارة، في حين أحاط آخرون الأرصفة بسلاسل، لا يزيحها أعوان الحراسة إلا للموظفين بهذه المؤسسات من أجل ركن سياراتهم، ثم يعيدون غلقها دون أن يتم تعليق أيّة لافتة تشير إلى أن هذه المؤسسات قد تحصّلت على رخصةٍ من الجِهات المعنية تسمح لها باستغلال الأرصفة من أجل ركن سيارات عمالها وموظفيها أو غيرهم.
وأوضح لنا بعض العاملين بالمنطقة، بأن جُزْءًا من الرّصيف المحاذي لإحدى المؤسسات المعنية بالمشكلة قد حُوّل إلى مساحة خضراء زُرِعت فيها شجيرات وأعشاب، فيما تمّ تقسيم ما تبقى منه إلى رقع كل واحدة منها بحجم المركبة من أجل الركن، في حين وقفنا على أمر مماثل أمام مؤسسة أخرى، لم يكتف أصحابها بتقسيم الرصيف، بل علقوا على السياج المحيط ببناية المؤسسة لافتة تشير إلى أن المكان حظيرة سيارات، دون وجود لافتة تشير إلى رخصة الاستغلال. وقد لاحظنا نفس الأمر أمام مؤسسة أخرى بنفس المنطقة الصناعية، في حين يلجأ موظفو مؤسسات أخرى، من بينها شركات عمومية، إلى احتلال الأرصفة بخلق صفٍّ من السيارات المركونة بمحاذاة بناية المؤسسة، لكن دون أن يقوموا بطلاء علامات على أرضية الرصيف أو تقسيمه.
وتحدّثنا مع بعض أصحاب السيارات من مُحتلّي الرّصيف، فأوضحوا لنا بأنهم لا يجدون أماكن كافية للركن على مستوى المنطقة الصناعية، فضلا عن أن الحظائر الواقعة داخل مقرّات المؤسسات تضيق بالعدد الكبير من سيارات الموظفين وغيرهم، خصوصا وأن بعض هذه المؤسسات تشتمل على عدة سيارات وشاحنات وظيفية تابعة لها لا يمكن تركها خارج حيز المؤسسة، ما يترك مجالا صغيرا بالمساحات المخصصة للركن داخلها.
ويمثل الركن على الأرصفة مشكلة حقيقية بالنسبة للمارة بالمكان المذكور، فغالبا ما يضطر العمال والموظفون إلى المشي ومزاحمة سائقي السيارات على الطريق بسبب “الاستيلاء” على الأرصفة المخصصة لهم، فالمركبات المركونة تشغل في بعض النقاط نصف الرصيف فقط، ما يترك مجالا للمارة، في حين تغطي كامل الرصيف في أماكن أخرى ولا تترك منه أي جزء لمن يسير على قدميه في المنطقة الصناعية، التي تضم عددا كبيرا من العمال يتنقلون خلال استراحة الغذاء وفي أوقات انتهاء الدّوام اليومي.
سيارات تسير على الرصيف بحي طريق سطيف
ولا تقتصر مشكلة احتلال الأرصفة على المنطقة الصناعية أو بالقرب من المؤسسات، بل إنّها تُسجَّل في مختلف أرجاء مدينة قسنطينة، ففي شارع عوّاطي مصطفى المعروف باسم “طريق سطيف” بوسط المدينة، اضطرّت السلطات المحلية إلى تعليق لافتة على الجهة المقابلة لعمارات الحي ودُوِّنَت فيها عبارة “الرّصيفُ للراجلين” وصورةُ مجموعة من السيارات المركونة على الرصيف في نفس الشارع، لكنّنا لاحظنا بأن هذا السّلوك “الفوضوي” ما زال مُسجّلا، فغير بعيد عن اللافتة توجد عدة سيارات تشغل مساحة الرصيف كاملة، فيما يضطر الراجلون إلى النزول إلى طريق المركبات للمرور، كما يفضّل آخرون تغيير الرصيف بشكل كامل. وقد وقفنا على مجموعة من السيارات المركونة على الرصيف بالحي المذكور.
وأوضح لنا تاجر بأنه يجد نفسه مضطرا لحراسة الرصيف المحاذي لمحلّه، لأن بعض أصحاب المركبات يقومون بوضع سياراتهم مقابل مدخل متجره، ما يجعلها تعرقل حركة دخول الزبائن إليه وخروجهم منه. أما في الجهة الواقعة أسفل البنايات من الحي المذكور، فإن السكان قد حولوا الأرصفة إلى حظيرة لمركباتهم، حتى أننا صادفنا سيّارة أحد السكان، وكان يسير بها على الرصيف في الاتجاه المعاكس لطريق المركبات، بعد أن صعد إلى الرصيف عبر الجزء المنخفض منه والواقع مقابل مرآب إحدى البنايات، في حين يستحيل عليه صعود الرصيف من مكان آخر لأنه محاط بأعمدة معدنية سميكة.
