سكيكدة.. مدينــة سياحيـــة بامتيــاز تفتقر للإمكانيـــات
تعتبر سكيكدة مدينة سياحية بامتياز بشريطها الساحلي و جزرها التي تزيِّن العروس “روسيكادا”، التي تحتفي سنويا بثمرة الفراولة، كما لا يكاد الزائر يفارق سحر الطبيعة وأسْرَ الشواطيء بها قبل تذوق حلوياتها الأشهر بوسط المدينة، والـ”بيتزا” التي تضاهي بيتزا إيطاليا لذَّة ، لكنها تعاني ضعفا في المرافق والهياكل القاعدية، باستثناء الميناء، العصب الاقتصادي الهام بالولاية، الذي لم يشفع لبطالي الجهة، رغم محاولات نفض الغبار عنها عبر شراكات لإنجاز مدن سياحية بطراز عالمي، على ساحل فلفلة و”جاندارك”.
روبورتاج: فاتح خرفوشي
تضمُّ ولاية سكيكدة أكثر من 900 ألف نسمة موزَّعة على 38 بلدية، تتبعُ إداريا لـ 13 دائرة، غير أنَّ التوزيع الديموغرافي غير متجانس، حيث تشكل المناطق الحضرية النقاط الأكثر كثافة للسكان، وخاصة بالقرب من الساحل، ما جعل مسؤولي الولاية وخاصة دائرة سكيكدة في مواجهة المطالب المتكرّرة للمواطنين بتوفير السكن، خاصة، رغم تسطير مشروع المدينة الجديدة والأقطاب الحضرية الكبرى بكل من بوزعرورة، الواقعة بين منطقة العربي بن مهيدي وبلدية فلفلة، حيث تقرَّر منذ سنوات، تحويل الجهة إلى قطب حضري سكني وإداري، كونه يضمُّ، أيضا، المنطقة الصناعية البتروكيمياوية، وإنشاء مستشفى جهوي لمعالجة الحروق من الدرجة الثالثة.
ووَجَّهت الدولة عنايتها لخلق مزيد من الأقطاب الحضرية السكنية بسكيكدة، بعد تشبُّع المساحات المبرمجة خلال المخططات القديمة، والانهيارات المسجلة بوسط المدينة على غرار السويقة والزاوية والبناءات ذات الطراز المعماري الأوربي المنتشرة على «ضفتي» شارع ديدوش مراد، خاصة، أو ما يعرف بالأقواس «ليزاركاد»، والآيلة للسقوط على رؤوس الساكنة في أية لحظة، لاهترائها، على شاكلة السوق الذي يعدُّ معلما من معالم المدينة، حيث خصص غلاف مالي، آنذاك، قيمته 61 مليار دينار لتجسيد كل الورشات وترحيل المواطنين إلى سكنات لائقة، غير أن العملية طالت.
بنايات توشك على الانهيار بالمدينة القديمة
و أمام طول الانتظار والخوف من سقوط المنازل على رؤوس ساكنيها، قرَّر الكثير من أبناء سكيكدة، خاصة بوسط المدينة، التوجه لخيار آخر والابتعاد من أجل الحصول على سكن محترم ولائق، وهي مدينة عزابة، التي تبعد بعدة كيلومترات جنوبا عن عاصمة الولاية، وتبنيها خيارا بديلا عن ضيق الشقق القديمة واهترائها، بعدما قاومت لعقود، حسب ما أفادنا به «محمد» الذي التقيناه صدفة بمدخل إحدى البنايات التي توشك على الانهيار، وبادرنا بالاستفسار عن مقصدنا وسبب أخذ صور للأماكن المهترئة، وبعد اطلاعه على الأمر، أخبرنا بالحسرة التي تختلج صدره وصدور كل السكيكدية، بخصوص المدينة القديمة، خصوصا.
بادرنا محدثنا بالتأكيد على أن خبيرا إسبانيا قام نهاية الثمانينيات بإجراء خبرة على المنازل ذات الطابع الأوربي، المشيدة في الحقبة الاستعمارية، والمترامية على جانبي شارع ديدوش مراد بوسط مدينة سكيكدة، مضيفا أن التقني أكد استحالة العيش بها، وضرورة إخلائها فورا من الساكنة وترميمها، وتهديم المباني المهترئة بشكل كبير وإعادة البناء من الصفر، لكنَّ ذلك لم يتمّ.
وباشرت السلطات البلدية، منذ ثلاثة أعوام تقريبا، عملية ترميم، إلا أنها لم تتجاوز بضعة سقالات موضوعة هنا وهناك، وعمال لا يتجاوز عددهم  أصابع اليد الواحدة، كما شاهدنا أدوات بسيطة علق محمد في شأنها قائلا «تصوروا عاملا غير متخصص في الترميم، أصلا، يعمل وبيده ملعقة بناء وقارورة بلاستيكية مقطوعة لوضع خليط الإسمنت بها، أي استهتار هذا..»، فيما لا تزال الأسقف المنهارة جزئيا بـ»الأقواس» بادية للعيان والمارّة والسوَّاح القادمين من كل جهة، حيث سكنها الحمام، وابتعد قاطنوها محاولين إيجاد سبيل وبديل للسكن بشكل كريم و محترم، بينما تنتظر مئات العائلات بسكيكدة وحمادي كرومة والحدائق و فلفلة، موعد ما بعد عيد الأضحى، للترحيل نحو القطب الحضري الجديد بوزعرورة، المهيأ لاستيعاب 11 ألف سكن، من مختلف الصيغ السكنية.
