الجفاف يبيد 1200 هكتار من أشجار المشمش  بالمسلة

تتعرض مساحات شاسعة من الأراضي المسقية و الأشجار المثمرة بمحيط سد القصب بالمسيلة، التي تمتد من منطقة بوخميسة إلى   الحدود مع بلدية المطارفة،  خلال السنوات الأخيرة ، إلى الانكماش و الإتلاف، حيث تعرض الفلاحون بالمنطقة إلى غاية سنة 2017، إلى خسارة  أكثر من 1200 هكتار أغلبها أشجار المشمش، فيما تقلصت المساحة المسقية من السد إلى أدنى من 4000 هكتار، بعدما كان  يسقي حوالي 13 ألف هكتار سابقا.

و ذلك بسبب حالة الجفاف التي ضربت الولاية طيلة السنوات الماضية و تراجع منسوب مياه السد من 29 مليون متر مكعب، إلى أقل من 11 مليون متر مكعب حاليا،  و ضاعفت عملية تنظيف السد التي انطلقت منذ سنة 2001 إلى يومنا هذا والتي استهلكت مئات الملايير من الدنانير، من حجم الكارثة بفعل رمي كميات الطمي التي ساهمت طيلة العشريتين الماضيتين في ارتفاع مستوى الوادي، وهو ما بات يهدد مستقبل أكثر من 1200 فلاح بهذه المنطقة وعبر بلديات المسيلة ، المطارفة و السوامع،  والذين لم تعد تصلهم مياه السد بعد أن أصيبت السواقي الهوائية التي كانت سببا في حياة حوالي 13 ألف هكتار منذ انجاز هذه المنشأة المائية بداية سنوات الخمسينات ، وبعدها انشئ محيط القصب على مستوى حوض الحضنة سنة 1954 بناء على قرار الحاكم العام في الجزائر حينها ، ويتربع على مساحة تقدر بـ 4800 هكتار مقسمة إلى منطقتين، الأولى منطقة مشجرة و بها بساتين من الخضراوات، والثانية مخصصة لزراعة الحبوب والأعلاف   تقدر  مساحتها بـ 3600 هكتار.
فلاحون يهجرون خدمة الأرض
واقع محيط سد القصب الذي كان منذ أيام  محل معاينة لجنة الفلاحة والتنمية الريفية بمجلس الأمة، والتي يترأسها السيناتور بلقاسم قارة، سرده فلاحو المنطقة الذين دقوا ناقوس الخطر بعد أن بلغ المحيط اليوم مرحلة اللا رجوع،  وذلك بسبب تحول مساحات شاسعة إلى مناطق جرداء،  وأخرى غزاها الاسمنت والبنايات التي باتت تنمو كالفطريات على مرأى ومسمع من السلطات المحلية للبلدية، حيث  يستمر  مسلسل الاعتداء على الأراضي الفلاحية الخصبة بهذه المنطقة، التي ظلت لعقود طويلة من الزمن رئة  تتنفس منها عاصمة الولاية ، قبل أن تتقلص المساحات الفلاحية و تقطع  مئات الأشجار المثمرة من نوع المشمش،  و التي تعد علامة مسجلة بهذه الولاية و بمنطقة سد القصب تحديدا منذ الأزل، حيث تراجع منتوج هذه الفاكهة صيف 2018 إلى أكثر من النصف.
وقد خلقت وضعية السد الذي أنجز منذ حوالي نصف القرن، حالة من القلق بين الفلاحين الذين تخلى الكثير منهم عن نشاطهم و خاصة في مجال زراعة الحبوب على مستوى بلديات السوامع ، المطارفة وأولاد ماضي وعاصمة الولاية المسيلة وكذا ملاك مساحات شاسعة من أشجار المشمش بالخصوص، حيث تتعرض مئات من هذا النوع من الأشجار إلى الحرق و القلع، بعدما يبست بسبب عامل الجفاف،  الذي أتى على الأخضر و كذا انتشار بعض الأمراض المعدية على غرار حشرة « الكابنوت « بمنطقة نوارة بالتحديد و حي بوخميسة.