وأخبرنا أحد السكان بأن أصحاب المركبات من جيرانه يتخذون هذا المسلك فوق الرصيف للركن أسفل منازلهم، مثلما وقفنا عليه، رغم أن صف السيارات المركونة في الحي لم يكن يشغل كامل الرصيف لاتساعه، كما أنه في وسع الراجلين المشي عليه أيضا، لكن تجدرُ الإشارة إلى أن رصيف الحي المذكور قد خضع منذ بضع سنوات لعملية إعادة اعتبار كلّفت الملايير ضمن برنامج تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، كما تم تنبيه السلطات المحلّية حينها إلى أن ثقل السيارات التي تمر عليه سيؤدي إلى تدهور وضعيته في مدة قصيرة، إلا أن السكان يعانون من انعدام أي مكان لركن المركبات لضيق الحي، ما يجعل الرصيف الحل الوحيد للمشكلة في الوقت الحالي.
وشدّ انتباهنا خلال الجولةِ شخصٌ من ذِوِي الاحتياجاتِ الخاصّة يُعاني من أجل دفع كرسيّه المتحرّك بين المركبات المركونة في شارع طريق سطيف، قبل أن يطلب من أحد المارة مساعدته في المرور عبر طريق المركبات، لانعدام مساحةٍ كافيةٍ تسمحُ له بالوصول إلى المكان الذي يريد.
سكّان يرفعون مُستوى الأرصفة لمنع المركبات من اعتلائها
ويمكن ملاحظة نفس المشكلة على مستوى شوارع المدينة القديمة، ففي حيّ القصبة لاحظنا بالجهة الخلفية لمؤسسة عمومية لافتة واضحة للعيان بمنع الركن في المكان، لضيق الرصيف والتصاقه بطريق السيارات، كما أنه من الأماكن المكتظة بالمارة طيلة اليوم، لكن السائقين يركنون طيلة اليوم غير مبالين باللافتة وبمضمونها،  كما أن المشي على الأقدام بالموقع يضطر المارة إلى مواربة المركبات المتدفقة بأعداد كبيرة من الجهة العلوية لحي القصبة، ما يؤدي إلى صدم بعضهم بمرايا الرؤية الجانبية، في أحيان أخرى تصدمُهم السيّارات وتؤدي إلى إصابتهم أو وقوع شجارات.

وتُسجَّل مشكلة احتلال الأرصفة على مستوى حي سيدي مبروك العلوي والسفلي بشكل كبير أيضا، رغم أن الظاهرة اختفت من الرصيف المقابل لمراكز التسوق القريبة من مستشفى الأمومة والطفولة بسيدي مبروك، مقارنةُ مع كان مُسَجّلا في فترات سابقة، خصوصًا خلال فَصْلِ الصّيف، لكنّنا لاحظنا المشكلة بالقرب من الحديقة المسماة من طرف السكان بـ”السكوار”، فعلى طول السياج المحيط بها من الجهة المقابلة لمسجد نعيم النّعيمي، تَشَكّل صفٌّ من المركبات المركونة على الرصيف.
ودفع الركن على الأرصفة بكثير من المواطنين إلى مضاعفة علو الرصيف عن الطريق، حتى يثنوا السائقين عن محاولة الصعود فوقه، وقد أكد لنا قاطن بحي سيدي مبروك بأنه عانى خلال فترة طويلة من المشكلة، لأن السائقين كانوا يضعون مركباتهم ويتركونها طيلة اليوم أمام مدخل بيته، ما يجعله يخرج ويدخل بصعوبة كبيرة، في حين نبّه بأنه لم يتمكن من إخراج سيارته من مرآب منزله طيلة يوم كامل لأن شخصا ترك سيارته من الصباح إلى المساء فوق الرصيف. وأضاف المعني بأنه قام برفع مستوى الرّصيف بالخرسانة مثلما نصحه بعض الجيران للتخلص من المشكلة، مشيرا إلى أن هذا الأمر جعل السائقين يمتنعون عن الرّكن، دون أن يجد نفسه مدفوعا إلى الحديث معهم أو الدخول في جِدال قد ينتهي بشجار مع أحدهم.
