خطر الإنهيارات يتهدد  270 عائلة بعوينة الفول في قسنطينة
يعرف حي 20 أوت 55، المعروف محليا بولاية قسنطينة باسم «عوينة الفول»، تدهورا واضحا للبنايات المشيَّدة منذ أكثر من قرن، والمأهولة بمئات العائلات، حيث زادت العوامل الطبيعية الأمر سوءا، على غرار الرُّطوبة ومياه الأمطار  ، على اعتبار أنَّ المنطقة مصنَّفة في الخانة الحمراء للانزلاق. وهو ما تظهره التشقُّقات وميلان جدران البنايات التي استسلمت للزمن بوضوح،  وقد تعززت مخاوف السكان إثر حادثة وفاة سيدة إثر انهيار بناية مجاورة لبيتها، ما جعلهم يستعجلون الترحيل قبل وقوع الكارثة ويتحدثون عن كونهم ضحية خلط بين جزئي منطقة عوينة الفول.
عند الدُّخول إلى عوينة الفول من الجهة العلوية، يظهر بشكل جليّ قِدمُ البنايات المتراصفة بمنحدر شديد وصولا إلى حي «المنية» تقريبا، حيث تلتصق جدران ما يقارب 400 منزل ببضعها، وهي بنايات موسومة بأرقام تقنية و لافتات تعلو مداخل العمارات الجماعية والفيلات الفردية تعود إلى عهد الاستعمار ، والمشيدة ما بين 1880 و1910، بحسب ما وقفت عليه النصر، لكنَّها لم تعد اليوم صالحة للعيش، لخطورة الوضع داخلها، واحتمال انهيار الأسقف على رؤوس الساكنة في أيَّة لحظة، واضطرار السكان للبقاء بها   لعدم وجود بديل كما يقولون.
ورُغم ما يعيشه قاطنو «عوينة الفول»، فإنَّ روح التكافل بدت واضحة خلال جنازة الفقيدة «ق. ج»، التي توفيت إثر إنهيار وقع منذ أيام، وأيقظ معه الخوف من الخطر، خوف لمسناه في حديثنا مع بعض السكان وفي عيون آخرين اكتفوا بالصمت،  منهم   زوج الضحية، الذي بدا في حالة صدمة جراء ما وقع، ولولا القدر لكان هو الآخر في عداد الموتى بعد سقوط حجارة ضخمة على سقف بيتهم المتهالك، حيث لم يتمكن من وصف ما حدث لنا، وهو محاط بالجيران والعائلة، لتخفيف وطأة الفقد عنه.
تصدعات والرطوبة  تخلف الأمراض
ويلاحظ على غالبية البنايات بعوينة الفول تشقق الجدران الداخلية والخارجية للبيوت، المبنية دون أعمدة إسمنتية، وهي طريقة بناء  كانت شائعة ،   فالدعامة الخشبية لسقف بيت المرأة المتوفاة  تكون قد تآكلت مع مرور الوقت، كما أن القرميد من النوع القديم، أمّا السقف الداخلي فمُهيأ بالقصب والجبس، كما تكاد الجدران تتهاوى لقدمها، رغم بنائها بشكل صلب.


ويشتمُّ الداخل إلى منازل قاطني عوينة الفول رائحة العفن، جرَّاء الرطوبة العالية بالشُّقق والتهوية شبه المنعدمة، وهو عامل آخر جعل أجزاء من السكنات القديمة تتهاوى يوميا، خاصة في فصل الشتاء الذي تحدث فيه تسربات مائية إلى الداخل، وهو ما  يسبب حسب من تحدثوا إلينا أمراضا مزمنة لكبار السن والأطفال الصغار، الذين يتغيبون كثيرا عن صفوف الدراسة بسبب المرض، خاصة أمراض الصدر والحساسية والرَّبو، وهو أمرٌ بات شائعا بين أبناء عوينة الفول، بحسب ما علمناه منهم.
وبحسب رياض الستيني، الذي ولد بالحي وما زال يسكن فيه، فإنَّ الخوف من موت أبنائهم ردما تحت ركام البنايات المتهاوية يؤرِّقهم، وكثيرا ما سقطت الأسقف والجدران على رؤوسهم لكنهم يقومون بترميم شققهم والعودة إلى الحياة اليومية بمشاغلها، في حين بات يخاف من وقوع حوادث مماثلة وموت المزيد من الأشخاص تحت   الرُّدوم بعد الحادثة الأخيرة. وطالب محدثنا رئيس الدائرة والمجلس الشعبي البلدي بالتحرُّك لاتخاذ الإجراءات اللازمة، قبل حدوث كارثة أخرى.
بنايات في المنطقة الحمراء  «سقطت» منذ عملية الإحصاء
ويعدُّ حي عوينة الفول العلوي من المناطق المصنَّفة في الخانة الحمراء  للإنزلاقات منذ مطلع الألفية وفق خبرة أجراها مكتب الدراسات الفرنسي «سيميكسول»، بعدما عاين تقنيون من البلدية والولاية حالة السكنات والوضعية العامة، وتبين وجود  انزلاق  شديد  لوجود الحي ضمن منحدر صعب، بالإضافة إلى التسربات المائية المتأتية من أعالي وسط مدينة قسنطينة، كما أن العديد من السكنات شيدت فوق ينابيع مياه قديمة، ما يستوجب ترحيل ساكنيه إلى مكان آخر، لكنَّ الأمر «الغريب»، بحسب تصريحات المواطنين، يكمن في عدم إحصاء سكان الجهة نهائيا، نظرا لاختلاط الأمر على السلطات المحلية بين عوينة الفول العلوي والسفلي، وتحديدا بين حي 20 أوت 55 ونهج قايدي عبدالله.


