أطفال اندمجوا بسرعة ونشاطات مختلفة لتنمية قدراتهم
قضت النصر يوما كاملا مع أطفال المخيم الصيفي بمدرسة إدريسي السعيد ببودواو البحري بولاية بومرداس، الذي تشرف على تنظيمه رابطة الهواء الطلق ترفيه و تبادل الشباب لولاية البليدة، بالتنسيق مع مديرية الشباب و الرياضة، و يضم هذا المخيم 130 طفلا، من بينهم 27 بنتا، تتراوح أعمارهم بين 07 و 13 سنة، اندمج أغلبهم بسرعة مع أجواء المخيم و ما يقترحه المشرفون عليه من نشاطات ترفيهية و تثقيفية متنوعة، و ذلك بالرغم من أن هذه أول تجربة لهم بعيدا عن ذويهم.
روبورتاج: نورالدين عراب
النصر رصدت انطباعات مجموعة من الأطفال من الجنسين، فأكدوا لنا بأنهم لا يريدون العودة إلى منازلهم،  و يفضلون المكوث في المخيم الصيفي للاستمتاع بأجوائه  الجميلة و الألعاب و النشاطات التي يتم تنظيمها من قبل المشرفين عليه، معربين عن سعادتهم بتواجدهم هناك.
ويذكر في هذا السياق مدير المخيم علي عليوة ، بأن مغادرة الطفل لأول مرة الجو الأسري، وانتقاله  إلى مكان آخر، بعيدا عن العائلة ليس سهلا، لكنه تفاجأ بسهولة و سرعة اندماج الأطفال، وقال بأن الجو الذي تم خلقه ساهم بشكل كبير في ذلك ، حيث تم استقبالهم في اليوم الأول ب"الزرنة "في مدخل المدرسة، إلى جانب المهرج الذي وزع عليهم الحلويات أثناء وصولهم، مؤكدا بأن هذه المبادرة ساهمت  كثيرا في تقبل الأطفال للجو الجديد،  و وجودهم في المخيم واندماجهم بسرعة، كما أن النشاطات المختلفة التي يتم تنظيمها ، جعلت هؤلاء الأطفال ينسون الجو العائلي ، ويتأقلمون مع جو المخيم.
أثناء تواجدنا بالمكان حاولنا معرفة آراء الأطفال حول المخيم، فرد جل من طرحنا عليهم هذا السؤال،  بأنهم يفضلون البقاء في هذا المخيم على العودة إلى المنزل.
وأشار  عليوة بأن المخيم الذي نظم هذه السنة، يستقبل الأطفال على ثلاث دفعات، كل دفعة تضم حوالي 120طفلا، الدفعة الأولى استقبلت في الفترة بين 20 و29جويلية الماضي، أما الدفعة الثانية التي تتواجد حاليا بالمخيم، استقبلت بتاريخ 29جويلة و تغادر بتاريخ 07 أوت، على أن يتم استقبال الدفعة الثالثة بنفس التاريخ الأخير و تغادر يوم 16أوت الجاري.
أنشطة ترفيهية وتثقيفية متنوعة
 أضاف المدير علي عليوة بأنه تم إعداد برنامج متنوع في المخيم، يشمل أنشطة ترفيهية وتثقيفية متنوعة منها السباحة، دورات رياضية، ورشات يدوية، ألعاب فكرية وغيرها، حيث يستيقظ الأطفال على الساعة السابعة و النصف صباحا، ويتناولون على الساعة الثامنة فطور الصباح، وخلال الفترة ما بين الثامنة والتاسعة، يتم تنظيم نشاط جماعي بساحة المخيم، ثم يتوجه البراعم إلى شاطئ البحر .
و بعد فقرة السباحة و استراحة قصيرة، يتوجهون إلى المطعم لتناول وجبة الغذاء، ثم يعودون إلى الغرف لأخذ قيلولة، وبعدها تقدم لهم لمجة المساء، لتبدأ بعدها مباشرة الأنشطة المسائية التي تتضمن نشاطات مختلفة، تختلف من فوج لآخر منها الرسم، الأشغال اليدوية، الألعاب الفكرية و الموسيقى، ليجتمع بعدها جميع الأطفال مع منشطيهم في ساحة المدرسة، للقيام بأنشطة و حركات رياضية وأغان جماعية.
على الساعة الثامنة ليلا، يتوجه الأطفال إلى المطعم لتناول وجبة العشاء، لتبدأ السهرة على الساعة التاسعة مساء، و تتضمن أنشطة مختلفة تساعد أكثر في اندماج الأطفال في جو المخيم، و تقضي على الملل و الرتابة، وتساهم في تكوينهم وتربيتهم، كما كشف المسؤول بأنه يتم تنظيم دورات رياضية و مسابقات بين الأطفال.
و يتضمن البرنامج جولات سياحية باتجاه محيط مدينة بودواو  ومدينة بومرداس،  ليتعرف الأطفال أكثر على المنطقة ، و ما تضمه من خصائص طبيعية و عمرانية و عادات و تقاليد.