أما في أحياء أخرى، مثل العمارات المحيطة بساحة فوضيل بن يزار بوسط المدينة، فلجأ العديد من المواطنين إلى وضع الأعمدة الحديدية لمنع أصحاب المركبات من الركن على الأرصفة، لكن السكان أنفسهم يركنون سياراتهم فوق الأرصفة خلال الساعات المسائية، لانعدام فضاء مخصص للركن بالحي، بحسب ما أوضحه مواطنون من الحي.
وقد أنهينا جولتنا بالمرور عبر بلدية قسنطينة من أجل طرح المشكلة على رئيسها والحصول على مزيد من التفاصيل حول القضية، لكن أعوانها أوضحوا لنا بأنّ المير في عطلة، كما أنه تعذر علينا التواصل مع خلية الاتصال بالمجلس الشعبي البلدي رغم محاولات متكررة. وأفاد لنا مصدر مسؤول من بلدية قسنطينة بأن الرخصة بالركن لا تشمل استغلال المساحة الواقعة فوق الرصيف، مشيرا إلى أن القانون يمنع ذلك، في حين أكدّ المصدر بأن القانون يفرض تعليق رخصة استغلال الجزء المحاذي للرصيف من أجل التوقف في حال الاستفادة منها.
مدير مؤسّسة تسيير المناطق الصناعية بقسنطينة يؤكد
لم نمنح أي رخصة لاستغلال الأرصفة وتابعنا بعض المتعاملين قضائيا
وصرّح لنا مدير مؤسسة تسيير المناطق الصناعية بقسنطينة، محمد حمزة بن رجم، بأن مصالحه تابعت بعض المؤسّسات الخاصة النشطة على مستوى مناطق صناعية قضائيا، بسبب الاستغلال غير القانوني للأرصفة في بلدية ديدوش مراد، حيث أوضح لنا بأن أصحاب بعض هذه المؤسسات حولوا الرصيف إلى مكان لوضع المواد الأولية مثل الحجارة والحديد وغيرها، في حين أوضح لنا بأنه تمّت متابعة مُتعامِليْن بقسنطينة بسبب احتلال الرّصيف وتحويله إلى حظيرة لركن السيارات.
وشدّد محدثنا على أن مؤسسته لا تمنح أبدا رخصا لاستغلال الأرصفة في ركن المركبات مشيرا إلى أن الرّصيف في القانون يظلّ مكانًا مخصّصًا للراجلين، فضلا عن أن العديد من الشبكات تُمرّر عبره نظرا لكونه يحتمل ثقلا بشريا خفيفا فقط، على عكس الطريق الذي يستعمله أصحاب المركبات ما قد يؤدي إلى تدهور الشبكات في حال تمريرها عبره. ونبّه نفس المصدر بأنّ مصالحه تلجأ إلى حلول ودية، لكون المتعاملين الاقتصاديين يواجهون مشاكل متعلقة بالمساحة مقارنة بالعدد الكبير من العمال، فضلا عن أن العديد منهم يطالبون دائما بالحصول على قطع أرضية أخرى من أجل توسيع استثماراتهم.
لكن المدير أوضح بأنه في حال فشل الحلول الودية وتفاقم الوضع، تلجأ المؤسسة إلى الإجراءات القانونية الردعية مثل توجيه الإعذارات أو المتابعة القضائية. وأفاد نفس المصدر بأن مؤسسة تسيير المناطق الصناعية تمنح في بعض الأحيان، رخصا لاستغلال المساحات العمومية الشاغرة والمحاذية لبعض المؤسسات كحظائر لركن سيارات الموظفين فقط لكنها لا تكون على حساب الأرصفة أبدا، مشيرا إلى أن المستفيدين منها لا يجوز لهم البناء فيها أو توجيهها لاستغلال اقتصادي.
وقد اعتبر المدير بأن المشكلة لدى كثير من أصحاب المؤسسات لا تكمن في تعمد التعدي على الرصيف، بقدر ما هي نابعة من جهل كثير منهم بحدود المساحة التي يسمح له القانون باستغلالها، فحتى تهيئة الرصيف غير مسموح بها دون الحصول على رخصة، بحسبه، في حين قال إنّ بعض المتعاملين يقومون بالرّبط بالشبكات بشكل عشوائي. وأضاف بأن مظاهر الفوضوية في التعدي على الفضاءات العمومية متعددة، مثل بعض المواطنين الذين يعلقون لافتات أمام منازلهم لمنع سائقي المركبات من الركن أمامها، رغم أنه ينبغي الحصول على رخصة من مصالح البلدية من أجل القيام بأمر مماثل.       
س.ح

الرجوع إلى الأعلى