و تزخر ولاية سكيكدة بعديد المنشآت الضخمة اقتصاديا، غير أنَّ شبح البطالة مازال مخيما على الجهة، فلا قطاع السياحة ولا حتى الميناء البحري والمنطقة الصناعية البيتروكيماوية شفعت للعديد منهم لدخول عالم الشغل، حسب من تحدثنا إليهم من الشباب، الذين قالوا إن غالبيتهم يعملون في تجارة حرة بسيطة و بالمزارع في جني المحاصيل الموسمية، و يطالبون بالأولوية في التشغيل.
كما اقترح ذات المتحدثين تحرك مؤسسات التشغيل ومنحهم القروض لإجراء اتفاقيات مع القطاعات المذكورة، لإشراك الشباب في مشاريع لها صلة بالحركة الاقتصادية للميناء والمنطقة الصناعية، وكذا السياحة، خاصة جهة القل والحروش وزردازة وعين قشرة وأم الطوب وبني والبان والبلديات المعزولة، نظرا لتوجه خيرة أبناء هذه المناطق للهجرة إلى خارج البلاد، أو نحو العاصمة في أحسن الظروف، بحثا عن مقومات العيش الكريم.
المغتربون يخلقون حركية أمام الميناء
و لاحظنا لدى بداية جولتنا بمدينة سكيكدة، ازدحاما مروريا خانقا بجانب ساحة أول نوفمبر، خاصة عند محاولة الدوران بالسيارة وأخذ الوجهة نحو سطورة، ليتبين بعدها أن المغتربين العائدون إلى مختلف البلدان الأوربية هم السبب وراء ذلك، عبر اصطفاف عشرات السيارات المحمَّلة بسلع ومنتوجات محلية وأكلات تقليدية، لأخذ الدور بالباخرة التي ستقلهم من ميناء سكيكدة، في الصباح الباكر.
وحرصت مصالح الأمن على التواجد بقوة لتسهيل حركة المرور وتنظيم اصطفاف السيارات في ثلاثة خطوط بدل اثنين، وتسهيل الإجراءات الجمركية والتفتيش، عبر فرق المراقبة البحرية المتواجدة على ظهر السفينة، وكذا رفع الفرق العاملة بالموانيء، فيما بدا أنَّ المغتربين لا يحبذون قضاء العيد في البلاد، كما يقولون، وانقلبت قاعدة جلب الأشياء والمقتنيات من الدول الأوروبية، حيث باتوا يشترون ما يلزمهم من الأسواق الجزائرية.
وقال «الربيع» أحد سكان سكيكدة، إنَّ المغتربين خلقوا حركية كبيرة بالمدينة منذ قدومهم، وانتعشت التجارة والسياحة نوعا ما، لكنَّ السكان المحليين الباحثين عن الهدوء والسكينة خلال الإجازة السنوية، تنفسوا الصعداء بعدما انخفض الضغط قليلا، وصارت الشوارع أكثر هدوءا، ليحين الدور ليتمتعوا هم، أيضا، بزرقة البحر والنسيم العليل وبرودة المياه المعتدلة.   
السويقة والزاوية سوق شعبي بـ»نوستالجيا» الزمن الجميل
الداخل إلى سكيكدة ينجذب إلى عدة مواقع لا يمكن تصنيفها خارج المعالم، و»نوستالجيا» المدينة القديمة الفاقدة نوعا ما لبريقها مع فقدان المزيد من الساكنة بسبب الانهيارات المتتالية للبنايات، وهذا خارج مجال السياحة البحرية والمكوث بالشاطيء أو زيارة الجزر المترامية هنا وهناك بالبحر، حيث يفضِّل البعض استكشاف عمق المدينة والاطلاع على الطبقة الشعبية والعادات والتقاليد وعمق المجتمع السكيكدي.
كنا في جولة استطلاعية عمَّا يجذب الانتباه ويجيب عن أسئلة تطرح من قبل السائح، سواء الجزائري نفسه، أو القادم من خارج الحدود، بخصوص المدينة، حتى انتبهنا لزقاق يعجُّ بالناس والمتسوقين، وهو ما يظهر أنه مركز اهتمام عامة الساكنة بوسط المدينة والأحياء القريبة، وعندما دخلنا وجدناه سوقا شعبية للخردوات والملابس والأواني والأدوات الكهرومنزلية، وغيرها. كل شيء قديم وبسعر بخس متوفر هنا، وتحديدا بالسويقة والزاوية، رغم مطاردات مصالح الأمن للباعة الفوضويين، و التي قال عنها أحد الباعة إنها «يومية، و صارت ديكورا من الحياة في السوق».