وبخصوص هذه النقطة، فقد عملت البلدية والدائرة في سنة 2008، حسب ما علم من جمعية الحي، على إحصاء التجمعات السكنية الهشة والقصديرية، وهو ما تمَّ بعوينة الفول، لكن حي 20 أوت 55 أدرج حينها ضمن المناطق القابلة للترميم والصالحة للسكن، ما حال دون إحصاء الساكنة بالمكان إلى غاية العام 2016، بعد إنشاء جمعية الحي والمطالبة بالترحيل الفوري.
وقدَّم رئيس الجمعية وقتها، قائمة اسمية أولية بـ399 عائلة، حيث بقيت الأمور على حالها إلى غاية لقاء السكان مع رئيس الدائرة الأسبق، بعد الاحتجاج أمام مقر الدائرة، والذي أكّد حينها على ترحيل المعنيين، ليتبيّن في الأخير بأن عوينة الفول أدرج على أنَّه حيٌّ واحد فقط، وليس مُجزّأ إلى حي 20 أوت 55 في الجهة العلوية، ونهج قايدي عبد الله في الجهة السفلى، انتهاءً بأرض عميرش. وقد سببت هذه المشكلة، حسب الجمعية صدمة لدى السكان الذين أملوا في الترحيل الفوري بقرب انتهاء مشروع الوحدة الجوارية رقم 16، التي اختيرت من قبل السلطات لترحيل قاطني عوينة الفول.


جمعية الحي تستعجل الترحيل
وجَّه رئيس جمعية النداء لحي 20 أوت 55، نداء إلى السلطات المحلية وعلى رأسها والي الولاية عبد السميع سعيدون، ورئيسا الدائرة والبلدية، من أجل التحرك لحلِّ هذا الإشكال الخاص بسكان الجهة، وتبني البطاقة المحلية المقَّدمة لرئيس الدائرة منذ شهر.
وقال رئيس الجمعية، زهير سياري، بأنَّ رئيس الدائرة الحالي، قام بمعاينة ميدانية للحي شهر أكتوبر العام 2017، ووعد بإيجاد الحلول الناجعة، كما تلقى مؤخرا قائمة اسمية، تضمُّ أسماء 270 عائلة من السكان المستحقين للترحيل بعد غربلة القائمة من طرف الجمعية منذ شهر تقريبا، لكنّ المعنيين مازالوا يتساءلون عن مصيرهم في ظلّ عدم تقديم وصولات الاستفادة المسبقة من السكن ، ولا أية وثيقة أخرى تدلُّ على قرب العملية وحيثياتها.
حاولنا التقرب من رئيس دائرة قسنطينة، عزالدين عنتري، خلال جنازة الفقيدة «ق.ج»، لمعرفة آخر القرارات بخصوص ترحيل ساكنة عوينة الفول، وتحديدا حي 20 أوت 55، عقب الحادثة الأليمة التي راحت ضحيتها ربَّة عائلة، لكنَّ المسؤول اعتذر عن الردّ بهذا الخصوص، مؤكدا أنَّ ملف السكن بيد الوالي، وهو المخول باتخاذ القرارات بشأنه، وكان المسؤول صرح مؤخرا في ندوة صحفية أن عائلة  السيدة ضحية الإنهيار  استفادت من سكن لكنها لم تنتقل إليه لأسباب قد تكون موضوعية لكنه لم يتطرق لوجود لبس في إحصاء سكان هذا الحي.
روبوروتاج: فاتح خرفوشي/تصوير: شريف قليب

الرجوع إلى الأعلى