تعليم الأطفال الانضباط والاعتماد على الذات
من أهم الأهداف التي يركز عليها القائمون على المخيم تعليم الأطفال الانضباط والاعتماد على النفس ، ما يساهم بشكل كبير في تكوين شخصيته، و يذكر في هذا السياق مدير المخيم علي عليوة، بأن من أهم مزايا المخيم ، تسطير برنامج دقيق، وتنفيذه يتم وفق جدول زمني محدد من طرف الأطفال، فكل برنامج محدد بزمن معين، ويتوجب على الطفل الالتزام به، مشيرا إلى أن أطفال المخيم تم تقسيمهم إلى أفواج، كل فوج يضم 10أطفال، يكونون متقاربين في السن، ويشرف على كل فوج منشط بالنسبة للذكور، ومنشطة بالنسبة للإناث، و كل منشط أو منشطة يرافق الفوج من بداية إلى نهاية فترة المخيم، و ينام معهم في نفس الغرفة، ويرافقهم في الإطعام و السباحة، والنشاطات المختلفة.
ومن السلوكات التي يحاول منشط المخيم تعويد الأطفال على الالتزام بها، الاعتماد على الذات، فمباشرة بعد الاستيقاظ من النوم، يقوم الطفل بتنظيم فراشه و سريره، وأطلق على هذه العملية شعار "البيت الجميل"، حتى يتعود الطفل على رعاية نفسه بنفسه، ولا يعتمد على الغير، خاصة والدته في المنزل، وفي نفس الوقت يشرف الأطفال على تنظيف موائد الطعام مباشرة بعد نهاية الوجبات.
 وحسب عضو رابطة الهواء الطلق ترفيه وتبادل الشباب محمد تسايلب، فإن هذه السلوكيات لا يجدها الطفل في كنف أسرته، وتدخل في إطار تكوين شخصيته و تربيته تربية صحيحة، وأشار نفس المتحدث إلى أن المنشطين ملزمون بالمعاملة الجيدة لكل الأطفال دون تمييز بينهم،  أو اهتمام بأطفال معينين دون الآخرين، وذلك من أجل خلق الجو الجماعي لدى الجميع دون تفرقة.
وفي السياق ذاته يحرص المنشطون على أمن الأطفال وراحتهم، فقبل التنقل إلى شاطئ البحر المحاذي للمدرسة، يتم مراقبة محيطه و تنظيفه، كما يستعين المنشطون بحبال لتحديد حيز معين للسباحة، ولا يسمح لهم بالخروج منه ، من أجل حمايتهم وضمان سلامتهم.
و من أجل ضمان أمن و سلامة هؤلاء الأطفال أيضا ، تخصص وحدة الحماية المدنية المتواجدة بالشاطئ ، أحد أعوانها لمرافقة الأطفال طيلة تواجدهم بالشاطئ إلى غاية مغادرتهم، كما تخصص رابطة الهواء الطلق طبيبة عامة وأخصائية نفسانية لمرافقة الأطفال ليلا ونهارا بالمخيم.
زيارة الأولياء يوم الجمعة و استعمال الهواتف لفترات قصيرة
في إطار تحقيق أهداف المخيم الرامية إلى المساهمة في تكوين وتطوير الشخصية لدى الأطفال في وسط جماعي بعيدا عن العائلة، اشترطت إدارة المخيم على الأولياء أن تكون زيارتهم لأبنائهم يوم الجمعة صباحا فقط، و ذلك حتى يندمج الطفل أكثر وسط المخيم، كما أن عدم ضبط الزيارة، قد تفتح لدى الطفل رغبة المغادرة مع والديه، خاصة و أن زيارة الأولياء لبعض الأطفال و امتناع آخرين عن ذلك قد يخلق نوعا من التمييز بينهم، مما يؤثر على الجو الجماعي في المخيم، لهذا تسمح إدارة المخيم بزيارة الأولياء يوم الجمعة صباحا فقط، كما تسمح الإدارة للأطفال الذين يتوفرون على هواتف نقالة، بأن يستعملونها في أوقات محددة فقط للتواصل مع أوليائهم.
وفي هذا الإطار يذكر رئيس رابطة الهواء الطلق لترفيه وتبادل الشباب لولاية البليدة إسماعيل علواني ، بأن ما تم رصده في هذا المخيم هو شوق و حنين الأولياء لأبنائهم، وليس حنين الأطفال لأمهاتهم وآبائهم، حيث أن الأطفال اندمجوا بسرعة منذ الوهلة الأولى، في  حين يصر الأولياء على زيارة و مقابلة الأبناء، مشيرا في هذا السياق إلى تقدم والد طفل من بلدية مفتاح لاصطحاب ابنه إلى المنزل لمقابلة أمه الحامل التي كانت على سرير الولادة بالمستشفى، وذلك بطلب منها، لكنه تفاجأ برفض الطفل المغادرة، فبالرغم من أن والده أعلمه بأن أمه ستنجب له شقيقا، لكن الطفل لم يكترث بذلك، وفضل البقاء في المخيم على الذهاب لرؤية أمه ، ليتم إقناع الطفل بالذهاب مع ابيه لرؤية والدته ثم العودة مساء إلى المخيم، وهو ما حدث فعلا.