وإلى جانب الملابس وأجهزة الراديو القديمة، وكل ما هو مستعمل، وصولا إلى الهواتف النقالة وخلاَّط العصير والأحذية ومفاتيح السباكة، توجد محلات الخضر والفواكه والأكلات السريعة، كما صادفنا محلاّ يمتهن صاحبه بيع الكسرة بأنواعها، إلى جانب اللبن والحليب الرائب، فيما يحبذ بعض الزبائن طبق كسكس الشعير ممزوجا باللبن أو الرائب، ويطلب آخرون «البراج».
«محل الباي» لبيع الكسرة واللبن.. 40 عاما من الوجود
استفسرنا صاحب محل بيع اللبن والرائب والكسرة، المسمى «الباي»، عن هذه المهنة على ندرة كاسبي قوتهم اليومي منها، فقال إنَّ المحل معروف بهذا النشاط منذ حوالي 40 عاما، وهي حرفة شبه متوارثة عن الأب، وتستقطب عددا لا بأس به، يوميا، من محبي تناول الأكلات الشعبية خاصة التي تعود إلى زمن الأجداد، وسط انتشار فوضى الأكلات السريعة وغير الصحية، فيرفض كبار السن خاصة تناول الشوارما والهامبورغر، والشواء، في مقابل الحصول على كأس من اللبن او الرائب، وقطعة من الكسرة المنزلية الصنع، حسب الاختيار، بوجود كسرة من الشعير، وأخرى عادية تراوحت بين «كسرة الخميرة والرخسيس» أو كسرة تعرف بالعامية «ماء وملح».
وتعدُّ أسعار محل «الباي» الذي يضمُّ ثلاثة عمال على الأقل، حسب ما شاهدناه، في متناول الجميع، وبإمكان أصحاب الدخل المحدود الحصول على وجبة كاملة ومشبعة بسعر لا يتجاوز 60 دج، يمثل ثمن كوب من المشروب و»ربع» كسرة.  
السفينة السياحية بسطورة تبهج العائـــــــلات
و قرر أحد المستثمرين الخواص المعروف بولاية سكيكدة، عدم الاكتفاء بالرحلات المنظمة على القوارب السياحية الصغيرة، نحو الجزر والشواطيء البعيدة، خاصة الصخرية، حيث هيأ سفينة من الحجم الكبير وزودها بكراسي، لنقل العائلات والأفراد نحو كل شواطيء الولاية، في نزهة سياحية بالبحر، حيث لا يتجاوز ثمن الكرسي الواحد 500 دج، وهو ما أضفى حركية نشطة ولمسة جميلة على سطورة.
وقال هذا المستثمر للنصر إنه اقترح على السلطات المحلية المساهمة في جعل الاستثمار أكثر تنظيما لدعم خزينة البلدية، لكن دون جدوى، إلى جانب محاولته تحويل مسمكة سطورة إلى مزار سياحي سيدر العملة الصعبة، دون إهمال نشاطه الأساسي وهو بيع السمك، الذي استطرد بخصوصه قائلا «السمك لم يعد في متناول الجميع بسبب السماسرة، إن صحَّ التعبير، والوسطاء، وبإمكاني والعاملين معي قلب هذه المعادلة لصالح الجميع، ومنح الصيادين قوارب مجهزة بالتكنولوجيا، ودعم نشاطهم، والحصول على الأسماك بأسعار جد تنافسية».
كما وجَّه ذات المتحدث انتقادا بشأن السماح له بتهيئة المساحة المقابلة لمكان ركن سفينته في الميناء، أين تتواجد محطة صغيرة لنفطال، يستغلها أحد الخواص بشكل عشوائي، ما جعل الزيوت والمازوت المنسكب على الأرض، وتحديدا حافة المرسى، تشوه المظهر العام، وتنفِّر السواح، فيما وعد، حال منحه الضوء الأخضر لاستغلالها، بتنظيفها ووضع باقات الورود وكراسي مهيأة لاستقبال العائلات بشكل لائق. هذا وتستفيد الجمعيات الخيرية والكشافة الجزائرية عبر 48 ولاية بالجزائر، من تخفيضات هامَّة تصل إلى 75 بالمائة، وهو ذات الإجراء لليتامى و المعوزّين، فيما تكون الرحلة أحيانا بالمجان للأطفال والمسنين، ما جعل السفينة تستقطب العائلات بشكل يومي، بميناء سطورة، بين الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال إلى غاية الليل.
 الركن مقابل 100 دج
مع استعادة «روسيكادا» لبريقها هذا الموسم وتحوُّل السواح من مختلف الجهات والبلدان إليها، هربا من جشع التجار الموسميين والاستغلاليين في فصل الصيف، يبقى منطق دفع مبلغ 100 دج لركن السيارة سائدا، وهو ما يدفع للتساؤل عن الميكانزمات الموضوعة من قبل المسؤولين لمحاربة مستغلي أماكن ركن السيارات والدفع بطريقة «قانونية»، من خلال منح تذاكر أشبه ما تكون نظامية.
ف.خ

الرجوع إلى الأعلى