الاسمنت يغزو الأراضي الفلاحية
 و بمرور الأيام و الأشهر، كبرت أطماع العديد من الورثة الذين باتوا يتحينون الفرصة لقلع ما تبقى من أشجار، بغية تشييد كتل إسمنتية مكانها وتقسيمها إلى قطع أرضية فيما بينهم هنا وهناك ، ليقلص من يوم لآخر من مساحات شاسعة من هذه البساتين والجنات الخضراء التي تعتبر رئة مدينة المسيلة في الجهة الشمالية الشرقية.    
 يحدث ذلك رغم وجود قرار ولائي صادر سنة 2007 عن الوالي مانع محمد الصالح، يقضي بمنع البناء فوق الأراضي الفلاحية ، وتوسعت الظاهرة  في أوساط الورثة بعد دخول مشروع الطريق الاجتنابي المنجز قبل العامين حيز الاستغلال ، وهي الطريق التي تمر وسط المنطقة باتجاه ولاية برج بوعريريج، حيث تكررت أطماعهم التوسعية و بانت نواياهم في القضاء على ما تبقى من مساحات من أشجار المشمش والأشجار المثمرة.
وقد برر العديد من الفلاحين  قطع  مئات الأشجار المثمرة ، بموتها متأثرة بعامل الجفاف الذي ضرب المنطقة، في ظل عدم حصولهم على كميات من مياه السقي عن طريق ديوان المساحات المسقية الذي لم يعد حسبهم قادرا على تحمل مسئولياته في توفير ما أمكن من مياه لسقي محاصيلهم التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، في حين أنه يستحيل من ناحية أخرى الحصول على رخص حفر الآبار ، وهذا كون المنطقة لا تتوفر على مياه جوفية كافية  لأن تنقذ محاصيلهم بعد أن انخفض مستوى منسوب المياه بهذه الجهة خلال السنوات القليلة المنصرمة.
فلاحون لا يثقون في عملية إزالة الطمي
مخاوف الفلاحين لها ما يبررها، رغم تأكيد ديوان المساحات المسقية قدرته على تصريف حوالي 7 مليون متر مكعب من مياه سد القصب، الذي يصل مستواه حاليا  إلى 12 مليون متر مكعب، بعد عمليات التنظيف بالباخرة و فتح واحدة من قناتي السد الاثنين،  والتي  تعرضت للانسداد  بكميات كبيرة من الطمي ،   بينما تتجاوز طاقة استيعابه 29 مليون متر مكعب،  و يؤكد القائمون  على عملية التنقية، بأن 40 بالمائة من الطمي   تم التخلص منه  منذ بداية العملية سنة 2001 ، و هذا رغم أن هذه المنشأة تستغل في السقي دون الشرب.
و يضيف  الفلاحون، بأن عملية تنظيف السد غير صحيحة و تفتقر إلى الجدية في التعامل مع مخلفات  الطمي و الأوحال في الوادي، ما تسبب في ارتفاعه وهو ما يهدد سلامتهم ويضع مستقبل السكان قبل كل شيء في مواجهة مصير مجهول، حيث طالبوا بضرورة إحياء مشروع تشجير جانبي السد ، والذي التزم وزير الموارد المائية حسين نسيب بانجازه  في زيارته للولاية والمنطقة السنة الماضية ، حيث  أعلن حسبهم عن التحضير لمشروع تشجير ذي طابع وطني، إضافة إلى تخصيص مشروع شرع في انجازه قبل أشهر، يتعلق بإعادة تأهيل شبكة السقي التي مسها الاهتراء بغلاف مالي يقدر بـ 111 مليار سنتيم.