 اقتربنا من عدد من الأطفال بالمخيم، و سألناهم إذا اشتاقوا لذويهم ويريدون مغادرة المخيم، فكانت إجابتهم أنهم يفضلون البقاء في المخيم على الذهاب إلى المنزل، في حين قالت لنا طفلة من بن عاشور ببلدية البليدة، " اشتقت لأختي، لكن لا أريد مغادرة المخيم".
و أوضح عضو الرابطة سفيان عابد ، بأن الأهداف الأساسية لهذا المخيم هي تقاسم الأطفال الحياة الجماعية، بعد خروجهم من الوسط العائلي، كما يهدف المخيم ،  إلى تعليم الأطفال التواصل و تجاوز حالة الانطواء المسجلة لدى بعضهم، وذلك بممارسة نشاطات بيداغوجية وتربوية مختلفة، من أجل تكوين جيل متوازن.
اكتشاف المواهب في الأيام الأولى
و ذكر المنشط محمد خليفي، بأن بعض المواهب التي يتميز بها الأطفال بدأت تبرز خلال الثلاثة أيام الأولى من عمر المخيم، فهناك مواهب تم اكتشافها في مجال التمثيل والمسرح، تلاوة القرآن الكريم، الرسم، وغيرها، وأضاف المتحدث بأن اكتشاف هذه المواهب تم خلال النشاطات المختلفة التي تنظم في المخيم، إلى جانب إفساح المجال لهؤلاء البراعم للتعبير عن مواهبهم وطاقاتهم، وفي السياق ذاته ذكر مدير المخيم علي عليوة، بأن هذه المواهب سيتم الاعتماد عليها  في تنشيط الحفل الختامي.
أطفال يكتشفون البحر لأول مرة
بالرغم من قرب المسافة التي تربط ولاية البليدة بالشواطئ، إلا أن أطفالا يتواجدون بهذا المخيم يزورون البحر لأول مرة في حياتهم، و من بينهم طفل يبلغ من العمر 09 سنوات من العفرون، التي تبعد بحوالي 30 كيلومترا عن شواطئ ولاية تيبازة.
في البداية رفض الصغير الحديث إلينا ، وكانت علامات الخجل بادية على وجهه، و عندما سألناه عن سبب عدم زيارته للبحر من قبل، رد ببطء بأن والده يملك سيارة قديمة تتعطل كثيرا، لهذا لم ينقله هو و بقية أفراد أسرته إلى شواطئ البحر.
و في نفس الغرفة تحدثنا إلى طفل آخر من مدينة الأربعاء التي لا تبعد هي الأخرى عن شواطئ العاصمة سوى ب30 كيلومترا، فأكد لنا بدوره بأنه لأول مرة يزور البحر و يستمتع بالسباحة فيه، وسألناه عن السبب لأنه يسكن قريبا منه، رد بأن والده يعمل يوميا باستثناء يوم الجمعة ، لهذا ليس لديه الوقت لمرافقته إلى البحر.
و ذكر منشط الفوج محمد خليفي،  بأن الطفلين اللذين يزوران البحر لأول مرة اندمجا كثيرا مع باقي الأطفال،  وتفاعلا كثيرا مع مختلف النشاطات، و هو حال باقي الأطفال الآخرين الذين يشارك أغلبهم لأول مرة في مخيمات صيفية.
إعداد وجبات متوازنة بالتنسيق مع طبيبة المخيم
ذكر عضو رابطة الهواء الطلق ترفيه وتبادل الشباب سفيان عابد، بأن الوجبات الغذائية التي تقدم للأطفال في المخيم متوازنة، تتناسب و سنهم، فتعوضهم هذه الوجبات المتنوعة والغنية بالفيتامينات، عن الحريرات التي يفقدونها أثناء السباحة أو خلال النشاطات التي يقومون بها، مضيفا بأن عملية إعداد الوجبات يتم بالتنسيق مع طبيبة المخيم التي ترافق الأطفال طيلة تواجدهم به.
وفي السياق ذاته أوضح سفيان عابد، بأن فتح المخيم تم في إطار القوانين السارية المفعول ، فالمكان تمت معاينته من طرف مصالح بلدية بودواو، الدرك الوطني، الحماية المدنية و مديرية الصحة والسكان، فكل هذه الجهات أبدت موافقتها على تنظيم المخيم قبل فتحه، و تمت مراقبته من الجوانب الأمنية، الكهرباء والغاز، المياه وغيرها، كما تمت مراقبة المخيم من طرف مديرية الشباب والرياضة لولاية الاستقبال.
في حين قامت رابطة الهواء الطلق بتهيئة المدرسة، و تزويدها بكل المستلزمات الأساسية التي يحتاجها الأطفال لقضاء أوقات ممتعة وجميلة قبل العودة إلى مقاعد الدراسة.
ن -ع

الرجوع إلى الأعلى