    تأهيل 200 كلم من شبكة السقي عملية غير مجدية   
و حسب السيد سنيقري عبد السلام المدير العام لديوان المساحات المسقية ، فإن مشروع إعادة تأهيل شبكة السقي منح لمؤسسة ترانس كانال غرب، و يشرف عليها عمليا الديوان الوطني للسقي و تصريف المياه بالجزائر العاصمة، إلا أن ما يطرح أكثر من علامة استفهام، يقول ذات المسؤول، هو وضعية الديوان حاليا والذي يمر بظروف صعبة واستثنائية منذ تاريخ 5 أفريل 2012، حين تم حل الديوان من طرف المجلس الشعبي الولائي لولاية المسيلة بموجب مداولة تحت رقم 03 / 2012، مع تحويل مهامه و وسائله إلى الديوان الوطني للسقي و تصريف المياه بالجزائر.
و تضمن قرار الحل الحفاظ على العمال و الموظفين و توفير الشروط المادية و البشرية لضمان استمرار هذا المرفق، تطبيقا لاجتماع وزارة الداخلية و الجماعات المحلية بتاريخ 10 جانفي 2012، بعد دراسة مستقبل المحيطات المسقية بخمس ولايات عبر الوطن، حيث أن الحل تم في حينه و بقي تجسيد الشطر الثاني من القرار الوزاري المتعلق بتحويله إلى الديوان الوطني للسقي معلقا إلى يومنا هذاّ، وهو ما تسبب في معاناة كبيرة، حيث أن الوزارة مازالت تعتبره مؤسسة عمومية محلية تابعة لولاية المسيلة، في وقت أنه ظل يعاني من أجل الاستمرار ، يضيف المدير العام للديوان، خصوصا و أن الصعوبات و العوائق ما فتئت في تفاقم يوما بعد يوم.
و ذكر المتحدث، أن هذه الصعوبات انعكست بشكل كبير على فلاحي المنطقة و المحيط الفلاحي لسد القصب، خاصة بعد توقف السلطات المحلية عن دعم الديوان بمشاريع انجاز، كما كانت قبل سنة 2012 تاريخ حله من أجل تغطية أعباء التسيير و الاستغلال، و هو ما أثر بشكل مباشر على تحقيق التوازن المالي للمؤسسة و استمرار حالة الجفاف لمدة تجاوزت 6 سنوات متتالية و الذي بلغ ذروته في السنوات الثلاث الأخيرة، ناهيك عن توحل سد القصب و تراجع قدرته على تخزين المياه و انتشار بعض الأمراض التي أدت حسبه إلى موت الأشجار المثمرة، و تقلص منطقة البساتين إلى حوالي 350 هكتارا سنة 2016.
وأضاف السيد سنيقري عبد السلام و هو يعرض حال محيط سد القصب لأعضاء مجلس الأمة و والي الولاية و مسئولي القطاعات المعنية ، بأن تأهيل المحيط الذي يمتد على  طول شبكة السقي  المقدرة بـ 200 كلم دون توفير الوسائل الضرورية لتسييره، سيحول دون استمراره لسنوات قادمة.
سفينة لتنظيف السد   
توسيع المساحات المسقية بولاية المسيلة من 20 ألف متر مكعب إلى 40 ألف متر مكعب، استنادا إلى تصريحات سابقة لوزير قطاع الموارد المائية   في آخر زيارة للولاية،   دخل  حيز الخدمة منذ فترة ومحطة سيدي عيسى  في طور الانجاز ، فضلا عن قراره بتخصيص غلاف مالي إضافي من أجل الحفاظ على السد  لبلوغ حجم 5 ملايين متر مكعب من الأوحال المستخرجة، مع تخصيص واحدة من السفن الجزائرية الصنع لإزالة الأوحال من السد و الجاري .
مدير المصالح الفلاحية لولاية المسيلة معمر حريزي، قال بأن مصالح الفلاحة اقترحت فيما سبق على الفلاحين، ضرورة الاعتماد على التقنيات الحديثة لاقتصاد المياه وكذا على فلاحي المحيط والمنطقة، انجاز أحواض مائية صغيرة، الغرض منها تجميع المياه لسقي محاصيلهم الزراعية وتفادي الضياع المستمر لكميات كبيرة من هذه المادة الحيوية وهذا ما يخدم الفلاح من جهة ويجعلنا في منأى عن مشاكل نقص مياه السقي بالنظر إلى محدودية كميات التساقط بحوض الحضنة، حيث لا تتجاوز نسبة تساقط الأمطار 219 ملم سنويا. و رد ذات المسؤول في وقت مضى عن سؤال للنصر حول موقف مديرية المصالح الفلاحية بالولاية من ظاهرة زحف الاسمنت المسلح على الأراضي الفلاحية وخصوصا بمنطقة نوارة وبوخميسة بمحيط سد القصب، بأن مصالحه لا تسمح بتاتا بالاعتداء على الأراضي الفلاحية والتي تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه من قبل أي كان، مضيفا بأن مصالحه ملزمة على الفور باتخاذ الإجراءات القانونية المتاحة و أن القانون لا بد من تطبيقه من قبل السلطات المحلية بصرامة و الوقوف أمام أي محاولات اعتداء على متر واحد من الأراضي الفلاحية.        و أشار إلى أن ولاية المسيلة عموما، تشهد تطورات هامة في قطاع الفلاحة و خصوصا من حيث تطور المساحات الصالحة للزراعة والتي قاربت 277 ألف هكتار، منها أزيد من 41 ألف هكتار مساحات مسقية، في حين أن المؤشرات الوطنية تضع المسيلة، يقول، في المرتبة 14 وطنيا من حيث الإنتاج الفلاحي، ما يساهم بـ 71 مليار دينار سنويا.    

روبورتاج فارس قريشي   

الرجوع إلى الأعلى